ثنائية "التأسلم المتصهين والتحالف الطائفي" الى زوال

ثنائية
الأحد ١٢ يوليو ٢٠١٥ - ٠٦:٠٥ بتوقيت غرينتش

أكدت المسيرات المليونية في ايران ومختلف بلدان العالم يوم 23 رمضان 1436 هجري ان يوم القدس العالمي بات يمثل رصيدا ثوريا وتعبويا ومعنويا هائلا يرعب الصهيوني المحتل ويقض مضاجع حماته الغربيين عبر القارات، ويزلزل قواعد الانظمة الاقليمية المتواطئة معهما في المنطقة.

واقع الحال ان البحار المتلاطمة من الجماهير الغاضبة على "اسرائيل" الغاصبة في الجمعة الاخيرة من شهر رمضان المبارك، تضخ متعة كبيرة وعنفوانا لاحدود له في نفوس ابناء الامة الاسلامية وهم يعبرون عن اقوى صور الاتحاد والتلاحم والتضامن مع قضيتهم المركزية، قضية تطهير فلسطين والمسجد الاقصى الشريف من دنس الصهاينة المجرمين، المبدأ الذي استهدفه سيدنا الراحل الامام الخميني(قدس سره الشريف) من تخليد يوم القدس العالمي في كل عام وعلى مستوى العالم اجمع.
من الملاحظ في رهاننا المعاصر، أن تل ابيب راحت تجاهر في اظهار فرحتها وشماتتها من تمزق الامة وانتشار فتنة داعش في العالم الاسلامي والعربي على مرأى ادعياء حماية القانون الدولي والسلم العالمي.
فأمام التشرذم والانفجار السائدين في المنطقة بفعل عقال الفوضى التي أعصب بها  ابناء الامة وكأننا نعيش خارج نطاق الزمن، فإن من المعقول ان يكون هناك ردود أفعال جماهيرية موجهة بالتحديد الى زعماء اميركا واوروبا والغرب المتصهين، لاتتردد في تحميلهم مسؤولية دحرجة كرة النار التكفيرية في الشرق الاوسط واقحام دولها وشعوبها في حروب اقليمية ومحلية ابتغاء ممارسة المزيد من أعمال النهب والاستغلال والقرصنة لثرواتها البترولية وهذه المرة على ايدي عصابات داعش.
  فمن الواضح حاليا ان انتقال القضية الفلسطينية الى العناوين الثانوية، اذا لم نقل إلى دائرة النسيان من الاهتمام الاقليمي والدولي، يثبت حقيقة دور "اسرائيل" التخريبي في قلب العالم الاسلامي، وتحركات زعمائه وعناصره في تكريس النزاعات والصراعات والكوارث بين شعوبه، الامر الذي لاينكره الصهاينة أنفسهم عبر مساندتهم اللوجستية والاستخبارية والاعلامية والتمويلية وحتى الطبية لمسلحي ما يسمى " تنظيم دولة الخلافة الاسلامية".
ولاشك في ان هذا المستوى من التواطؤ المكشوف بين ادعياء الاسلام المتطرف واليهودية المتشددة، بلغ حدا مفرطا من التجانس، يساوي القبول مائة في المئة بحتمية وجود التنسيق المتبادل والعمل المشترك بين الطرفين، لتحصد "اسرائيل" منه الثأر لهزائمها المنكرة على ايدي حزب الله المجاهد والمقاومة الاسلامية اللبنانية الباسلة بالتحالف مع قلب العروبة النابض سورية وقلعة الاسلام الشامخة ايران.
أما الجماعات المسلحة المتطرفة فهي الاخرى تضمر الشر والانتقام والعدوان والحقد للامة الاسلامية بأسرها بدعوى ابتعادها عن الدين، وإن تظاهرت بأنها اكثر حنقا وتحاملا على المسلمين الشيعة. واضح ان مشروع الفوضى الاميركية في الشرق الاوسط أقطع "داعش" مناطق شاسعة من بادية الشام و صحراء الجزيرة في العراق لتقيم عليها "دولة الخرافة" بحيث لاتطالها قوانين "الشرعية الدولية" ولاتتهددها الضربات الدقيقة لأعظم الجيوش في العالم، اضافة الى سيطرتها على مدينتين استراتيجيتين هما الموصل والرقة تمارس فيهما تطبيقاتها القاتلة والمضحكة في آن معا لما تعتبره شرع الله. مع تمتعها بخزينة ضخمة من الاموال والسبائك الذهبية المسروقة او التي وهبتها اياها الحكومات العربية البترولية في حوض الخليج الفارسي لغاية في نفسها وليس حُباً في "دولة الخلافة" المسموح لها بالعمل طبقا لاجندات زعماء القوة والمال الغربيين والصهاينة.
