وها قد نعاها ولي أمرها أيمن الظواهري في بيانه الذي أمر فيه بحل هذه الدولة وفصل تنظيم الدولة الاسلامية في العراق، عن تنظيم النصرة المرتبط بالقيادة العامة للقاعدة، أي الظواهري نفسه. هذا اقرار مهم من القاعدة بأن مشروعها في إقامة الدولة الاسلامية المزعومة في الشام والعراق مني بالفشل الذريع، بعد أن إتضح أن الشاميين، ولا أقصد أهل دمشق خاصة، يرفضونه و لايحبون العيش تحت رايته، وبعد أن أدى التفاهم الايراني الأميركي الى تغيير اتجاه الرياح في الساحة السورية التي تشهد حربا اهلية منذ العام 2011 اشعل فتيلها الاصدقاء والاشقاء. لم يعد سرا أن الحرب الأهلية السورية تتراجع عن تحقيق أهدافها التي خطط لها رعاتها ودعاتها وممولوها. او ربما حققت هدفها الاساس وهو تحطيم سوريا التي كانت بلدا آمنا مستقرا يشكل إحدى ضمانات الأمن القومي العربي في مواجهة اسرائيل. بانهيار سوريا ومصر وانشغال العراق لم تعد هناك دولة عربية شرق اوسطية يمكن أن تشكل قوة في وجه اسرائيل. هذه هي الثمرة الاساسية للربيع العربي المزعوم الذي تحول الى حريق عربي يحرق الأخضر واليابس.
انهار مشروع دولة الاسلام في العراق والشام، داعش، وغسل الظواهري يده منه، ومعه السعودية التي اعلنت انها غير راضية عن اداء الجماعات المسلحة التي كانت تمولها وتدعمها، بل سحبت هذا التمويل والدعم الآن، وصارت تفكر بتشكيل جماعات مسلحة جديدة. وقد لايرى هذا المشروع الاخير النور اذا سارت رياح العلاقات الايرانية الاميركية في اتجاهها الحالي الذي قد يبشر بمرحلة استقرار في المنطقة، اذا تمت تسوية الصراع الايراني الاميركي فيها.
فشل مشروع داعش فجر خلافات بين زعماء الجماعات المسلحة التي تتاجر باسم الاسلام. فقد اعلن ابو بكر البغدادي، المسمى امير تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وبلاد الشام، رفضه الامتثال لأوامر الظواهري. ويفتح هذا الموقف صفحة جديدة بين التنظيمات الاسلامية المتطرفة، تضاف الى صفحات الخلافات المتزايدة بين فصائلها المتناحرة. ما اسهل ما يختلف هؤلاء فيما بينهم، وما أسهل أن يقتل بعضهم بعضا، كما كانت تفعل فرق الخوارج التي كانت تتقاتل فيما بينها على مسألة هل يقبل الله توبة الكافر ام لا. ولا عجب. فهؤلاء الرجال ارهابيون عتاة، قتلة، لا يعرفون الكلام، ويفضلون القتل عليه، حتى لو كان القتل ما ينهى عنه القرآن الكريم الذي يزعمون الايمان به. فأبو بكر البغدادي هو سابع أخطر إرهابي في العالم. ويفوقه زعيمه الظواهري في هذا بلا شك.
مشكلة القاعدة وأخواتها انها تعمل خارج التاريخ. أصبح بامكان أية جماعة سياسية أن تستخدم الأساليب المدنية في نظام ديمقراطي من اجل تحقيق اهدافها السياسية حتى لو كانت تتمثل في اقامة الدولة الاسلامية على النهج المتطرف التي تؤمن به القاعدة. لكن القاعدة وأخواتها التي تمرست على العمل في الظلام وعلى القتل المجاني، لا تستطيع ان تعمل في المجال السياسي، وما زالت تفكر بعقلية القرون الوسطى، حيث كانت الحرب هي الطريقة الوحيدة لتحقيق الاهداف، والقتل الجماعي هو الطريق الوحيد لتحقيق النصر. لكن تطورات الاحداث تثبت كل يوم انه لم يعد بالامكان تحقيق الأهداف السياسية والنصر بهذه الطرق المتخلفة، وان العالم والناس جميعا، اصبحوا اكثر اقتناعا وتقبلا للأساليب الديمقراطية السياسية المدنية الحديثة. لذا لن يكون امام القاعدة سوى الفشل الذي كان انهيار داعش اول حصاده المر.
الصباح العراقية- محمد عبد الجبار الشبوط