ولعل اتهام الشيعة بالطائفية من اهم التهم التي سنتها الحكومات السنية التي حكمت العراق في العصر الحديث وبرزت كسلاح يرهب كلَّ من يفكر بالاشارة الى طائفية الحكومات السنية التي تخنق اي صوت يستنكر استئثار السنة بالحكم واقصاء الشيعة عن المواقع الحساسة مدنية ام عسكرية، فالجيش (في العراق وكافة دول الخليج (الفارسي)) تتكون غالبيته من قادة سنة (مع نفر قليل من ضباط شيعة لتجميل الوجه الاقصائي القبيح)والوزارات يشغلها وزراء سنة (مع قليل من الوزراء الشيعة لنفس الهدف التجميلي)، والسفارات والوزارات والمديريات العامة واجهزة الامن والمخابرات وكل الوظائف الحساسة تخضع لنفس القاعدة. ويكفي القاء نظرة على قوائم المقبولين في كليات الطيران والكلية العسكرية بهذه الدول للتسليم بهذه الحقيقة.
كما يكفي إلقاء نظرة على مناهج التعليم الديني في جميع الدول العربية المختلطة المذاهب فهي برامج سنية، بمعنى أن الحكومات السنية تعتبر مذهبها هو الفهم الوحيد للدين ولو كانت اغلبية الشعب من مذهب مخالف، والأمر كذلك ينطبق على الأذان والأعياد ورأس السنة الهجرية.
تهمة الطائفية الموجهة ضد اي شيعي يعترض على طائفية الحكم جعلت الشيعة يخشون لا فقط الاعتراض على الطائفية بل يتحفظون احيانا من اظهار تشيعهم خشية الاقصاء او خشية البطش.
ان ظاهرة قمع التواجد الشيعي (في المؤسسات الحكومية) واجباره على عدم الاشارة الى مذهبه (في الاوساط العامة) خلقت جوا "نقيا" في تصور من لا يعرف حقيقة الامور فاستغل الطائفيون هذا الجو وزعموا انه لم تكن للطائفية وجود قبل سقوط صنمهم عام 2003.. ببساطة لأنهم لم يكونوا قبل سقوط صنمهم يسمعون بكلمة شيعي او سني!! ناسين او متناسين السبب الحقيقي وهوأن من كان يعلن عن تشيعه يتهم بالطائفية ويذوق وبال امره عذابا اليما في اقبية الامن او في المقابر الجماعية. اي ان الشيعي كان يدفع ثمن طائفية النظام الحاكم لمجرد كونه شيعيا لا يحق له الا ان يكون خاضعا للحكم الطائفي ووقودا لحروبه المجنونة.
ولعل ما قاله صدام للسعودية في بداية الحرب العراقية الايرانية: " أرسلنا اليهم كلابهم لتنهشهم" دلالة واضحة على العقلية الطائفية التي استثمرها الغرب الكافر والخليج الوهابي في تحقيق اهدافه ضد قوتين شيعيتين لا يمكن تطويعهما لخدمة امريكا واسرائيل: ايران وشيعة العراق، الامر الذي اثبته الواقع الفعلي حيث لم يبق في ميدان مقاومة اسرائيل الا حزب الله وحركة حماس وكلاهما مدعومتان من قبل ايران، بينما سارت كل الدول السنية في ركاب الصلح مع اسرائيل وتصفية القضية الفلسطينية.
كان من الممكن ان نصدق براءة الطائفيين في العراق والخليج(الفارسي) لو انهم انفسهم تركوا استخدام مصطلح سني وشيعي..كان يمكن ان نصدق أنهم ليسوا طائفيين لو لم يطالب السنةُ الحاكمَ الامريكي بول بريمر في مجلس الحكم بفصل الاوقاف السنية عن الاوقاف الشيعية. كان من الممكن ان نصفهم بعدم الطائفية لو قالوا: "حسناً، لسنا طائفيين..لنترك الاوقاف على اسمها العام ولا نكون طائفيين بتقسيمها الى اوقاف شيعية واوقاف سنية". لو فعلها سياسيو السنة مرة واحدة في حياتهم لكان بامكانهم ان يدّعوا انهم ليسوا طائفيين، لو قالوا: " لقد سيطرنا على الاوقاف الف عام، فلنتركها للشيعة بضعة اعوام" لقلنا انهم حقاً غير طائفيين. لكنهم لم يفعلوا ذلك..كان موقفهم بصراحة: اما ان تكون الاوقاف كلها في يدنا، واما ان نتحول الى طائفيين، وليكن ما يكون.