ومن باب تسفيه العقل البشري اذا لم نقل استحمار افرادها وكوادرها وانصارها قبل ذلك، تمارس "داعش" حكما حديديا صارما فاقت فيه نظام الطاغية المقبور صدام التكريتي رعونة ودموية واجراما بحق المسلمين وغير المسلمين وبحق التنظيمات المسلحة الاخرى الى جانب مجازرها المروعة في الاراضي والبلدان الخاضعة لنفوذها في  تحت ذريعة تطبيق الشرع الاسلامي وهو مايثير الاستغراب تماما، لأن الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين والقدس الشريف مستثنى تماما من هذا المسلسل الدموي، وكأنها لاتقع ضمن دائرة "الدولة الاسلامية المزعومة".
بالتوازي مع "داعش" تشن المملكة التكفيرية السعودية عدوانا همجيا على الشعب اليمني الكريم اسبغ عليه الاعلام الغربي تسمية عمليات "التحالف" تحت عنوان "عاصفة الحزم" سابقا، ومن ثم "اعادة الامل" حاليا، وكلاهما اجرام بشع يندى له الجبين، وتحت ذريعة حماية الشرعية في هذا البلد الممزق بفعل الفتنة السياسية والطائفية التي اشعلها الوهابيون من قبل.
الثابت ان الرياض وتحت وطأة التعصب المذهبي غير المدروس والإملاءات الاستكبارية زجت بشعبها وجيشها ومواردها في حرب ساذجة لم يرد عليها اليمنيون حتى الان بما ينبغي انتظارا لما يمكن ان تسفرعنه التحركات السياسية والدبلوماسية الاقليمية والاممية، وذلك رغم انهيار مؤتمر جنيف في حزيران الماضي نتيجة للتعجرف الوهابي وفقدان مرتزقة آل سعود في الحكومة المعزولة للصلاحيات التي تخولهم اقرار السلم الاهلي والامن الوطني في البلاد.
وفي الواقع فان فظائع الحرب العبثية السعودية على اليمن وممارسات "داعش" الوحشية على مستوى سوريا والعراق وليبيا ومصروتونس ومناطق من افريقيا، الى جانب الضغوط والمماطلات الاميركية والاوروبية حيال الجمهورية الاسلامية الايرانية بحجة ملف طهران النووي السلمي، قد أمدت العدو الإسرائيلي بفسحة كبيرة جدا من الراحة والاستقرار والطمأنينة باعتبار ان الاطراف المشار اليها بالحروب والازمات لصيقة بشكل او بآخر بمحور دول المقاومة بوجه المشروع التوسعي الصهيوني، ولا شك في ان "أسرائيل" تعيش الآن اسعد لحظات حياتها الحافلة بالحروب والاعتداءات والجرائم الارهابية اللاانسانية ضد العرب المسلمين. ولعلنا لن نفاجأ اذا بادرت هذه الايام الى اطباق مؤامرتها القديمة لتهويد المسجد الاقصى اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين عبر تدميره وبناء الهيكل اليهودي على انقاضه، وذلك بعدما اعلنت بوقاحة مطالبتها بإلحاق الجولان السوري المحتل الى الكيان الصهيوني الفاقد للشرعية اساسا، تحت ذريعة "انهيار الدولة السورية".
وعند الكثير من الخبراء والمراقبين الدوليين، فإن الوقاحات الصهيونية الاخيرة وضربها عرض الحائط جميع القرارات الدولية ذات الصلة بالصراع العربي الصهيوني، يؤكد بما لاشك فيه ان "إسرائيل" طبقت مخططا شيطانياً رهيباً لتأجيج عصابات داعش التكفيرية ودعم اهدافها التدميرية ب "اسم الاسلام" في المنطقة. كما انها وانطلاقاً من تحالفها التاريخي مع النظام السعودي العميل حرضت الرياض على التورط في المستنقع اليمني بحجة تشيع حركة انصار الله، علما ان تطورات الاوضاع في اليمن لا صلة لها باية توجهات مذهبية باعتبار ان الشعب في هذا البلد غالبيته من اتباع المذهب الزيدي المعروف تاريخيا هناك، مع وجود آخرين من اتباع المذاهب الاسلامية الاربعة وايضا من الشيعة.
كما ان الكيان الصهيوني وحسب كبار المسؤولين الايرانيين دخل طرفا معرقلا للمفاوضات النووية بين ايران ومجموعة 5+1 التي كان يفترض ان تخرج باتفاق نهائي في شهر حزيران 2015، وقد اثبت التراجع الغربي عن مرونته للوصول الى حل، صوابية رؤية قائد الثورة الاسلامية الامام الخامنئي بأنه لايثق بالسياسات الاميركية والاوروبية التي بدأت في رفع سقف مطالبها التعجيزية ومنها تفتيش المنشآت العسكرية الايرانية.
على ان التوطؤ السعودي الاسرائيلي لم يتورع قط عن اشعال المناطق الحدودية الايرانية بالفتن المذهبية والعرقية طلبا في الحاق الجمهورية الاسلامية بدوامة الصراع التكفيري الراهن. وبالتالي فهو يهدف الى لي ذراع المدافع الرئيسي حاليا عن الصمود والمقاومة في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين.

