الثورة الاسلامية، التصدير والتأثيرات الاقليمية والعالمية

الثورة الاسلامية، التصدير والتأثيرات الاقليمية والعالمية
الخميس ٣١ يناير ٢٠١٣ - ٠٩:١٧ بتوقيت غرينتش

تعد الثورة الاسلامية في ايران من الأحداث المذهلة في القرن العشرين ، ويعود ذلك في جانب كبير منه إلى انّها فاجأت الجميع وأخذتهم على حين غرة . والواقع انّه لا الثورة الايرانية كانت متوقعة ولا طبيعتها الدينية ، بيد أنّ الأمور سارت في هذا الاتجاه . لقد فضح حدوث الثورة الاسلامية مرة أخرى قصور العلوم الاجتماعية عن معرفة الوقائع الاجتماعية بنحو دقيق ، لذا أعيدت صياغة العديد من تنظيريات للثورة عموماً ، والآراء الفكرية حول خصائص المجتمع الايراني والايرانيين على وجه التحديد .

 بالنظر للتصلب السائد على النظام الدولي ، ووجود نظام القطبين ، فقد كان اندلاع ثورة شعبية اجتماعية دينية بمثابة زلزال هز بشكل عنيف جميع كيانات القوى والنماذج والقناعات المؤازرة للنظام العالمي . حتى إنّ القوى المعارضة للثورة راحت إلى فترة معينة بعد الانتصار تهتم بعضها بالتدخل في الثورة والتخطيط لها . غير أن مضي الوقت برهن على شعبية واستقلالية هذه الثورة ، الأمر الذي دفع الأعداء شيئاً فشيئاً صوب الاتحاد ، وتغيير اصطفافاتهم الدارجة قبل الثورة ، وتخندق القوى الكبرى ضدّ الثورة الايرانية . كانت التحالفات والائتلافات الجديد تتشكل ، والتحولات المتسارعة ذات الصلة بانتصار الثورة الاسلامية تظهر إلى النور واحداً تلو الآخر . على أن ما حظي بالأهمية الأولى هو وقوع الثورة الاسلامية . وإذن فالمساعي مهما كانت ، فقد عملت لا ارادياً على تكريس الطابع العالمي لهذه الحقيقة . وحيث إن أعداء الثورة أصحاب قدرات إعلامية فائقة ، فقد سافر هذا الحدث الكبير إلى كل أرجاء المعمورة ، رغم أن تفاصيله كانت تعالج من قبل تلك الوسائل الدعائية بمنحى سلبي في الغالب .
أسباب الفزع من الثورة الاسلامية :
بما أن ايران هي الأخرى كانت قبل الثورة أسيرة ألاعيب المعسكرين الشرقي والغربي ، وخاضعة لاشراف وحماية العالم الغربي ، فقد كانت تبادر إلى تخطيطات وخطوات يمكن بسهولة مشاهدة نظائر لها في بلدان أخرى ، لا سيما بلدان الجوار والمنطقة . وعليه فمن الطبيعي أن يثير انتصار الثورة في ايران القلق الشديد من حدوث ثورة مماثلة في بلدان لها نفس الظروف والمشكلات التي كانت لايران . ولم يقتصر هذا الفزع على احتمال اندلاع ثورة أخرى ، بل امتد ليشمل الخوف من الايديولوجيا الدينية (الاسلامية) أيضاً ، لأنها تفرز وعياً هائلاً للذات يستند إلى الاسلام وقد يسفر عن صحوة المسلمين وحضهم على الانعتاق من هيمنة القوى الكبرى وتحقيق الحرية والاستقلال لأنفسهم .
انتصار الثورة الاسلامية نقطة عطف في الحركات المعارضة :
الذي حصل بالفعل هو نقطة عطف في حركات المعارضة والثورة الاسلامية المناهضة للانسياق والسلوكيات السلطوية التي تبديها القوى الحامية للنظام الدولي السائد . النقطة المهمة في هذا الخضم هي أنّ الثورة الاسلامية وقعت ضمن وحدة الشعب ـ الحكومة بوصفها وحدة سياسية مقبولة في النظام الدولي وصانعة له . وبسبب شعبيتها ، فقد كانت الكلمات والشعارات المطروحة تدعم وتتابع من قبل الشعب والحكومة على السواء ، والنظر إلى الشعب والحكومة في ايران الثورة باهتمام وجدية من قبل الأعداء والأصدقاء ، وتعذر صرف النظر عن الأحداث الجارية في هذا البلد . وبنظرة داخلية أيضاً كانت الثورة ذات صبغة دينية (اسلامية) وهي مكلفة بالتحرك والبرمجة للنهوض برسالتها الثورية ، وعلى هذا الأساس اثير موضوع تصدير الثورة .
