’14 آذار’ تدفع ثمن التوتّر الأميركي - السعودي

’14 آذار’ تدفع ثمن التوتّر الأميركي - السعودي
الخميس ٠٩ يناير ٢٠١٤ - ٠٣:٠٧ بتوقيت غرينتش

عندما تتصارع الفيّلة العِشب وحده يدفع الثمن. هذا المثّل الهندي الشهير، كان أبرز ما تناقلته وسائل الإعلام عن لسان الوزير السابق محمد شطح، في تصريح سابق قبل اغتياله. فهل يصح القول إن شطح دفع حياته ثمن تضارب المصالح الأميركية ـ السعودية؟

خطف حدث اعتقال أمير "كتائب عبد الله عزّام" السعودي ماجد الماجد، ومن ثم خبر وفاته، الأضواء من جريمة اغتيال الوزير محمد شطح. خفّ الاهتمام الإعلامي والشعبي بمتابعة تفاصيل جديدة متعلقة بالتحقيق في ملابسات القضية. أُخرج تفجير "ستاركو" من دائرة الاهتمام وأُدخل في عالم التحقيقات غير معروفة المصير. هو لأمر معتاد في لبنان إذا ما قورن بعمليات الاغتيال السابقة، لكنه ملفت من حيث سرعة طي الملف قياساً بحجم الشخصية المستهدفة.

يوصَف محمد شطح بأنه العقل المدبّر لفريق 14 آذار. مبتكر الكثير من الأفكار والمبادرات والخطط المفصلية. هو الدينمو المحرّك، والباقون عليهم التنفيذ. قال عنه جيفري فيلتمان، إنه مفكر استراتيجي ساهم في استنباط الخطط بأدق تفاصيلها، وكانت مقترحاته تتراوح بين الغرابة والعقلانية. من هنا يمكن استنتاج الفراغ الاستراتيجي الذي وقع فيه فريق 14 آذار وتيار المستقبل، مع غياب محمد شطح عن المعادلة الداخلية.


على صعيد العلاقات الخارجية، من المعلوم أن شطح كان من أكثر رموز تيّار المستقبل خبرة في الكواليس الدولية لا سيّما الأميركية. يعرف مكوّنات كل طبق مصدره مطبخ السياسة الدولية، بل يعرف طابخه. لم يأتِ شطح من الفراغ الى منصب مستشار سعد الحريري للشؤون الخارجية، والممسك بملف التعامل مع السفارات والعلاقات الدبلوماسية والخارجية.

يقول عارفو شطح إن عمله كسفير للبنان في واشنطن منذ العام 1997 حتى العام 1999، كما تقلّده مناصب عدة خلال عمله في صندوق النقد الدولي في الولايات المتحدة من عام 1983 حتى عام 2005، مكّناه من نسج علاقات وثيقة مع صنّاع السياسة والاقتصاد في بلاد العم السام. بات الراحل يُعتبر "رَجُل أميركا" داخل تيار المستقبل. لم تكن السعودية تمانع، فوجوده كان يمثل نقطة الالتقاء والتقاطع بين مصالحها والمصالح الأميركية. كان ذلك في زمن "الأخوّة والصداقة" بين القصور الملكية والبيت الأبيض. هل يفسد التوترّ المستجد للود قضية؟

لم يعد الحديث في هذا الشأن يجري همساً. أصبح بعض العارفين بخبايا العلاقات السعودية ـ الأميركية، يجاهرون القول إن شطح قد يكون دفع حياته ثمناً لافتراق تلك المصالح  في هذه اللحظة المفصلية الحسّاسة من تاريخ المنطقة. فالعلاقات بين واشنطن والرياض بلغت مستوى غير مسبوق من التوتّر  والتدهور منذ أدركت الإدارة الأميركية أهمية التحاور مع إيران القوية.

يقرأ العقل السعودي التقارب الأميركي ـ  الإيراني على أنه خيانة للإلتزام السعودي بالخط الأميركي على طول الزمن الممتد منذ بروز أميركا كقوة عظمى الى اليوم. يغضب السعوديون مما يعتبرونه إنشغالاً للأميركيين بإرضاء طهران على حسابهم. لكن هل يصح القول في هذا المقام إن السعودية من خلال رئيس استخباراتها بندر بن سلطان، قد أسقطت رسالة في صندوق البريد الأميركي عبر اغتيال شطح في لحظة جنون أعمى لدى ملكها والأمراء؟

بعيداً عن الاستغلال السطحي لسياسيي فريق 14 آذار، فلا شيء يمكن أن يُستثمر داخلياً جرّاء  اغتيال شطح سوى الفتنة، والفتنة فقط. أما السعودية، فأردات القول إن اغتيال شخصية توصف بالاعتدال، وهو ما دأبت ماكينتها الإعلامية على ترويجه منذ اللحظات الأولى للاغتيال، يوجّه رسالة واضحة الى واشنطن. تقول الرسالة إن إدارة الظهر للرياض في ملفي الكيماوي السوري والنووي الإيراني، سيعني إما الخضوع لمنطق الابتزاز أو التفكير بإجراءات جديّة من شأنها إعادة الحرارة الى خطوط التواصل السعودية ـ الأميركية حيال الملفات العالقة.


كان لافتاً  حديث وزير الداخلية اللبنانية مروان شربل عن بعض تفاصيل عملية اغتيال شطح. هذه التفاصيل هي الأخرى طُمست ولم تتعرّض للضوء الإعلامي المناسب. قال شربل لبرنامج (كلام الناس) الأسبوع الماضي، إن السيارة المفخّخة وضعت تحت الكاميرا مباشرة، وإن المنفّذ يعرف الطرقات التي سيسلكها وهو قد استكشفها قبل فترة كافية. لكن الأخطر بما قاله شربل هو أن الجهة المنفّذة كانت تراقب الاتصالات وتعرف أن شطح لم يكن سيحضر اجتماع قوى 14 آذار الذي كان مقرراً  في بيت الوسط يوم حدوث التفجير. كشف شربل أن المنفّذين يراقبون الإتصالات ويستحوذون على داتا المعلومات الخاصة بالدولة.

أسئلة كثيرة تثيرها الوقائع التي  تحدّث عنها وزيرالداخلية. أبسط تلك الأسئلة هي: مَن يملك الرقابة الأمنية المباشرة على اتصالات فريق 14 آذار؟ ومَن في الأساس يملك السيطرة الأمنية على منطقة الانفجار؟ وكيف تعطّلت كاميرات المراقبة؟ ولماذا لم يكتشف أحد تلك الأعطال قبل وقوع الانفجار؟

الإجابة عن أي من هذه التساؤلات لا تعفي فرع المعلومات بوصفه الذراع الأمنية لتيار المستقبل في لبنان. كما أن تورّط فرع المعلومات، إن ثبت، لا يعفي تيّار المستقبل بوصفه الراعي السياسي. ومن نافل القول إن تورّط تيّار المستقبل في هكذا جرم لا يعفي السعودية كونها الفريق الإقليمي الراعي و"أُم الصبي". فهل نحن هنا أمام تصفية داخلية بأبعاد دولية؟

*حمزة الخنسا - العهد