"بالونة نيويورك وجدلية "التقارب الايراني-الاميركي

الأربعاء ٠٢ أكتوبر ٢٠١٣ - ٠٨:٤٢ بتوقيت غرينتش

قد يكون من السابق لأوانه اغداق آمال عريضة على خطوة نيويورك في اطار الاتصال الهاتفي الذي اجراه الرئيس الاميركي باراك اوباما مع الرئيس الايراني حسن روحاني نهاية شهر سبتمبر2013 . فالإعتقاد السائد هو أن هذا الحدث - مع اهميته قطعا - يبقى في حدود اطلاق بالونة اختبار لمعرفة مدى جدية حكومة الولايات المتحدة في اظهار المصداقية والنوايا الحميدة ابتغاء تبديل الاقوال الى افعال.

المشكلة الاساسية كامنة في السياسات الدولية الاميركية ذاتها ، ذلك انها تبني مواقفها على اساس فرضية ضعف الاخرين او اضعافهم او استضعافهم ، وقد تفاقمت هذه العقدة التي تمثل "قمة الغطرسة" في اعقاب الانهيار المدوي للاتحاد السوفيتي في ديسمبر 1991، الشيء الذي القى حجبا كثيفة على نظرتها الاستراتيجية التي لم تعد ترى الامور إلا بعين واحدة ، وبذلك عميت عليها حقائق ومتغيرات ومعطيات ، افرزتها موازين القوى الجديدة ، وفي الصميم منها تنامي قدرات الجمهورية الاسلامية.

لقد كان سماحة الولي الفقيه الامام الخامنئي، في منتهى الذكاء عندما وجه بوجوب اغتنام الفرص التي اوجدتها مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة في عام 1991 ، للاخذ بالجمهورية الاسلامية الى ميادين الابداعات والاختراعات والانجازات الذاتية اللافتة ، والتي قيضت لها لاحقا ممارسة دور( قطب الرحى) في المعادلات الدولية والاقليمية ، سيما مع امتلاك القوات المسلحة الايرانية (الجيش وحرس الثورة الاسلامية) اليد الطولى في التحكم بامدادات الطاقة العالمية – النفط والغاز- في منطقة الخليج الفارسي ومضيق هرمز الاستراتيجي.

وهكذا يتأكد ان التحرك الذي بدأه رئيس الجمهورية الشيخ حسن روحاني بصدد السعي للانفتاح على الغرب عموما واميركا خصوصا، في سبيل التوصل الى مقاربة منطقية وموضوعية للخلاف بشأن البرناج النووي الايراني التنموي ، بصورة تكون مقنعة للجانبين ، هو نابع من هذه (القطبية) التي عززها قائد الثورة الاسلامية السيد الخامنئي بمبدأ (المرونة البطولية) ، بغية اعادة الامن والاستقرار الى منطقة الشرق الاوسط التي تشهد حاليا حربا باردة تختلف في عناصرها وضراوتها عن تلك التي كانت قائمة بين القوتين الكبريين في القرن العشرين.

بيد ان تغير النبرة الاميركية بين ليلة وضحاها ، لاسيما اثر دخول "البوم الاسرائيلي" على الخط التحريضي من جديد، يعزز صحة العقيدة الايرانية القائلة : ان الحوار مع الولايات المتحدة سيظل امرا جدليا مالم تتوفر الثقة المتبادلة الملبية لمتطلبات صنع الانفتاح والشفافية والمرونة في التعاطي مع الملفات الشائكة والمعقدة على مستوى التسوية الاستراتيجية لاشكالية العلاقات بين طهران وواشنطن ، اضافة الى قضايا ومشاكل المنطقة والعالم.