الظاهرة الطبيعية التي سميت تصدير الثورة ، والناجمة عن تماثل الظروف بين ايران وبعض بلدان المنطقة من جهة ، وانغلاق الوضع السائد على النظام العالمي بما لا يسمح بقبول واستساغة الواقع الجديد من جهة ثانية ، خلق معنيين لتصدير الثورة . في الداخل ومن وجهة نظر الثوريين الايرانيين تبدى تصدير الثورة عبارة عن ايصال رسالة الحرية والاستقلال والعزة الاسلامية إلى أسماع المسلمين والانسانية كافة . ومن وجهة نظر الأجانب على الثورة كان معناه توسيع رقعة العنف وزيادة مقرات المجابهة والمقاومة إزاء النظام العالمي السائد ، وخلق قدرات فكرية وبث الثقة بالنفس للصمود حيال المشاريع المفروضة من قبل القوى الاستكبارية . قال الامام الخميني بتاريخ 22/ 11 / 1358 (11 / 2 / 1980م) : إنّنا نصدر ثورتنا للعالم كله ، فثورتنا اسلامية ، وما لم يدو شعار لا إله إلاّ الله محمد رسول الله في كل أرجاء العالم ، تواصل الكفاح ، وما دام الكفاح متواصلاً في اي منطقة من العالم ضد المستكبرين ، فنحن موجودون([1]) . وقد أكّد (رض) مراراً : حينما نقول إن ثورتنا يجب أن تصدّر إلى كل أنحاء العالم . لا يفهم من ذلك على نحو خاطئ إنّنا نريد فتح البلدان . إنّنا نعتبر كل بلدان المسلمين منّا . يجب أن تبقى كل البلدان في مكانها ... معنى تصدير الثورة هو أن تستيقظ كل الشعوب ، وتستيقظ كل الحكومات ...([2]) وكان الشهيد الدكتور محمد جواد باهنر قد قال في هذا الصدد : تصور الآخرون إن معنى تصدير الثورة هو تصدير العدوان وتصدير الحرب ، أو أن مرادنا من تصدير ثورتنا الطمع في أراضي الآخرين ، أي إنّنا نريد توسيع سلطتنا واضافة ثروات الآخرين إلى ثرواتنا ، وهذه بالضبط تلك الثقافة التي فسّر بها السلطويون تصدير الثورة ... لم يكونوا عارفين اطلاقاً بثقافة الشعارات لدينا ، إنّهم لم يفهموا معايير ثورتنا([3]) .
الهوامش:
[1] ـ معاونية الأبحاث في مؤسسة تنظيم آثار الامام الخميني ونشرها ، تصدير الثورة من وجهة نظر الامام الخميني ، مؤسسة تنظيم آثار الامام الخميني ونشرها ، ط2 ، 1997 ، ص34 .
[2] ـ م س ، ص59 .
[3] ـ د. محمدجواد باهنر ، بحوث حول ثقافة الثورة الاسلامية ، مكتب اشاعة الثقافة الاسلامية ، ط1 ، 1992 ، ص364 .
************
الثورة الاسلامية، التصدير والتأثيرات الاقليمية والعالمية (2)
وعلى الرغم من الرؤية والنوايا الداخلية ، كانت تصورات وأحوال الأجانب شيئاً آخر . يكتب غراهام فولر ، المحلل رفيع المستوى في الـ C.I.A : كانت الثورة الايرانية عاملاً وسيطاً نقل حالة السياسة الاسلامية إلى قلب الفكر السياسي في العالم [1] . ويكتب مرغماً بعد ذلك : حتى مَنْ لم تكن لهم أدنى رغبة في حزم أمتعتهم والتوجه إلى طهران ، تأثروا بقدرات الثورة . لا بدّ أن آية الله كان قد عمل بأسلوب صحيح حينما استطاع اسقاط الشاه بكل ماله من قوة وبكل الدعم الأمريكي الذي كان وراءه ، وبهذا يكون قد أهان وهزم الولايات المتحدة أيضاً ... إنّ التأثير الاستعراضي للثورة في الخليج الفارسي كان كبيراً جداً في السنة الأولى بعد الثورة ـ بروز توترات وحالات تمرد بين شيعة الكويت والبحرين والعربية السعودية ـ لقد نزل الاسلام تارة أخرى إلى مسرح العمليات السياسية . وهذه الحركة اتخذت لها منذ البداية شكلاً سياسياً [2] . ويكتب هراير