ناجي من "سبايكر" يكشف تفاصيل سيطرة "داعش" بتواطئ ضباط

ناجي من
الإثنين ٠١ سبتمبر ٢٠١٤ - ٠٨:٣٨ بتوقيت غرينتش

خرج الجندي علي حمود سلطان وشبح الموت يرافقه بدلاً عن ظلّه، شعر منذ اللحظة التي غادر فيها منزله بقضاء الحمزة الشرقي أن خطباً ما سيحدث، وأن مجهولاً يلوح بالأفق سببه خونة يكرمون وشجعان يقتلون، ليكون نذير الشؤم الذي حمله معه واقعاً بعد حين، ليكشف تفاصيل ما جرى ليلة سقوط معسكر "سبايكر"، وما أصدر القادة والضباط من أوامر كان قد تم التخطيط لها مسبقاً.

ويروي سلطان، لـ"الغد برس"، قصة ما حصل من أحداث في رحلة الموت، ويقول، أن "مقرنا تعرض إلى قصف هاونات وقذائف فرددنا على مصادر النيران ومساء طلب العقيد أيوب تجمع الجنود وأبلغنا أن المكان لم يعد ملائماً لبقائنا فيه وعلينا أن ننتقل إلى سبايكر لنفاد المؤونة والعتاد وسوف ترسل إلينا التعزيزات والطائرات إلى القاعدة".
ويوضح سلطان أن "جميع الضباط غادروا المقر عصراً ولم يبق معنا سوى ضابطين برتبة ملازم وفي العاشرة قرر الجنود تشكيل رتل من السيارات العسكرية تتوسطها سيارات بعض الجنود الخاصة، فخرجنا من مقرنا باتجاه سبايكر، دون أن نسمح لسيارات المدنيين بالتقرب منا لضبابية الأوضاع والجو المشحون بالقلق".
ويضيف سلطان أن "الرتل وصل إلى القاعدة وأول ما بحث عنه الجنود الطعام والماء الذي فقد في مقرنا الأصلي منذ ثلاث أيام كما أخبرنا زملاؤنا عندما وصلنا، فوجدنا حاوية واحدة للماء وبقينا ليلتها مضطربين لا نعرف ما حدث أو يجري من حولنا، وفي الصباح اتفق عدد كبير من الجنود على تشكيل رتل عسكري من همرات ومدرعات وسيارات قطر وشاحنات عسكرية وتعزيزه بالأسلحة في مقدمته ونهايته وجوانبه، واتفقنا على أن يجلس الجنود الجدد وسط السيارات وننتشر على جوانب السيارات لصد أي تعرض لنا".
ويتابع الجندي أن "العقيد أيوب عندما شاهد الجنود يصعدون إلى السيارات طلب منا التجمع وأمرنا بعدم الخروج بالسيارات والأسلحة وأن نتخلص من الوثائق والملابس العسكرية والنزول بملابس مدنية، على اعتبار أن الطريق آمن والعشائر أكدت أنها تسيطر على الأوضاع، ولن يمس الضرر أي جندي إذا ما ترك قتالهم ولم يتعرض لهم، وهناك سيارات مدنية تقف على الشارع ستنقلنا إلى الكراج الموحد ومنه إلى بغداد".
ويستدرك سلطان أن "أغلب الجنود اقتنعوا بكلامه، ونزعنا ملابسنا العسكرية وتركنا اسلحتنا وخرجت مع المجموعة الأولى، فأوقفنا منتسبو الفرقة الذهبية وطلبوا منا العودة وأخبرونا بأن الطريق غير مؤمنة فأصر الجنود على المضي ومضيت معهم".
ويصف الجندي أننا "بلغنا الشارع الرئيسي فأحاط بنا مسلحون ملثمون لهجتهم تدل على أنهم من القرى المحيطة بالقاعدة، فأمرونا بإخراج أموالنا وهواتفنا والمسدسات كان كثير من الجنود قد استلم راتبه فسلبوا أموالنا وطالبونا بالسير في شارع الموصل تكريت ومن يحيد عنه سيقتل واندس عدد منهم بيننا".
ويشير سلطان إلى أن "سيارة إسعاف مظللة النوافذ تسير بسرعة وخلفها سيارة نوع أوبل وبها أربعة مسلحين، فدهستا شابا كان يسير بجنبي وجرحت فخذي بما تكسر منها، فابتعدت عنهما وعدت إلى الشاب الذي سقط أرضا فوجدته ميتاً وركض إليه ثلاث مسلحين يفتشون جيوبه وأخذوا ما فيها من مال، كان منظرهم يدل على خستهم وجبنهم وطمعهم".
