ويقول ليئور أكرمان، الباحث في معهد السياسات والإستراتيجيا- جامعة ريخمان، المنظّم لمؤتمر هرتزليا السنوي للمناعة القومية، إنه مع انتهاء الحرب في معظم الجبهات وعودة القتلى، تبدو حكومة نتنياهو كأنها بدأت تعود إلى نوع من الروتين في مجالات عديدة، لكن هذا الروتين ليس بالضرورة إيجابياً.
وفي مقال ينشره موقع المعهد المذكور، يسوّغ رؤيته بالقول إن هناك إجراءات تفرضها حكومة الاحتلال تقود خطوات إستراتيجية ورؤيوية، لكنها مدمرة بصورة خاصة، لتغيير ملامح "إسرائيل" وطبيعتها. فقضية التجنيد وتقاسم العبء لا تزال بلا حل؛ إذ إنها لا تلتزم بحكم المحكمة العليا لسن قانون التجنيد كما طلب منها، إنما تستمر في تأجيل الحل العادل، وتمتنع من التشريع وكذلك من تجنيد اليهود الحريديم، وتحاول تأسيس آليات التفافية تسمح لها بالاستمرار في تجنب تجنيدهم، ما يزيد العبء على الفئات التي تؤدي الخدمة فعلياً.
ويتوقع أكرمان أن يعمّق هذا المسار الانقسامات والاستقطاب في صفوف الإسرائيليين، ويمكن أن يصل- في غياب حل- إلى حرب أهلية مستقبلية، إذ لا يبدو أن الأطراف قادرون على التوصل إلى تسوية مقبولة.
ويضيف أكرمان: “مع انتهاء الحرب، تعود إلى الواجهة الدعوة إلى إقامة لجنة تحقيق رسمية للتحقيق في أسباب الأحداث، والكشف عن الإخفاقات والمسؤولين، والأهم وضع الأسس لمنع تكرار أحداث مشابهة مستقبلاً، لكن الحكومة ترفض ذلك خشية تحميلها المسؤولية، وتحاول إيجاد بدائل غير مناسبة، كـلجنة تحقيق حكومية أو برلمانية لا تملك صلاحية تحميل الحكومة المسؤولية”.
حرب مفتوحة على المحكمة العليا
وفي مجال الحكم والقضاء، يشير أكرمان إلى أن حكومة نتنياهو تواصل حرباً مفتوحة ضد المحكمة العليا ورئيسها، بهدف المس بشرعيتها كجهة مخولة بمراقبة أعمال السلطة التنفيذية أو ترؤس لجنة تحقيق رسمية.
ويشير إلى أن القيادة السياسية تمتنع عن دعوة رئيس المحكمة العليا إلى المناسبات الرسمية، وترفض التعاون مع المحكمة.
ويتابع: “كذلك الأمر، فقد عادت الحرب ضد المستشارة القضائية للحكومة بأقصى قوتها، في محاولة لتحييد صلاحياتها القانونية. وتسعى الحكومة للدفع بقانون يفصل منصب المستشار القانوني، بصورة تحد من قدرتها على التأثير في قرارات الحكومة. وحتى في القضية الأخيرة المتعلقة بالمدعية العسكرية العامة- والتي تشكل بلا شك وصمة خطِرة على منظومة القضاء العسكري- تحاول الحكومة الزج بالمستشارة القضائية في القضية واتهامها جزافاً بلا أي دليل”.
ويقول أكرمان إن حكومة نتنياهو بدأت تدفع بتشريعات تسمح بتعيين مقربين وناشطين سياسيين كأعضاء مجالس إدارة شركات كبرى، وهو ما يتناقض مع المعايير المهنية والاقتصادية، بهدف السيطرة السياسية على آليات الإدارة والاقتصاد من دون رقابة.
وفي مجال الأمن الداخلي، نبه إلى أن الوزير المسؤول بن غفير يواصل العمل خلافاً للقانون والتعليمات عبر إصدار أوامر مباشرة لضباط الشرطة والتدخل غير المشروع في نشاط الشرطة.
ويمضي في رسم ملامح الفساد السياسي في كيان الاحتلال: “وفق سياسة الوزير والحكومة، تمتنع الدولة تماماً من إنفاذ القانون ضد الإرهابيين اليهود في الضفة الغربية، وهو ما يسمح بتصاعد النشاط القومي المتطرف بطريقة يمكن أن تدفع إلى انتفاضة فلسطينية شعبية، بالإضافة إلى موجة الإدانات الدولية”.
ويقول أكرمان إنه بعد عودة المختطفين الأحياء، اتضح أن تصريحات الوزير وسياساته أدت مباشرة إلى زيادة الضغط والتعذيب على الأسرى الإسرائيليين في غزة، وربما تسببت بوفاة بعضهم. وهذا، برأيه، أيضاً يستوجب التحقيق من جانب لجنة التحقيق الرسمية عند إنشائها.
ويستذكر أن تقرير “مراقب الدولة” الأخير كشف أن وزارة المالية لم تكن مستعدة إطلاقاً لحالة الحرب، ولم تستجب بصورة صحيحة بعد اندلاعها، وهو ما ألحق أضراراً هائلة بالاقتصاد الإسرائيلي والاحتياطات المالية للدولة.
أما اقتصادياً، فإن "إسرائيل" مضطرة إلى مواجهة أزمة اقتصادية مستمرة بدأت قبل أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر بسبب خطوات الانقلاب القضائي الذي قادته حكومة نتنياهو، والذي أدى إلى خفض التصنيف الائتماني للدولة، وهجرة أدمغة واسعة النطاق، وخروج شركات عديدة نقلت معظم نشاطها إلى الخارج.
ويقول أكرمان إن الحرب التي استمرت عامين كلفت الدولة ثمناً باهظاً بالأرواح ومئات المليارات، بالإضافة إلى العجز الحكومي الذي كان مرتفعاً حتى قبل الحرب، ويشكل اليوم تحدياً كبيراً سيدفع ثمنه الجميع والأجيال القادمة.
ويرى أنه عند تحليل كل ما سبق، فضلاً عن محاولات لجان الكنيست التدخل في عمل جهات مستقلة كقادة الأجهزة الأمنية والقضائية، تتشكل صورة قاتمة جداً تشير بوضوح إلى اتجاهات عمل الحكومة الحالية، التي تسعى لتغيير طبيعة الحكم وإرساء نوع من الديكتاتورية الخاضعة لسيطرة الحكومة وحدها، من دون رقابة قضائية أو إنفاذ قانون أو نقد إعلامي.
ويخلص الباحث الإسرائيلي أكرمان إلى القول إنه بالنسبة إلى بعض أعضاء الحكومة، تبدو هذه الخطوات طبيعية وصحيحة للدولة، وخصوصاً للحريديم والتيار الديني القومي المتطرف، كالوزيرين سموتريتش وبن غفير، إذ يعملون لتعزيز طابع الدولة كـ”دولة شريعة” على حساب كل مظاهر الديمقراطية والتعددية.
ويضيف: “هذه اتجاهات خطرة جداً يمكن أن تقود الدولة إلى حضيض جديد، اجتماعياً واقتصادياً ودولياً. هناك حاجة إلى تغيير سريع وجذري في سلوك القيادة المنتخبة، مع رؤية مصلحة الدولة وجميع مواطنيها فوق مصالح مجموعات أقلية. من دون إجراء تغيير في أولويات الحكومة والتركيز على إعادة البناء الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للإحتلال، سيكون من الصعب تطوير الدولة وإعادتها إلى مقدمة الدول المتقدمة”.