فيينا والدرس الإيراني في الندية

فيينا والدرس الإيراني في الندية
الأربعاء ١٥ يوليو ٢٠١٥ - ٠٦:٤٩ بتوقيت غرينتش

من المؤكد ان مفاعيل الاتفاق النووي بين ايران وامريكا وبريطانيا وفرنسا والمانيا وروسيا والصين ، لن تنحصر في نطاق العلاقة الثنائية بين ايران وبين هذه الدول ، بل ستمتد على طول مساحة العلاقات التي تربط ايران ودول الاقليم ، وعلى ما تشهده من تطورات.

ان الاتفاق النووي ، قبل ان يكون اعترافا وصريحا ، بإيران نووية ، من قبل اكبر ست قوى في العالم ، هو اقرار لا لبس فيه ، بعدم قدرة هذه القوى على حرمان ايران من حقوقها المشروعة بالقوة ، وتسليم واضح بدور ايران البارز والمؤثر في المنطقة ، كدولة لا يمكن معاداتها او تجاهلها.

ان امريكا ، ما كانت تتردد ولو للحظة واحدة في تدمير البرنامج النووي الايراني ، لو كان بمقدورها ذلك ، وما جلوسها الى طاولة واحدة مع ايران لمناقشة برنامجها النووي ، الا تاكيدا على فشل جميع سياستها السابقة ، بشقيها العسكري والاقتصادي ضد ايران.

الرئيس الامريكي باراك اوباما اعلن وفي اكثر من مرة ، انه يتمنى تفكيك البرنامج النووي الايراني باكمله ، ولكن هذه امنية لا يمكن تحقيقها ابدا ، لسبب بسيط وهو ان الايرانيين امتلكوا ناصية التقنية النووية ، وان قصف منشاتهم النووية رغم كل مخاطره ، لن يؤدي الا الى تاخير البرنامج النووي الايراني بعض الوقت ، لينطلق بعد ذلك بوتيرة اسرع.

اما سياسة الحظر الامريكية ضد ايران ، والتي اعتبرها اوباما العصى السحرية التي دفعت ايران للتفاوض ، فكانت عقيمة كالتهديدات العسكرية ، والدليل على ذلك ، دخول امريكا في مفاوضات مارثونية مع ايران ومن موقع الندية ، دون اكتراث باحتجاجات حليفيها “اسرائيل” والسعودية ، فلو كان الحظر الاقتصادي سيؤدي الى “شل الاقتصاد الايراني” و “انهيار العملة الوطنية الايرانية” و”اندلاع اضطرابات تؤدي الى اسقاط النظام او استسلامه” ، لماذا اذا تجشمت امريكا عناء المفاوضات ، والقبول بايران نووية ؟.

من المؤكد ان الامريكيين ، على العكس من “الاسرائيليين” و السعوديين ،ايقنوا ان التهديدات العسكرية والحظر الاقتصادي ، لن ينالا من ارادة الشعب الايراني ، واتضح ذلك جليا من الانجازات العلمية والنووية والعسكرية التي حققتها ايران في ظل الحظر ، بل ان ايران اعلنت عن تخصيبها اليورانيوم بنسبة 20 بالمائة ، في ظل اقسى حلقات الحظر ، وعندما كانت حاملات الطائرات الامريكية تجوب البحار حول ايران.

ابدت ايران في السنتين الاخيرتين مرونة حقيقة ، عندما وجدت بعض الجدية لدى الجانب الامريكي ، للوصول الى تسوية ما لبرنامجها النووي ، بعيدا عن لغة التهديد والوعيد ، الامر الذي شجعها على الدخول في مفاوضات مباشرة مع امريكا ، لجس نبضها والوقوف على مدى جديتها ، لاسيما انه ليس لايران شيء تخفيه ، فهي من اكثر الدول حرصا على ايجاد تسوية لملفها النووي المفتعل ، ورفع الحظر الظالم المفروض عليها .

قدمت ايران من خلال المفاوضات النووية ، والاتفاق النووي الذي تمخض عنه ، درسا في غاية الاهمية لمختلف شعوب العالم ؛ في كيفية الدفاع عن سيادتها واستقلالها وحقوقها ، عبر استخدام دبلوماسية مسؤولة ، نابعة من ارادة الشعب ، وتستند الى قدرات عسكرية رادعة ، وتعمل بتوجيهات قيادة شجاعة وحكيمة ، وهذه الوصفة السحرية هي التي دفعت وزير خارجية اكبر دولة في العالم خلال 22 شهرا ، ان يطير هو وفريقه المفاوض ، عشرات المرات فوق المحيط الاطلسي بصورة مكوكية بين امريكا واوروبا ، ويقضي في احداها 17 يوما متتالية في العاصمة النمساوية فيينا وتحديدا في فندق كوبورغ ، ومثله فعل وزراء خارجية اكبر خمس دول في العالم ، كانوا يتقاطرون على الفندق ، للقاء وزير خارجية ايران ، البلد الذي قدم للعالم اجمع درسا في كيفية التعامل بندية مع الاخرين ، مهما كانوا متجبرين ومتكبرين.

*ماجد حاتمي/ شفقنا