مانديلا.. رجل استثمر الرياضة لتوحيد جنوب إفريقيا

مانديلا.. رجل استثمر الرياضة لتوحيد جنوب إفريقيا
الجمعة ٠٦ ديسمبر ٢٠١٣ - ٠٣:٠١ بتوقيت غرينتش

عن عمر ناهز الـ 95 عاماً، توقّفت حياة الرجل الأكثر تأثيراً في تاريخ جنوب إفريقيا خاصة والعالم عامة، لكن "ماديبا" رحل بعد أن نجح في توحيد بلاد "قوس قزح" واستئصال ورم التمييز العنصري الذي قتل الحياة والاستقرار في جنوب القارة السمراء.

"الطفل المشاغب" أو روليهلاهلا هو الاسم الأصلي لمانديلا قبل أن يطلق عليه معلمه بالمدرسة الابتدائية اسم نيلسون وفقاً للممارسة الشائعة في جنوب إفريقيا، إذ يطلق على الشخص اسم إنكليزي ليسهُل نطقه على الأجانب.

روليهلاهلا، لم يكن يعرف وهو في قبيلة ماديبا أنه سيكون رمزاً لجنوب إفريقيا والعالم في يوم ما، لكن الأقدار قادته لذلك وبات أحد أكثر الشخصيات تأثيراً في تاريخ بلاده، بل إنه الأكثر تأثيراً، إذ أنهى بنضالاته سنوات من العدمية والتشتت كانت تعيشها جنوب إفريقيا بسبب نظام التمييز العنصري الذي سيطر عليها لـ 43 عاماً.

الرياضة همزة وصل بين أبناء الشعب الواحد

لم تكن أشكال النضال عند مانديلا مقتصرة على المنابر السياسية فقط، بل استغلّ الرياضة ليقرّب بين أبناء الشعب الواحد ونجح في جعل (السود) يعشقون الركبي رياضة (البيض)، و(البيض) يعشقون كرة القدم رياضة (السود)، إذ أن نظام التمييز العنصري في بلاد "قوس قزح" امتدّ ليشمل الفصل بين الجماهير في الملاعب، فهؤلاء جمهور الركبي والآخرون جمهور كرة القدم.

في عام 1995 أي بعد عام من انتخاب نيلسون مانديلا رئيساً للبلاد، فازت جنوب إفريقيا ببطولة العالم للركبي على حساب منتخب نيوزيلندا (15-12) وقدّم مانديلا رسالة سلام لأبناء بلاده بعد أن ارتدى قميص قائد المنتخب فرانسوا بينار وعليه الرقم الذي سجن به طيلة 27 عاماً في فترة التمييز العنصري (46664)، وقدّم مانديلا الكأس لبينار في حركة جلبت (السود) للعبة الركبي، وباتت ملاعب هذه اللعبة في جنوب إفريقيا مفتوحة للجميع دون وجود حواجز عنصرية، فالملهم والقدوة مدّ يده لأبناء بلده من (البيض) وتبعه الجميع فتعزّزت الوحدة الوطنية التي لطالما كان يحلم بها.

في العام التالي نظّمت جنوب إفريقيا كأس أمم إفريقيا لكرة القدم، وأتيحت للزعيم فرصة أخرى ليبعث برسالة جديدة للبلد الذي بدأ يجد سبيله نحو السلام، إذ توّج منتخب "بافانا بافانا" باللقب الإفريقي على حساب المنتخب التونسي (2-صفر)، وفاجأ مانديلا الجميع بارتداء قميص اللاعب الأبيض نيل توفي قائد المنتخب آنذاك، وقدّم له رمز البطولة الذي كان حدثاً مهماً في البلاد، لكن الأهم هو الوحدة الوطنية التي تجلّت في نهائي 1996 الذي انصهر فيه (البيض والسود) تحت راية جنوب إفريقيا.

وقال الزعيم يومها: "كرة القدم والركبي والكريكيت وغيرها من الرياضات لديها القدرة على تضميد الجراح".

يبدو أن الإصرار الذي يتميّز به مانديلا كان نتاج الشخصية الفريدة التي تمتّع بها ابن "ماديبا" لكنه أيضاً يأتي من وراء عشقه لرياضة الفن النبيل الملاكمة، إذ كان الرئيس الأسبق لجنوب إفريقيا شديد الإعجاب برياضة الأقوياء فانسحبت القوّة والإصرار والشجاعة التي تميّز الملاكمة على شخصيته فاكتسب روح القيادة وتبنّى استراتيجية الهجوم على أعداء المساواة والتسامح والدفاع عن أنصار الديمقراطية والحرية في جنوب افريقيا.

يقول مانديلا واصفاً علاقته بالملاكمة: "لم أكن معجباً بعنف الملاكمة بقدر إعجابي بمهاراتها، ما كان يثير اهتمامي، كيف يمكن للمرء التحرّك لحماية نفسه، وكيفية استخدام استراتيجية الهجوم والدفاع وكيف يمكن للمرء أن ينظّم نفسه طوال المباراة".

ويضيف: "الملاكمة تساوي بين الجميع، في الحلبة تنتفي فوارق السن والطبقية واللون".

عشق مانديلا للملاكمة كان ملهماً لأساطير هذه الرياضة، إذ أحبه الكثير من الملاكمين وأبرزهم الملاكم الأميركي الأسطورة محمد علي كلاي، الذي وصفه بالرجل الذي علّم العالم المغفرة.

وقال محمد علي: "أكثر شيء سأتذكره عن السيد مانديلا هو أنه رجل قلبه ونفسه وروحه لا يمكن تقييدها بالعنصرية وقضبان الحديد أو الكراهية والانتقام، لقد علّمنا المغفرة على نطاق واسع".

وذهب بعض الملاكمين العالميين إلى إهداء مانديلا بطولاتهم اعترافاً منهم بفضل هذا الرجل في الحدّ من معضلة العنصرية التي مازالت إلى اليوم تسجّل حضورها في بعض الأماكن من العالم رغم أن الجميع تبنّى فكرة مانديلا في محاربتها واستئصالها بين الشعوب.

ومن بين أساطير الملاكمة الذين أهدوا مانديلا ألقابهم الأميركيان جو فريزر وشوغر راي لينارد، وتحتفظ عائلة الزعيم الراحل بهذه التذكارات في متحف مانديلا بمدينة سويتو بجنوب إفريقيا.

رغم نضالاته السياسية والاجتماعية، لم يغفل زعيم جنوب إفريقيا عن دور الرياضة في زرع مبادئ الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب الواحد، واستغلّها ليزيل الجدار العنصري القاسي الذي مزّق بلاده وحجب عنها نور السلام والتسامح، فكانت كما انتظرها جسراً لعبور شعبه من نفق التمييز العنصري إلى أفق القيم الإنسانية النبيلة.

تصنيف :
كلمات دليلية :