القرضاوي وسوء الخاتمة!

القرضاوي وسوء الخاتمة!
الأربعاء ٢٣ أبريل ٢٠١٤ - ٠٣:٠٢ بتوقيت غرينتش

من الطبيعي جدا ان تكون سياسيا وتراوغ ، اما ان تكون سياسيا وتدعي الاخلاق وتراوغ ، فهذا امر يمكن تفهمه، ولكن ان تكون عالم دين وتراوغ ، فهذا امر لا يستسيغه عقل.

منذ فترة ليست بالقصيرة يطل عالم الدين المصري القطري يوسف القرضاوي رئيس هيئة كبار علماء المسلمين، من على شاشة قناة "الجزيرة" القطرية ومن على منابر مساجدها ، على الناس وهو يتحدث عن الاسلام وقيم الاسلام ومبادىء الاسلام وكلها ثوابت لا تتغير لتناغمها مع الفطرة الانسانية السليمة ، ومن اهم هذه المبادىء نصرة المظلوم ومناهضة الظالم.

هذه الصورة الجميلة التي رسمها القرضاوي لنفسه خلال تلك الفترة، تمزقت وتشوهت مع بداية ما عرف بثورات الربيع العربي ، التي اخرجت الرجل من توازنه ، فكان يحرض بعض الشعوب على حكامها الظلمة و يفتي بقتلهم كما في مصر وتونس وليبيا وسوريا ، بينما لا يلتزم بالصمت فقط بل يحرض الحاكم الظالم على شعبه المظلوم مدفوعا بطائفية مقيتة كما في البحرين.

هذه المواقف المتناقضة تمكن القرضاوي ان يغطي على جانب كبير  منها بفضل الاعلام الخليجي الطاغي، وبفضل الخطاب الطائفي الذي اعتمده القرضاوي شخصيا ، في مخاطبة السواد الاعظم من المسلمين ، الذين تتوقف عندهم ملكة العقل عند سماع هذا الخطاب.

الحدث الذي اسقط اوراق التوت التي غطى بها القرضاوي مراوغته السياسية وعراه امام الجميع ، كان سقوط نظام الاخوان في مصر و وقوف السعودية والامارات والبحرين الى جانب النظام الجديد بينما  قطر و"الجزيرة" والقرضاوي ناصبوا العداء لهذا النظام ، الامر الذي ادى الى ان تغضب السعودية ، الشقيقة الكبرى وبعض الشقيقات الصغار السائرات في فلكها ، على قطر التي تعرضت لشتى انواع الضغوط ، كان اخرها سحب سفراء السعودية والامارات والبحرين من الدوحة، ومن ثم اجبار قطرعلى التوقيع على "وثيقة الرياض" لوقف دعمها للاخوان وكل ما ينغص على الشقيقة الكبرى.

هنا كان لابد ان يخرج كبير علماء المسلمين ويندد بالضغوط التي تمارس على الدولة التي استضافته ومنحته جنسيتها ، الا ان الرجل انصاع بالكامل للشروط الجديدة التي فرضت على مضيفته ، بل اخذ يبجل بالشقيقات اللاتي ضغطن بهذا الشكل غير المسبوق على قطر لاسكاته واسكات قناة "الجزيرة" منبره.

واتخذ القرضاوي سلسلة من المواقف الذليلة في بيان نشره عبر موقعه الإلكتروني ، تتعارض بالمرة مع موقفه السابق الذي اكد فيه انه سيقول كل شيء يمليه عليه ضميره شاء من شاء وابى من ابي ، حيث جاء في جوانب من هذا البيان : " قد عاصرت أربعة أمراء حكموا قطر، وكنت قريبا منهم جميعا، ولم أسمع من أي واحد منهم، طيلة حياتي كلمة واحدة، أشتم منها رائحة اللوم أو النقد. وكان صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة وابنه حضرة صاحب السمو الأمير الشيخ تميم بن حمد، أقربهما إلي، وأحبهما من كل قلبي. أقول ذلك لله، لا رياء لأحد، وهذا ما أشهد به أمام الله شهادة الحق."

واضاف القرضاوي "كل قطر تحبني وتعتز بي: حكاما ومحكومين ... أحب كل بلاد الخليج، وكلها تحبني: السعودية، والكويت والإمارات، وعُمان، والبحرين. وأعتبر أن هذه البلاد كلها بلد واحد ودار واحدة. وقد عرفت كل ملوكها وأمرائها، واقتربت منهم جميعا، وشاركت في كل عمل حر، يوجهها ويبنيها ...".

وخاطب السعودية والامارات بالقول انه حصل أعظم جوائز منهما مثل  جائزة الملك فيصل” و “جائزة دبي الدولية للقرآن” .

وختم القرضاوي بيانه بالقول :" ما قلته، وأقوله إنما هو من باب النصيحة المخلصة، التي سيتبين صدقها بعد حين… أعلنت من قبل، أن مهمتي كعالم مسلم أن أؤيد الحق، وأقاوم الباطل، وأنصر المظلوم أينما كان، ومن يعارض هذا لا يفهم حقيقة دين الإسلام".

كشف القرضاوي في بيانه الاخير ، الذي كتبه من الالف الى الياء بطلب من ولاة امره حكام قطر ، عن قدرة عالية على المراوغة السياسية التي تصل الى حد تجسيد سياسة الغاية تبرر الوسيلة تجسيدا كاملا ، وهو موقف يأنف ان يتخذه عالم دين حقيقي مهما كان مقامه ، ترى اليس من باب النصيحة ومن باب تاييد الحق ومقاومة الباطل ونصر المظلوم اينما كان ، ان ينتصر القرضاوي لشعوب الدول الخليجية التي تئن تحت وطأة انظمة قبلية متخلفة؟، اليس من حق هذه الشعوب ان ينتصر القرضاوي لكرامتها وانسانيتها؟، اليس من الواجب الانساني والاسلامي ان يسأل القرضاوي عن عوائد النفط والغاز الضخمة التي تذهب اغلبها الى جيوب الملوك والامراء الذين يحبونه ويحبهم؟, اليس من واجب القرضاوي  كعالم دين ان ينتصر للقدس وان يقول كلمة حق للانظمة التي تقيم علاقات وتطبع مع اسرائيل بالخفاء بينما يعيش هو في احضانها؟, ترى هل كان نظام مبارك اكثر سوءاً من النظام السعودي ، حتى نسى القرضاوي الاخير و انشغل بالاول ؟, هل هل كان القذافي اكثر سوءاً من حمد البحرين كي يفتي القرضاوي بقتل الاول ويمتدح انجازات الثاني؟, ترى لماذا رضخ القرضاوي الان لراي نظام قبلي متخلف مثل النظام القطري وسكت عن نطق الحق كما يدعي؟, اين ذهبت عقيدته ومباديء الاسلام ؟, اليس الحق هو الحق والباطل هو الباطل في كل زمان ومكان؟.

للاسف الشديد لم نكن نتمنى مثل سوء الخاتمة هذه التي انحدر اليها القرضاوي هو في ارذل العمر ، فالرجل يبلغ الان 88 عاما ، فهل يستحق ما تبقي من هذا العمر ان ينزل الى هذا المستوى الرخيص في مدح اكثر الانظمة تخلفا ورجعية ومعاداة للقيم الاسلامية والانسانية ، مثل الانظمة الخليجية؟ ، الحق نحن نتألم لسوء خاتمة الرجل ، ولكن لاندري هو يشعر بوطأتها ام لا؟


 بقلم: نجم الدين نجيب-شفقنا  

كلمات دليلية :