الرد المدوّي ليوم القدس العالمي
جاء تخليد يوم القدس العالمي في الجمعة الاخيرة من شهر رمضان 1436 من قبل الجموع البشرية في ايران والعراق ولبنان واليمن وسوريا عدا دول العالم الاخرى، ليوجه صفعة قاسية الى وجوه الصهاينة وحلفائهم الدوليين والاقليميين. فقد انحازت الشعوب الاسلامية والعربية الى جانب  الحق الفلسطيني السليب، ورفضت ان تنساق وراء الدعايات والسياسات المفخخة شأنها شأن التفجيرات التي قتلت وجرحت خلال شهر رمضان هذا العام مئات المسلمين المصلين في مسجد الامام الصادق (عليه السلام) في الكويت وفي مسجد الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام)  ببلدة القديح بالقطيف في السعودية.
ولم تخل مناطق اخرى في المنطقة من مجازر واغتيالات اريد من ورائها تغليب لغة الجهل والتعصب على لغة العقل والمنطق، بيد ان ضبط النفس الذي تحلى به المسلمون فوت الفرصة على اعداء الامة ومنعهم من تمرير الفتن والدسائس المشبوهة لاسيما في العراق الذي وحّدته التحديات الارهابية وصنعت من ملبي فتوى المرجعية الرشيدة جيشا عقائديا بإسم الحشد الشعبي. ولاشك بأن فتنة التكفيريين في العالم الاسلامي يمكن ان تحصن الامة مما هو اخطر من هذا التحدي وجعلها اكثرا وعياً بالتهديدات المماثلة .
في هذا المجال ينبغي الاشارة الى ان سقوط مناطق في سورية والعراق بايدي أعداء الامة، اوجدت معطيات مهمة على مستوى عملية الصراع الاسلامي.. الاسرائيلي، منها:
1. ان الجهاد لتحرير فلسطين والمسجد الاقصى والمقدسات عملية طويلة الامد وهي بحاجة الى تضحيات في جميع الابعاد والاتجاهات. ومن ذلك لزوم تطهير الممرات البرية الى فلسطين من العقبات والافخاخ المعرقلة للمسيرة التحريرية، فالعملية لن تكون انزالا جويا قطعا بل هي زحف مقدس يتوجب ان تكون طرقه سالكة وخالية من الحواضن المدعومة اسرائيليا وسعوديا.
2. تجفيف منابع الارهاب الفكري التكفيري الذي طالما اضطلعت الحكومة السعودية برعايته وتمويله ودعمه بالفتاوى الباطلة لوعاظ السلاطين، ويتحمل علماء الدين الافاضل والمفكرون والدعاة بمسؤولية قصوى في هذا المضمار.
3.  فضح زعماء التطبيع مع "اسرائيل" وحشد الرأي العام الاسلامي للضغط باتجاه منع سقوط الحكام والنخب السياسية والثقافية في احضان السياسات الغربية والصهيونية لئلا تتعقد مسيرة التحرير اكثر فاكثر.
وأخيرا وليس اخرا ينبغي التأكد بل والتيقن بأن تحرير فلسطين والقدس الشريف من المحتل الصهيوني ليس حلما بعيد المنال كما يحلو للانهزاميين الترويج لذلك، فسقوط الحكم الشاهنشاهي الايراني و ازاحة طاغوت العراق المعدوم ونماذج اخرى عبر التاريخ القريب والبعيد يمكن ان تعزز الثقة في النفوس، شريطة ان يتحول كل شبر من ارض المسلمين والعرب الى حاضنة للجهاد والمقاومة وتتلاشى فيه اوكار الارهاب والجريمة المنظمة وقطاع الطرق، وتتقلص فيه مراكز نفوذ اللصوص الدوليين والمحليين.

* حميد حلمي زاده