ترامب يعزف من جديد على وتر الجذور والأصول، فيُرسل إلى العراق مبعوثًا خاصًا هو مارك سافايا، أميركي من جذور عراقية، وإلى لبنان سفيرًا جديدًا اسمه ميشال عيسى، أميركي من أصل لبناني. لكنه ليس مجرد سفير؛ فماذا نعرف عن السفير الأميركي الجديد لدى بيروت؟
ينحدر ميشال عيسى من بلدة بسوس – عاليه، ويحمل موقفًا حادًا من أحزاب الحرب اللبنانية، ولا يخفي عداءه لحزب الله، ويطالب علنًا بنزع سلاحه فورًا. ففي شهادة أمام الكونغرس قال: "يجب استغلال وقف النار للترسيم والتطبيع". ويشير مطّلعون إلى أنه محسوب على المعسكر الأميركي الداعم لعهد جوزاف عون، بخلاف المعسكر الآخر الذي يعبر عنه المبعوث الأميركي توم براك. كما أنّ ميشال عيسى ليس دبلوماسيًا فقط، بل خبير عالمي في إدارة الأزمات وإعادة هيكلة الشركات المفلسة.
ويبدو أن لبنان، بالنسبة للولايات المتحدة، يُعامَل وكأنه "شركة مفلسة". وهنا يبرز السؤال: هل تعتبره واشنطن شركة يجب تصفيتها، أم مشروعًا لإعادة هيكلة بلد بعقله الاقتصادي وعلاقاته السياسية؟.
وتحت شعار: Make Lebanon Great Again (لنجعل لبنان عظيمًا مرة أخرى)، وصل ميشال عيسى إلى ربوع الوطن بصفته سفيرًا فوق العادة، لأن أمامه "وفق الرؤية الأميركية"، "شركة مفلسة" تحتاج إلى إعادة هيكلة.
لكن إعادة الهيكلة على الطريقة الأميركية لا تتحقق بوجود مقاومة وشعب يرفض الرضوخ ويصرّ على المقاومة. كما قال الشيخ نعيم: "ولو بخشبة… لو كان عندنا أظافر… لو كان عندنا عصاية، سنبقى مقاومة ولن نتوقف".
أميركا أعلنت الحرب على لبنان بكل الوسائل: عسكريًا عبر العدو الإسرائيلي، واقتصاديًا عبر التهديد بفرض عقوبات على شخصيات سياسية بارزة، مع التلميح إلى احتمال فرض عقوبات على الرئيس نبيه بري. وفي الوقت نفسه، تضغط وزارة الخزانة الأميركية على بيروت بتهديد وضع لبنان على اللائحة السوداء، مع أنه اليوم على اللائحة الرمادية، فيما معظم الدول ترفض مساعدة بيروت قبل تنفيذ الشروط الأميركية.
واللائحة السوداء تعني أن يصبح لبنان دولة معزولة، ممنوعًا من التحويلات الخارجية، ما يهدد مصير الشعب اللبناني بأكمله، لأنه سيمنع استيراد الأدوية والدقيق والفيول اللازمة لتشغيل محطات الكهرباء.
ومن هنا تضغط الولايات المتحدة على الدولة اللبنانية لسحب سلاح الحزب ومحاصرته ماليًا، عبر قرارات مثل مراقبة التحويلات الداخلية والتدقيق في كل ألف دولار يتم تحويله داخليا. وفي الوقت نفسه تُتخذ إجراءات لتقليص عمل مؤسسة "القرض الحسن" بحجة أنها تموّل الحزب، رغم أنها تقدّم خدمات لكل اللبنانيين من دون تمييز طائفي أو حزبي، وتدعم المشاريع الصغيرة.
لكن المشروع الأميركي أكبر من طموحات الشعب اللبناني، وأكبر من قدرة الدولة على حماية شعبها من مطامع الكيان الإسرائيلي. ولهذا أرسلت واشنطن سفيرًا جديدًا إلى بيروت؛ صحيح أنه من أصل لبناني، لكن أهدافه أميركية، وأول وأهم ملف أمامه هو سلاح الحزب.
ويقول السفير ميشال عيسى إن نزع سلاح الحزب "ليس خيارًا بل ضرورة"، ويبقى الأهم هو "وقت التنفيذ". وليس وصوله صدفة، ولا اختيار شخص من أصول لبنانية صدفة، لأن الهدف هو تغيير الصورة اللبنانية: من صورة مقاومة إلى صورة مساومة واستسلام وتطبيع.
ويبقى السؤال: هل ميشال عيسى رسولُ إنقاذ… أم مبعوثٌ لإعادة هيكلة لبنان و"تلقيح" الجذور اللبنانية بالجذور الأميركية — وربما الإسرائيلية؟