ولم يتوقف الامر عند هذا الحد، بل انهم وبعد ان وجدوا ان الحكم اصبح مناصفة بينهم وبين الشيعة ذهبوا الى جميع دول الجوار السنية مطالبين باعادتهم الى الحكم تحت شعار انقاذ اهل السنة من التهميش...لقد أصبح مشاركة الشيعة للسنة في الحكم تهميشا للسنة!! لأن الاستئثار بالحكم هو حقهم الطبيعي، فاذا شاركهم فيه اخوانهم الشيعة فقد وقعت الواقعة وحصل التهميش! أما استفراد السنة في جميع الدول العربية بالحكم فلا يحمل اي تهميش للشيعة، بصراحة لأن المنهج الطائفي يعتبر اقصاء الشيعة أو إلغاءهم ممارسة طبيعية جدا.
وعلى سبيل المثال طالَبَ رئيس الوقف السني يومها الدكتورعدنان الدليمي مؤتمراً انعقد في تركيا بـ"اعادة العراق الى اهله السنة لأن السنة هم اهل العراق الحقيقيون"! وعبـّر عن اشمئزازه من شيعة العراق بافساد تعابير وجهه واكتسابها منظرا قبيحا قائلاً: " اي عراق؟ عراق الشيعة؟" [خطابه موجود على اليوتيوب في الرابط http://www.youtube.com/watch?v=5noHmTTIW-o].
اما الاعلام العربي الطائفي فقد سارع الى لصق تهمة العمالة بالنصف الشيعي من اعضاء مجلس الحكم بسبب مشاركتهم في حكم أقامَتهُ قوات الاحتلال، مانحاً النصف السني حصانة من تهمة العمالة التي هي ماركة مسجلة بالشيعي مهما ضحى في سبيل الوطن ومهما قاوم الاحتلال قديما وحديثا(ثورة العشرين شيعية، وجيش المهدي شيعي).وقال حارث الضاري على قناة الجزيرة: أن مجلس الحكم جيفة من جيف الاحتلال، لكنه زكّى رئيس مجلس الحكم يومها فقال عنه: "انه اشترك في مجلس الحكم بنية طيبة".النية الطيبة عند حارث الضاري توجد حيث يوجد التسنن، وما عداه فالنوايا خبيثة!
لقد مارست الميليشيات السنية (القاعدة وحاضنتها المحلية) بعد السقوط عمليات ابادة للشيعة في اسواقهم ومساجدهم وتجمعاتهم السكنية، مع تجميل ذلك ببضع عمليات ضد المحتل ما لبثت ان توقفت بعد هبوط جورج بوش في مطار الرمادي وتوسيع دائرة المشاركة السنية في الحكم، وتوقفت الميليشيات السنية عن مهاجمة القوات الامريكية، وتحولت الى قوات صحوة.
اثارت عمليات تفجير المناطق الشيعية وذبح الشيعة على الهوية ردَّ فعلٍ خاطئ أدخل العراق في حرب طائفية يتحمل من شارك فيها على مستوى الفعل ورد الفعل مسؤولية الدماء التي اريقت.
كذلك وقف السنة الرسميون في العراق والمنطقة من الانتخابات العراقية موقفا سلبيا باعتبارها انتخابات تجري في ظل الاحتلال الامريكي، ولذا فهي باطلة في زعمهم، لأن ما اقيم على باطل فهو باطل، لكن الانتخابات الفلسطينية التي اقيمت في ظل الاحتلال الاسرائيلي اكتسبت شرعية ولم يعترض عليها سني واحد. السبب بكل بساطة هو ان الانتخابات في العراق اتت بالاغلبية الشيعية الى الحكم، بينما جرت الانتخابات الفلسطينية في محيط لا شيعة فيه، والسبب الاهم هو انها كشفت عن ان الاغلبية في العراق شيعية لا سنية، وهذا يكشف مدى الظلم والاستئثار الذي مورس بحق الاغلبية الشيعية في العراق طوال قرون باقصائهم عن السلطة.
بقي سلاح العمالة للاجنبي بالاستعانة بالقوات الكافرة سلاحا ماضيا ومادة للتشهير بالشيعة دون الالتفات الى ان هذه القوات استعانت بدول السنة في الدخول الى العراق من الشمال والجنوب، ولم تطبل الابواق السنية ولا القرضاوي ضد الدول التي منحت القوات الامريكية قواعد وممرات وتسهيلات.. بل اكثر من ذلك: افتى القرضاوي بوجوب مقاتلة القوات الامركية في العراق وحرمة التعرض لها في قطر! وفتواه معروفة مشهورة.
وبقيت تهمة الاستعانة بالاجنبي تفعل فعلها الى ان قرر السنة الاستعانة بنفس الاجنبي لاسقاط القذافي، فاذا بالسنة يحلـّون في ليبيا ما حرّموه في العراق (بقطع النظر عن صحة التهمة في العراق او عدمه صحتها)ّ.
