ايران والامارات وحكاية السنديانة والسعدان

ايران والامارات وحكاية السنديانة والسعدان
الخميس ٢٦ أبريل ٢٠١٢ - ٠٣:٢٠ بتوقيت غرينتش

حال ايران مع دولة الامارات هو حال سنديانتنا مع السعدان، التي ظهرت الى دنيا الناس، قبل اربعين عاما فقط، من فوهة الفانوس السحري البريطاني، لتدعي، بأن ايران، التي كانت قبل التاريخ وبشهادة الجميع، اصدقاء وعداء، استولت على جزرها في الخليج الفارسي!!.

يحكى ان سنديانة، عملاقة تناطح اغصانها السماء، وتمتد جذورها الى أعماق الارض ضاربة بذات اليمين وذات الشمال، قاسمت الدهر ايامه منذ كان، فكانت عنوانا لارضها والسماء، كانت تعيش مزهوة باغصانها، التي امتدت في سماء الله ماشاء، فكانت ظلا وارفا يمد المستظلين بكل اسباب الحياة، ولكن في غفلة من الدهر، انتشر السعدان بالقرب من سنديانتنا العتيقة، ومن سخرية القدر، وكثيرا ماسخر، ان يدعى السعدان، وهو لم يلتصق بأديم الارض بعد، بأن بعض جذورها تعود له ودليله على ذلك انه، اي السعدان، ظهر بالقرب منها !!!.

حال سنديانتنا مع السعدان في هذه الحكاية هي حال ايران مع دولة الامارات، التي ظهرت الى دنيا الناس، قبل اربعين عاما فقط، من فوهة الفانوس السحري البريطاني، لتدعي، بأن ايران، التي كانت قبل التاريخ وبشهادة الجميع، اصدقاء وعداء، استولت على جزرها في الخليج الفارسي!!.

هذا الطارىء لم يكتف بذلك، بل وانطلاقا من حالة الدونية التي تلازمة وجوديا، اخذ يمد برقبته عسى ان يناطح بعض تراب سديانتنا، فاخذ يشوه حتى حقائق الاشياء ومنها تزوير الاسم الخالد للخليج الفارسي، الذي لم يجرؤ حتى زعيم القومية  العربية، جمال عبد الناصر،  من التطاول عليه لا لشيء، الا احتراما لشخصه ولعقله ومخزونه الثقافي، ترى ما الذي كان يكسبه عبد الناصر، اذا ما هبط من عليائه ونزل الى مستوى رعاع المثقفين الذين لا يملكون اية مكانة في المحافل العلمية والثقافية والسياسية، وزيف كما يزف شيوخ الامارات ومأجوريهم من اشباه الكتاب والصحفيين، هذا الاسم الخالد، هل كان سيكسب حفنة من الرعاع، ولكل في مقابل ماذا؟!!.

لا مكان لوثائق ودلائل ال زايد بشأن ملكية الجزر الايرانية الثلاث، الا سهلة المهملات، فهي مزيفة، والدليل على ذلك، تزييفهم لما هو اكبر وما هو اوضح من الشمس، الا وهي فعلتهم الشنعاء التي لاتغتفر ضد التاريخ والحقائق والعقول، المتمثلة بترويج كذبة ان للخليج الفارسي اسما اخر!!!. ان الذي يكذب بهذا الشكل الفضيع والمخجل، لتغيير حقائق تأبى التغيير، يكون اجرأ على ان يسرد الاكاذيب بشأن الجزر الايرانية في الخليج الفارسي، طنب الكبرى وطنب الصغرى  و أبو موسى.

الملفت ان امارات زايد، غاضبة اليوم .. لماذا ؟ لان الرئيس الايراني زار جزيرة ابو موسى!! ، والتي اعتبرها عبدالله وزير خارجية ال زايد استفزازا لاماراته وانتهاكا لسيادتها!!! ، وهو صلف لا يماثله صلف الا  صلف  السعدان في حكايتنا.

حالة الاضطراب والغليان!! التي تعيشها امارة ال زايد هذه الايام بسبب ما اصاب سيادتهم المنتهكة ما اصابها!! ، انتقلت الى باقي الامارات والمشايخ في منطقة  الخليج الفارسي، التي هرعت الى أمارة قطر!! التي تقود هذه الايام، لسوء طالع العرب، الامة العربية، فتجمعوا في الدوحة واعادوا تصريحات عبدالله بن زايد، ولكن على طريقة اوركسترا مجلس تعاون دول الخليج الفارسي!! ما انفك يعزفها هؤلاء المشايخ والامارات منذ ان تم تفتيق عقلهم!! عن تأسيس تجمع وحدوي عروبي تكافلي تضامني سياسي اجتماعي عسكري، هو مجلس تعاون دول الخليج الفارسي العربية!!!.