دكمجيان : إن نجاح الثورة الاسلامية في ايران عزز ثقة الاخوان المسلمين بأهدافهم لبناء نظام اسلامي في مصر [3] . ويعتقد الصحفي الأمريكي روبين رايت في وصفه لاستحقاقات الثورة الاسلامية أن : أهمية الثورة ستتعدى حدود ايران والشرق الأوسط والعالم الاسلامي المترامي وحتى القرن العشرين . والسبب بسيط جداً : إنّها آخر الثورات الكبرى في العصر الحديث ... حاول الغرب عرض صورة لثورة ايران أمام أنظار العالم تُبديها وكأنها تتوخى العودة بايران إلى الوراء 14 قرناً ، بيد أن 16 شهراً من الثورة والمظاهرات في طهران اثبتت أن بمستطاع الاسلام توفير لغة سياسية جديدة لمعارضي الأنظمة يستخدمونها في التكتيكات والاستراتيجيات ... ان تأثير الثورة الايرانية على العالم الاسلامي جد بديهي : لقد حولت الصحوة الاسلامية المبنثقة عن حروب 1967 و 1973 بين العرب واسرائيل إلى حركات معارضة لأنظمة الحكم القائمة في كل العالم الاسلامي ... وإلى جانب هذه التحركات ، كان هنالك تحرك جد مهم تجري فصوله بمنتهى الهدوء وبنحو غير ملموس . الهدف هو ايجاد خيارات اسلامية في المؤسسات المنهزمة ـ المدارس ، المستوصفات ، التعاونيات والمراكز الرفاهية . كانت الجماعات الاسلامية تناضل من أجل تكريس مجتمع مدني جديد حتى يكونوا شبكات تشمل اتحادات وأندية للعمال والمعلمين والمهندسين والنساء والأطباء والشباب وسائر القطاعات ، والخوض عن هذا الطريق في معالجة المشكلات التي تجاهلتها الحكومات [4] .
الحقيقة أن تأثيرات الثورة الاسلامية خرجت شيئاً فشيئاً عن حالتها السطحية المتسرعة التي كانت عليها في البداية ، وتمكنت من تقديم رؤية ثالثة للأدبيات والوعي السياسي تختلف عن مناحي الغرب والشرق السياسية ، وفتح آفاق غير مسبوقة وفرص جديدة للتفكير والانتقاء . إن نجاح ايران باعتبارها «عاملاً وسيطاً» طرح «السياسة الاسلامية» على بساط البحث ، وركّز على مقولة الاسلام السياسي ، يمكن أن يعد من مصاديق تصدير الثورة الذي يقلق أعداءها بطبيعة الحال . يعرب ريتشارد نيكسون الرئيس الأمريكي السابق عن خوفه من الاسلام السياسي وأسلوب التعامل معه بالقول : بغية أن نؤثر في تحولات العالم الاسلامي ، ينبغي أن لا نصنع سياسة متجانسة متحدة باسم «السياسة الاسلامية» ولا ننتهج مساراً متشابهاً في جميع تلك البلدان [5] . وفي المؤتمر الذي أقيم في خريف 1989 بمدينة اسطنبول . قال دانيل بايبس رئيس معهد أبحاث السياسة الخارجية الأمريكية حول تأثيرات الثورة الاسلامية على المسلمين : لن تستطيع أمريكا التصالح مع المسلمين ، لأنهم لا يعتزمون فقط طردنا عسكرياً من الشرق الأوسط ، بل ينوون مثل ذلك على الصعيد الثقافي أيضاً ... لا يمكن أن يكون لنا معهم تعايش سلمي ، لأننا لا تجمعنا وآية الله الخميني أية قواسم مشتركة ... لم تكن لنا قبل عشر سنوات أي توجس من الاسلام ، بيد أنّ الحال اختلفت اليوم ، وعلينا جميعاً التحسس أكثر من هذه الظاهرة الجديدة في ايران وبعض البلدان الأخرى . إنّ المسلمين يولون وجوههم اليوم شطر ايران ويستقون النموذج منها . إن ايران اليوم بمثابة مختبر ، وإذا نجحت هذه التجربة ، ستتضاعف جرأة المسلمين في البلدان الأخرى ... يتوخى المسلمون تقديم الاسلام كمدرسة متكاملة ، وهذا مما لا يمكن احتماله والصبر عليه من جانبنا [6] .