ويلفت الجندي إلى أن "المسلحين كانوا يستقلون سيارات كبيرة وشاحنات للجيش ويأمرون الجنود بالصعود وكلما توقفت سيارة قريبة كنت أبطئ الخطى أو أبتعد إلى يمين الشارع، لاحتفظ بهاتفي وخمسين ألف دينار عسى أن أتمكن من مغادرة المكان الذي نحن فيه".
ويقول سلطان إن "سيارة قلاب توقفت بالقرب مني مباشرة ولم يعد بإمكاني التهرب كما فعلت في أكثر من مرة، فطلب مسلحان من الجنود الصعود وهم يوجهون فوهات بندقيتيهما علينا فركبنا وسارت بنا ورفعت رأسي فشاهدت كثيراً من الجنود نائمين على وجوههم بجانب الطريق والمسلحون يحيطون بهم، وما أن خفف القلاب سرعته حتى قفزت وركضت بعكس مكان تواجدهم باتجاه القرى، فلحق بي حوالي خمسين جندياً، فبدأ المسلحون بإطلاق النار علينا وصرخاتهم تتعالى أمراً بالرجوع".
ويتابع الجندي أن "سيارة همر عسكرية تقل المسلحين جاءت خلفنا كنت أنظر اليها وهي تدهس من تلحق به ورصاص الـ(BKC) يتطاير حولنا ليصيب أو يقتل الهاربين، فدخلت مع جنديين بأرض زراعية وعرة فأطلق أحد المسلحين صاروخ قاذفة علينا، إنبطحنا ومن ثم تابعنا جرينا إلى أن وصلنا قرية متفرقة المنازل، لكن أحداً من أهلها لم يسمح لنا بالبقاء وكلما اقتربنا من أحدهم طلب منا الابتعاد عنه".
ويوضح سلطان أن "العطش اشتد بنا فطلبنا من أحدهم ماءً فدخل إلى بيته وبدلاً أن يخرج لنا به رجع يكلم احداً بهاتفه ويخبره أن ثلاثة جنود يحاولون الاختباء بالقرية، فهربنا من أمامه بعيداً عن القرية وأهلها، فشاهدت سيارتين واحدة قادمة باتجاهنا والأخرى ذهبت لتقطع علينا الطريق، كان بإمكانهم قتلنا لكنهم فضلوا القبض علينا أحياءً، فطلبت من رفيقيَّ أن نختبئ تحت أكوام القش، مكثنا نحو ساعة تحته دون حراك، حتى سمعنا صوت امرأة تطالبنا بالخروج ففعلنا، وكان معها ولداها، فطلبوا منا المغادرة على الفور".
ويزيد الجندي أن "السبل تقطعت بنا كما تمكن منا العطش والتعب ودب اليأس فينا، فسمعت صوت مضخة ماء تسحب من بئر يقع على مقربة من بيت، فركضنا نحوها لنروي عطشنا فصاح بنا رجل خرج من المنزل وطلب منا عدم شربه ودعانا إلى الدخول، كنا خائفين ومترددين وغير مطمئنين فقد يكون كالآخرين، ودخلنا بخطوات متباطئة، فشاهدنا أحذية كثيرة أمام باب الاستقبال وحين دخلنا الغرفة وجدنا عددا من زملائنا الجنود فأكرمنا الرجل وأطعمنا وأعطانا ثياباً جديدة وأمن لنا الاتصال بعوائلنا".
ويضيف سلطان أن "ثلاثة أيام مرت دون أن تغمض لنا عين في الليل على الرغم من أن صاحب البيت وأولاده كانوا يحرسون المكان ويراقبون الطريق خوفاً علينا من مجيء المسلحين وكنا نقسم ساعات النهار بيننا حين ننام بغير أفرشة أو أغطية والكل كان مهيأً للفرار فيما لو جاء المسلحون، لكي لا نترك أثراً يدل على وجود أحد في البيت غير أهله".