المضحك المبكي ان ظهور هذا المجلس، يشبه الى حد كبير ظهور السعدان عند اقدام السنديانة القديمة، فهو لم يكن نتاجا لعقلية هؤلاء المشايخ، فقد طهر للوجود عبر فوهة الفانوس السحري الامريكي، بشهادة العرب قبل غيرهم، وان ظهورهذا المجلس جاء اصلا بأرادة امريكية ولتحقيق اهداف امريكية صرفة، لاناقة لشعوب دول الخليج الفارسي فيه ولاجمل، ويمكن لكل من يريد معرفة الحقيقة بعيد عن التطبيل والتضليل الاعلامي الممول بدولارات النفط، ان يراجع كتابات وخطابات الكاتب الكويتي عبدالله النفيسي، على سبيل المثال لا الحصر، وهو والحمد لله ليس بصفوي ولا مجوسي ولا شيعي ولا من ابناء العلقمي!!! ، بل على العكس تماما، ان شهادته تعتبر في غاية الاهمية فهو رجل منهم حتى النخاع !!... لماذا؟ لان ثقافته الاكاديمية!! التي يحاول ان يظهر عليها دائما قادته الى ان الثائرين من ابناء شعب البحرين ضد الدكتاتورية والمطالبين بالديمقراطية ليسوا الا حفنة من الصفويين يتلقون اوامرهم من قم وطهران!!، فهذه الشهادة تثبت حسن سلوكه امام اصحاب العقول المتفتحة من الوهابية والقوميين العرب حتى النخاع، والذين يحملون تهم المجوسية والصفوية على اكتافهم، فهي جاهزة، لتلصق بكل من تسول له نفسه نصرة  الحق في ايران والعراق والبحرين ولبنان واليمن!!!،  فموقفه "المشرف" هذا!! من ثورة البحرين تجعله فوق كل عن الشبهات!!، وفوق الطائفية!! وفوق اللاعلمية!!.

ان فكرة اظهار مجلس التعاون السعداني الى الوجود، وبشهادة الجميع، تفتقت عنها عقول دهاقنة البيت الابيض امثال زبيغينو بريجينسكي مستشار الامن القومي في ادارة الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر، وهارولد براون وزير الدفاع الامريكي في ذات الادارة، في نهاية عقد السبعينيات وبداية عقد الثمانينيات من القرن الماضي وبعد ان عصفت الجمهورية الاسلامية الايرانية بقلعة امريكا في المنطقة، المتمثلة بنظام الشاه في ايران، وقلبت الطاولة الامريكية وما عليها من اوراق. فكان لابد من ترتيب هذه الاوراق مرة اخرى وفقا للمعطيات الجديدة التي افرزتها ثورة الشعب الايراني.

الرجلان وغيرهما طلبا من البيت الابيض ومن مجلس الامن القومي الامريكي اعادة النظر بالسياسة الامريكية على ضوء الثورة الاسلامية في ايران، التي راوا فيها تهديدا مباشرا للمصالح الامريكية في المنطقة وللنظم السعدانية التي تكفل ديمومة هذه المصالح.

هنا تفتقت عقول دهاقنة الادارة الامريكية عن فكرة توحيد المشايخ والامارات الست لتكون غطاء لمشروع عسكري امريكي لاقامة شبكة مترامية الاطراف من القواعد العسكرية لمحاصرة ايران وحماية المصالح الامريكية غير الشرعية وحماية الانظمة الحارسة لهذه المصالح، فظهر مجلس تعاون دول الخليج الفارسي الى الوجود، الذي يقول عنه النفيسي بالفم المليان ان: "منبته امريكي"و "يستهدف تحقيق مصلحة امريكية".

ويعتبر النفيسي وغيره، ان الفلسفة الوجودية لتاسيس مجلس تعاون دول الخليج الفارسي الذي هب لتضميد جراح سيادة امارة ال زايد، ذكرها بريجينسكي في احدى كتبه التي اشار فيها الى الحدود الاستراتيجية لامريكا، وهي حدود حمراء لا يجب الاقتراب منها باي شكل من الاشكال، كي تبقى امريكا ومصالها امنة، وهي  ثلاثة: الحد الاستراتيجي المركزي الاول  للولايات المتحدة، وهو ارض الولايات المتحدة  ذاتها، والحد الاستراتيجي المركزي الثاني، وهو منطقة اوروبا والتي تحميها قوات حلف الناتو، والحد الاستراتيجي المركزي الثالث هو منطقة  الخليج الفارسي، والذي تطلب تاسيس مجلس التعاون ليكون غطاء للوجود الامريكي في منطقة الخليج الفارسي.

اخيرا ليس امام ايران والحالة هذه، الا التعامل مع التهديدات والتطورات التي تشهدها المنطقة من خلال رصد السياسة الامريكية، باعتبارها المسؤولة عن كل مايجري في المنطقة، اما تصرفات وتحركات ومواقف وسياسات المشايخ والامارات في الخليج الفارسي، وفي مقدمتها امارة ال زايد وكيان ال سعود، ماهي الا صدى للسياسة الامريكية، التي تحاول الضغط على ايران، عسى ان تدفعها للتراجع عن مواقفها المبدئية والثابتة من برنامجها النووي السلمي، ونصرة المستضعفين في العالم وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني المظلوم، ومناهضة الظالمين وعلى راسهم الصهاينة.

*بقلم / نبيل لطيف - البديع نت