ومن جانب اخر فان السنة على مستوى السياسة والاعلام يطعنون في عروبة الشيعة متهمين اياهم بالارتباط بايران او بالاصول الايرانية.. حسنا، هل الانحدار من اصول غير عربية تهمة مشينة؟ اذن مـَنْ كان يعتبر الاصول العثمانية شرطا قانونيا للحصول على شهادة الجنسية العراقية خلال قرن الحكم الطائفي في العراق؟
ولماذا لا يحول الاصل الايراني لسنة الخليج(الفارسي) دون تبوّئهم مراكز هامة، بينما نفس الاصل لشيعي خليجي يكفي لحرمانه من اي مركز، بل حتى من الجنسية احياناً؟
واذا كان شيعة العراق حُرموا من حقوق المواطنة لأن بعض الشيعة في الوسط والجنوب ينحدرون من اصول ايرانية، فلماذا لم يحرم منها اهل الموصل والكثير منهم من اصول تركية؟ ومن لا يصدق فليراجع اسم الجد الرابع لأغلب العوائل العريقة فيها [نقول هذا ونحن لا نعيب على الانسان مذهبه أو أصله القومي، لاننا نؤمن ايمانا حقيقيا بالاسلام غير الطائفي الذي يعتبر الانسان مكرما (ولقد كرّمنا بني آدم) وتزداد كرامته بالايمان مهما كانت قوميته او وطنه او مذهبه، فهم اخواننا في الانسانية والدين والوطن، ولن نرضى باي تمييز ضدهم مهما كان مصدره.
وعلى الصعيد العقائدي افتحوا مواقع الانترنت والفضائيات وانظروا من يكفـّر الآخر..؟
ستجدون الشيعة يحاولون اثبات احقية مذهبهم ضمن الدين الواحد، اما السنة فكل محاولاتهم ومحاوراتهم تكفير الشيعة وإخراجهم من الاسلام.
طبعا هذه المحاولات هي مقدمة لتبرير قتلهم او تبرير اضطهادهم أو للتمهيد لازالة الشيعة من مواقع الحكم في العراق وإراحةً لاسرائيل القلقة من ايران وحزب الله واحتمال تطويقها بالهلال الشيعي.
ان الربيع العربي الذي نجح برنارد ليفي في ركوب موجته والذي ترعاه قطر والسعودية اضافة الى امريكا وفرنسا والناتو لا يعرف كيف يبرر عدم خول البحرين الى ناديه، فالفرق الوحيد بين ثورة البحرين وباقي ثورات الربيع العربي هو ان الشعب البحريني غالبيته شيعية والسلام.
ولو كان الشيعة يدعون امريكا والناتو للتدخل في البحرين (كما يطالب السنة بالتدخل في سورية) لارتفعت عقائر الطائفيين متهمة الشيعة بالعمالة.
والوسط الذي يسلط الاضواء احيانا على الظلم الذي يتعرض له شيعة العراق وشيعة الخليج(الفارسي) على يد التحالف الوهابي الامريكي انما يفعل ذلك نصرة للحق ومحاولةً لاقامة العدل الذي دعا اليه القران وارسل الله من اجل اقامته كل الانبياء والمرسلين.
والوسط يتبنى قضية البحرين لانها الثورة المخنوقة المظلومة التي تغافل عنها عمدا مثقفو البترودولار المرتبطون بالحكومات الطائفية.
تعالوا ايها السنة الى كلمة سواء..تعالوا ندعو الى اقامة العدل ومكافحة الظلم الواقع على السنة والشيعة، في سورية والبحرين، وفي العراق والسعودية، كائنا من كان الظالم ومهما كان مذهب المظلوم..
تعالوا يا كتاب السنة وعلماءهم ومفكريهم ومحلليهم السياسيين الى كلمة سواء بيننا وبينكم...تعالوا نتعاهد على الدعوة الى :
رفض حكومة الفرد الواحد والحزب الواحد والعائلة الواحدة مهما كان مذهب الشعب ومهما كان مذهب الحاكم.
رفض الحكم الوراثي مهما كان مذهب الشعب ومهما كان مذهب الحاكم.
رفض تهميش الاقليات مهما كان مذهب الاقلية ومهما كان مذهب الأكثرية.
المطالبة بانتخابات حرة ونزيهة يختار فيها الشعب نظامه وحكومته وممثليه في البرلمان في جميع الدول العربية مهما كان مذهب الشعب ومهما كان مذهب الحاكم.
المطالبة بتداول سلمي للسلطة في جميع الدول العربية مهما كان مذهب الشعب ومهما كان مذهب الحاكم.
هذه رسالة الوسط الى جميع الكتاب السنة، فان اجابوا فمرحبا بهم، وصفحات الوسط تحت تصرفهم، وان تولوا فاشهدوا بأننا ديمقراطيون وأنهم طائفيون.
الوسط