ويؤكد الجندي على أن "المسلحين لو وجودنا في المنزل، فأنهم سيحرقونه بمن فيه بعد أن أصدروا أوامرهم بعدم السماح لأحد منهم بإيوائنا أو مساعدتنا على الهرب ومن يخالف ذلك سيعرض نفسه وأسرته وبيته إلى العقاب حرقاً، وفي اليوم الرابع جاء أحد أقارب مضيفنا وأبلغه أن وشاية وصلت إلى مسلحي (داعش) تفيد بأنك تأوي جنوداً فارين".
ويمضي سلطان بالقول إن "الجنود الذين كانوا معنا في البيت طلبوا من الرجل السماح لهم بالمغادرة فور سماعهم النبأ خوفا على حياته وأسرته وحياتهم، فرفض الرجل مغادرتهم لكنهم أصروا على ذلك بشدة وفي آخر المطاف رضخ لرغبتهم ودلهم على طريق قد ينجيهم من المسلحين".
ويوضح الجندي "إنني بقيت وصاحباي ستة أيام أخرى، كنا نرى سيارات المسلحين تحوم حول المنطقة بحثا عن الهاربين من شبابيك البيت، وفي اليوم التاسع جاء قريب الرجل ثانية وأبلغه أن سيطرة المسلحين انسحبت من مدخل القرية وصار بالإمكان إخراج الفارين، فأخرج الرجل سيارته (حمل) وأركب زوجته وابنته معنا وأعطانا هويات أبنائه وانطلق إلى طريق سامراء وصلنا إلى نقطة تفتيش (داعش) الأولى، فوجدنا المسلحين منشغلين بحادث سير فمضينا وفي النقطة الثانية كان المسلحون يزرعون العبوات على جانبي الطريق".
ويبيّن الجندي أن "سيارتنا كانت الوحيدة على الشارع بعد أن تجاوزنا نقطة تفتيش (داعش) الثانية متجهة إلى سيطرة الشرطة الاتحادية، فقال صاحبنا إن سيارة المسلحين تتبعنا فلا تأتوا بأي حركة مريبة وتحدثوا بينكم وكأن الأمر عادي، وحين وصلنا إلى نقطة التفتيش بقرب أحد منتسبيها، أخبر السائق الجندي عن قصتنا باختصار وطلب منه أن ينزلنا بعد أن يأخذ وثائقنا ويقتادنا إلى كرفان وكأنه يحتجزنا".
ويشير سلطان إلى أن "الجندي فعل ما طلب منه الرجل، فودعناه شاكرين وذهبنا مع الجندي الذي تعمد إثارة فوضى وأخذ يتحدث بصوت عال مع الرجل الذي أنقذنا وأمره لأكثر من مرة بالعودة وصاحبنا يتوسل إليه حتى تكاثر الجنود حولنا وأصبح الوضع مربكاً في السيطرة، بعد أن تأكدنا من وجود السيارة التي كانت تتبعنا على مقربة من المكان لتتبين أمرنا، ويبدوا أن الخدعة انطلت عليهم لأنهم عادوا أدراجهم بمجرد أن استدار صاحبنا كما طلب منه الجندي".
ويؤكد الجندي على أن "ما حصل في سبايكر خيانة واضحة، قطعوا الأكل والشرب عن الجنود وقطعونا عن العالم فلم نعرف ما حصل بالموصل، إشاعات مغرضة أثرت على معنوياتنا".
ويطالب سلطان "بمعاقبة العقيد أيوب بالإعدام، فقد أكد لي أحد اقاربي الذي التقيته في سامراء بعد أن نجا من القصور لادعائه أنه سنيّ".
ويقول سلطان رفعت عدة دعاوى قضائية على الضباط المتورطين بجريمة سبايكر، إضافة إلى شكوى تقدمت بها إلى جهاز مكافحة الإرهاب في سامراء، وأخرى لقيادة عمليات صلاح الدين.
وكانت وزارة حقوق الإنسان، كشفت في (26 آب الحالي)، عن تسجيلها 1300 مفقود، 800 منهم فقدوا في قاعدة سبايكر والباقي بعدة مناطق من العراق، وفي حين أكدت أن الديوانية سجلت 303 مفقودين في سبايكر، دعت أسر المفقودين إلى مراجعة مكاتبها في المحافظات أو ملئ الاستمارة الإلكترونية على الموقع الرسمي للوزارة.
وكانت جماعة (داعش) الإرهابية، أعدمت الأحد، الـ15 حزيران2014 الماضي، العشرات من طلبة كلية القوة الجوية في قاعدة (سبايكر) شمالي تكريت.