"حزب الله" والأولويات المتقاطعة

الأحد ٢٤ مايو ٢٠١٥ - ٠١:٤٣ بتوقيت غرينتش

دخل الصراع على الإقليم مرحلة شديدة الخطورة، وبدأ يتخذ طابعاً وجودياً.. مسار أزمات المنطقة يمرّ، كما يبدو، بمنعطف النهايات قبيل الاستقرار على شكل شبه نهائي، تتحكّم فيه موازين القوى وما ينتج عنها من وقائع في الميدان.. «حزب الله»، في هذا الخضم، يقاتل في أكثر من اتجاه وعلى أكثر من جبهة.

نفير حزب المقاومة على الجبهة التكفيرية في السلسلة الشرقية، واستنفاره الدائم على الجبهة الإسرائيلية، يعكسان الدور الذي يقوم به، لكنهما لا يختصران حضوره في الخريطة الإقليمية واهتمامه بها، حيث بات معنياً بكل ملفاتها بعدما أصبح أحد عناصرها الأساسية.

لم يهدف «حزب الله» يوماً الى توحيد الجبهات وربطها، لكن تمحور الخصوم وترابط الجبهات يفرضان عليه وعلى حلفائه التموضع في جبهة واحدة.. حزب المقاومة في لبنان أمام محددات جديدة للصراع بفعل التحولات المصيرية التي يحاول التأقلم معها.. الحزب ليس بصدد الإخلال بترتيب العداوات، بل هو في موقع التعامل دفعة واحدة مع الأولويات المتقاطعة، فالذهاب الى مقاتلة التكفيريين لا يقلل من شأن عدائه لـ"إسرائيل" أو التخلي عن جهوزيته لمواجهتها، ذلك أن انتقال خصومه من حال التقاطع الى التنسيق، يدفع به إلى جمع الأولويات ووضعها في خانة واحدة.

«حزب الله» لا يقاتل في سوريا كلها، بل في أجزاء منها، لكنه معنيّ بكل واقعة ميدانية صغيرة أو كبيرة تحصل فيها.. هو ليس شريكاً ميدانياً في العراق، لكنه يرى نفسه شريكاً في كل معركة تخوضها القوات العراقية والحشد الشعبي ضد التكفيريين.. في اليمن البعيد، لا وجود للحزب لكنه حاضر قدرياً مع الحوثيين على امتداد المواجهة اليمنية مع الرياض وحلفائها.. كما هو حليف دائم لإيران في مختلف شؤونها، في حلّها وترحالها وقوتها وضعفها.

من هنا، لم يقصد الأمين العام لـ «حزب الله» التقليل من شأن العداء لـ"إسرائيل" عندما ذهب الى اعتبار أن نكبة الخطر التكفيري التي تضرب المنطقة أخطر من نكبة فلسطين في العام 1948.. كلام السيد نصرالله يتخطّى تصنيف الأعداء على أجندة المقاومة الى توصيف دقيق لواقع قائم.. جبهة الأعداء كما يرى الحزب واحدة، وهم يندرجون في سياق واحد مع اختلاف في الخلفيات والمستويات، غير أن «حزب الله» الذي قطع شوطاً طويلاً من الصراع مع الدولة العبرية، استطاع لجمها ودفعها الى الالتزام بالخطوط الحمراء، بينما «داعش» وأخواته لا خطوط حمراء يقفون خلفها، ومشوار الحزب في مواجهتهم ما زال في بداياته، يُضاف الى ذلك أن إسرائيل عدو خارجي يسهل التجييش ضده، في حين أن التكفيري عدو داخل وباعث على الفتنة والانقسام.

في زمن الفرز التلقائي للاصطفافات، بفعل أقلمة الصراعات المحلية، يتقاطع الحراك الداعشي مع الوهابية السعودية بخلفياتها، ويخدم "إسرائيل" بأهدافها.. فخلفيات الوهابية تقوم على التكفير وإقامة الشرع على الطريقة السلفية. أمّا الأهداف الإسرائيلية فتذهب الى تهميش القضية الفلسطينية وتحويل وجهة الصراع، والإساءة الى صورة العرب والمسلمين. الالتفاف على هذه الأهداف، وفق رؤية «حزب الله»، أمر ممكن من خلال منع الوصول اليها أو الحد منها، لكن التعامل مع الخلفيات المذكورة أكثر تعقيداً في ظل صعوبة القدرة على استئصالها.

حبيب فياض/ السفير