من بين المحاور المختلفة ، يتبدى المحور الفلسطيني على جانب كبير من الأهمية والمركزية ، وقد طرح ونوقش قبل انتصار الثورة الاسلامية ، وبعد انتصارها تضاعفت امكانات الدعم فزادت من قدرات الفلسطينيين على المواجهة والتصدي لاعتداءات الاسرائيليين . إذ من المعلوم أن أحد شعارات الثورة الاسلامية هو «اليوم ايران ، وغداً فلسطين» . وبعد انتصار الثورة ، أعلن الامام الخميني بتاريخ 16 / 5 / 1358 (7 / 8 / 1979) آخر جمعة من شهر رمضان المبارك من كل عام يوماً عالمياً للقدس تقام فيه مراسم لاعلان تضامن المسلمين دولياً في دعم الحقوق القانونية للمسلمين وخصوصاً الفلسطينيين . كان الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي أمين عام منظمة الجهاد الاسلامي في فلسطين قد قال : إن انتصار الثورة الاسلامية ، أعاد لكل مسلمي العالم الثقة بالايديولوجيا والدين ، وأثبت أنّ الاسلام قوة لا تقهر ، فالاسلام أحيى عزيمة الثورة والغليان في نفوس الشعب الفلسطيني [7] . لقد كان تبلور وانبثاق حركات تحرر نظير حزب الله لبنان ، وحركة المقاومة الاسلامية (حماس) وحركة الجهاد الاسلامي ، بوحي من ثورة ايران الاسلامية . وفي حركة الانتفاضة التي انطلقت عام 1987 ، نجد أنّ الجماهير اختارت المسجد وصلاة الجمعة مقرات للمقاومة والجهاد والمعارضة ، وحلت التحركات غير المسلحة محل حرب العصابات والعمليات المسلحة المحدودة النطاق . وهذا تغيير يشبه إلى حد كبير الأساليب التي أفضت إلى انتصار الثورة الاسلامية في ايران .
إنّ الوعي الذاتي والصحوة الاسلامية فيما عدا قضية فلسطين ، اكتست كذلك بعداً عالمياً في خصوص كتاب الآيات الشيطانية ، فكانت نموذجاً آخر لقوة وتأثير الثورة الاسلامية . إذ تمّ تأكيد إن محورية الدين تُقصي التمايزات جانباً وتعبّئ المسلمين المتحدين مقابل أعدائهم ، وهذا ما يحقق الأمور التي أثارت قلق نيكسون وأمثاله من ناحية ، ويجعل ايران مقراً لمثل هذه المشاريع الموحِّدة والمعيدة إلى الهوية الأصلية . تمخضت مثل هذه المسارات والقابليات عن رؤية جديدة للثورة الاسلامية وتأثيراتها . اعتبر كارن.أي.فست (Karen.A.Feste) الثورة الاسلامية مثالاً للتحولات السياسية المقبلة على المنطقة ، وكتب نقلاً عن جوايث ميلر : طالما رضخت قدرات الحركات الاسلامية للتأثيرات (السلبية) للثورة الايرانية ، فإن أهمية الهوية الايديولوجية بالنسبة للشباب المتحمس ، ستبلور ثانية الجاذبية القوية جداً للاسلام على أرض الواقع ... ربّما كان عصر الاسلام قد بدأ تواً [8] .
إجمالاً ، يبدو انّه رغم التطورات والقيود الظاهرية الكثيرة التي يستلزم كل واحد منها دراسة مستقلة ، الا أن هذا المسار ترسخ في أعماق الأفكار والوعي ، وأجاب بدوره عن التطلعات اللاّنهائية للانسان المعاصر والأسئلة الجمة التي يحملها المسلمون والأحرار في العالم . وبكلمة ثانية ، انّه دعوة خفية تنضج تدريجياً ، وتكتسب حسب المستويات الفكرية وعمق التأملات ، أبعاداً أحدث وتأثيرات أكبر في المواقف والسلوكيات .
الهوامش:
[1] ـ غراهام فولر ، قبلة العالم (الجيوبوليتيكا الايرانية) ترجمة : عباس مخبر ، منشورات مركز ، ط2 ، 1998 ، ص108 .
[2] ـ م س ، ص108 ـ 109 .
[3] ـ هرايرد كمجيان ، الحركات الاسلامية المعاصرة في العالم العربي ، ترجمة د. حميد أحمدي ، منشورات كيهان ، ط3 ، 1998 ، ص106 .
[4] ـ روبين رايت ، آخر الثورات الكبرى (الثورة والتغيير في ايران) ترجمة : أحمد تدين ، شهين أحمدي ، مؤسسة رسا للخدمات الثقافية ، ط1 ، 2003 ، 229 ـ 32 .
[5] ـ ريتشارد نيكسون ، لننتهز الفرصة ، ترجمة : حسن وفسي نجاد ، طرح نو ، ط1 ، 1992 ، ص250 .
[6] ـ د. جواد منصوري ، حوار الثورة الاسلامية والنزعة المعنوية ، فصلية «فكر الثورة الاسلامية» السنة الأولى ، العدد الثاني ، صيف 2002 ، ص154 .
[7] ـ مؤسسة تنظيم آثار الامام الخميني ونشرها ، فلسطين من وجهة نظر الامام الخميني ، ط3 ، 1995 ، ص203 .
[8] ـ كارن.أي.فست ، الثورة الايرانية والتحولات السياسية في العالم العربي ، ترجمة داود علمائي ، ط1 ، 1997 ، ص69 .