في هذا الشأن ثمة حديث ادلى بها مسؤول عسكري كبير يعبر بشكل بليغ عن حقيقة التجاذبات الضاربة بأطنابها على اجواء التقارب المفترض بين ايران واميركا. فقد قال القائد العام لقوات حرس الثورة الاسلامية اللواء محمد علي جعفري في تصريح اعلامي :
"ان الشعب الايراني يطالب بالغاء الحظر بشکل تام عنه ، و رفع قرار تجمید الارصدة المالية الایرانیة فی الولايات المتحدة والتخلي عن معاداة هذا الشعب النبیل و الکف عن تدبیر المؤامرات ضده و الاعتراف بحق الجمهورية الاسلامية فی استخدام الطاقة النوویة للأهداف السلمیة و عدم وضع العراقیل و العقبات فی هذا الطریق .

ان الشعب الایراني ینتظر تنفیذ واشنطن هذه الامور . اننا ننظر بارتياب حقا الى تصریحات مسؤولین اميرکان اعترفوا بأنهم أبلغوا الکیان الصهیوني بکل المواضیع التی تحدثوا فیها مع الجانب الایراني و انه تم ابلاغهم مسبقا حتی بالاتصال الهاتفي الذی أجراه الرئیس الاميرکي وانهم سیواصلون هذا النهج .

علينا ان نقول تعليقا على هذا التوجه ان أحد الهواجس الرئیسیة القائمة تکمن فی هذه النقطة، وهی : أن الساسة الاميركيین و کما یبدو للأسف الشدید ، یفتقدون الی الاستقلالية فی اتخاذ القرار و هم یتأثرون بالصهیونیة العالمیة ، ومن الواضح ان علیهم استئذانها فی القرارات التی یتخذونها .

لابد لنا هنا ايضا ان نكبرعاليا اطلاق مفهوم (المرونة البطولیة) التی اعلنها السيد القائد اية الله الخامنئي خلال استقباله قادة و کوادر حرس الثورة الاسلامية .
لقد استخدم سماحته هذا المصطلح الذی یتألف من کلمتین (المرونة) و ( البطولة ) فی الظروف العالمیة الراهنة مع الأخذ بعین الإعتبار الموقع المتمیز الذی تتبوأه ايران فی الوقت الحاضر ،حيث يعمل أعداء النظام الاسلامي منذ عدة سنوات بغية اضعافه ومحاولة الاطاحة به، وقد استخدموا کل طاقاتهم في هذا الاتجاه ، لكنهم واجهوا الفشل الذریع فی جميع مخططاتهم و تکبدوا الهزائم المتکررة و لم یحققوا أی هدف لهم ، ولاشك في ان صمود سوریا هو آخر نموذج لهذه الهزائم .

ان العالم کله یشهد الیوم بأن الجمهورية الاسلامیة تواصل طریقها بکل قوة واقتدار ، و قد أحبطت کل محاولات الاعداء بما فيها الحظر و ممارسة الضغوط الاقتصادیة و السیاسیة و الامنیة وتدبیر المؤامرات العسکریة التی تحاك ضدها ، وقد أفشلت ايران کل هذه المخططات بقوة " - انتهى التصريح - وبالعودة الى تاريخ المناهضة الاميركية لايران ، فان من الاهمية بمكان الاشارة الى دور حكومة الولايات المتحدة في اغواء طاغية العراق لمهاجمة الثورة الاسلامية الفتية. الا ان السحر الذي مارسته واشنطن، انقلب عليها تماما .

فالثابت ان تحديات حرب الخليج الفارسي الاولى(1980-1988) ،فضلا عن مختلف الضغوط والحصارات والعقوبات طيلة 34 عاما، اكسبت ايران تجارب مبهرة في مضمار رفع مستوى الجهوزية والتسلح الدفاعي، وتطويرآفاق التنمية المستدامة ، والتمكن من التكنولوجيا الحديثة ، وبخاصة انتاج الطاقة النووية السلمية وامتلاك نواصي علوم الفضاء ضمن الغلاف الجوي الارضي اوخارجه الى العلياء.

* حميد حلمي زادة