أوهام حُكّام الخليج (الفارسي) بالأمن واهية.. الإرهاب الداعشي قادم

أوهام حُكّام الخليج (الفارسي) بالأمن واهية.. الإرهاب الداعشي قادم
الأربعاء ١٥ يوليو ٢٠١٥ - ٠٧:١٠ بتوقيت غرينتش

بلغ الإرهاب مرحلة من الانتشار والتوسُّع، إلى الحدِّ الذي جعل من المنطقة العربيّة برُمَّتها تحت تهديده. وربّما لم يعُد بالإمكان الحديث عن إجراءات فاعلة لمواجهة هذا الخطر الذي يكبُر مع الوقت، ويزداد تحت مرأى وأعين الأنظمة الحاكمة التي لم تقم بأيِّ جهدٍ في سبيل القضاء على هذا الإرهاب قبل أن يتمدّد.

ظنّت أنظمة الخليج (الفارسي) أنّها ستكون بعيدة عن كلِّ أنواع الإرهاب والتطرُّف التي عمّت أرجاء المنطقة العربيّة، من سوريا إلى العراق واليمن وليبيا ومصر. فعملت طوال الفترة الماضية على التعامي عن أنشطة المُتطرِّفين وتنامي أعدادهم وأنصارهم بشكلٍ غير مسبوق، وعملت في بعض الأحيان على دعمهم كما حصل في سوريا والعراق بذريعة دعم "المعارضة المعتدلة" في هذه الدول، في سبيل إسقاط النظام فيها.

كما ساهمت خطابات التحريض المنتشرة- بشكلٍ غير عادي- في مناطق الخليج (الفارسي)، في ازدياد حالات التطرُّف بشكلٍ أكبر، وأدّى تزايد الخطاب الطائفيّ المُقيت الداعي ليس فقط إلى التفرقة بين الطوائف والمذاهب، بل أيضا إلى القتل وإلغاء الآخر، إلى جعل المنطقة العربيّة برمّتها، والخليجيّة بشكلٍ خاص، تعيش على صفيحٍ ساخنٍ، ومهدّدةً بالانفجار في أيِّ وقتٍ من جرّاء الخطابات الفتنويّة الداعية إلى التكفير.

اعتقد حكّام الخليج (الفارسي)، أنّ دولهم سوف تبقى بمنأى عن الحرائق التي اندلعت في المنطقة العربيّة، وأنّ بلدانهم لن يطالها الإرهاب، طالما أنّهم يلتقون مع الإرهابيِّين- عن قصدٍ أو عن غير قصد- في أهدافهم ومساعيهم الرامية إلى القضاء على الأنظمة، وتدمير الدول، والتسبُّب في الخراب والفوضى فيها. واعتقدوا أيضا أنّهم بلعبهم على الوتر الطائفيّ داخل بلدانهم، سوف يُبقون على هذه الحركات الإرهابيّة المُتطرِّفة تحت سيطرتهم، مطمئنّين إلى أنّ خطرها سوف يقتصر على الدول التي يسرحون ويمرحون فيها.

هذا الاعتقاد السائد لدى دول الخليج (الفارسي)، كسره الإرهابيّون بالضربة الأولى التي ضربوها في السعوديّة، وفي المنطقة الشرقيّة بالتحديد، ما جعل الأنظار تتوجّه من جديد إلى هناك، إلى حيث كان الاطمئنان بأنّ المنطقة بعيدة عن الأخطار. فكان التفجير الأوّل في مسجد للشيعة، بمثابة الضربة الأولى للنظام السعوديّ، المتخاصم أصلًا مع شعبه، ومع أبناء المنطقة الشرقيّة بالتحديد. ليُعلن عن ولادة نوعٍ جديدٍ من التعاطي الإرهابيّ مع الخليج (الفارسي)، ودخول العمليّات الإرهابيّة المُتطرِّفة إلى عقر الدار، رغم القبضة الأمنيّة التي تقوم بها السلطات الأمنيّة في البلاد.

وجاء التفجير الثاني في السعوديّة، وفي المنطقة الشرقيّة أيضا، ليرفع حالة الرعب واليقين من أنّ الإرهاب قد شكّل ساحة عملٍ جديدة، وهو يعمل فيها بكلِّ راحةٍ ودون أيِّ صعابٍ حقيقيّة تمنعه من ارتكاب المجازر والقتل، حتى لو كان ذلك داخل دور العبادة. هذا الأمر خلط الأوراق، ودلَّ بما لا يدعو مجالًا للشكّ، على أنّ التحذيرات السابقة، من مخابرات غربيّة وأوروبيّة عديدة لدول الخليج (الفارسي) من خطر وصول الإرهاب إلى أراضيها قد حصل فعلًا، وأنّ دول الخليج (الفارسي) قد دخلت في عين العاصفة.

التسلسل المنطقيّ للإرهاب المُتدحرِج في الخليج (الفارسي)، أنتج تفجيرا آخر، وهذه المرّة في الكويت، وفي مسجدٍ للشيعة أيضا، ما أكّد بشكلٍ وثيقٍ أنّ ما حصل في السعوديّة لم يكن خرقاً أمنيّاً بسيطاً، وأنّ الأمر أكبر من هذا بكثير. فالإرهاب يدقُّ أبواب الخليج (الفارسي)، ولا إجراءات حقيقيّة للتصدِّي، بل بالعكس فإنّ الجماعات الإرهابيّة المُتطرِّفة وجدت في الخليج (الفارسي) أرضا خِصبةً للعمل ولتنفيذ مخطّطاتها الدمويّة، وإن كانت حتى الآن تستهدف الشيعة فقط، إلّا أنّ المُرجَّح في الأعمال القادمة ألّا تقتصر على طائفةٍ دون أخرى، أو مذهبٍ دون آخر، والإرهابيّ الذي يشعر أنّ القبضة الأمنيّة قد زادت بهدف تشديد الخناق عليه، لن يتردّد في تفجير نفسه في القوى الأمنيّة نفسها، ما سيعني في حال حدوثه، ألّا أحد بعيد عن الاستهداف، وأنّ الجميع أصبح تحت نيران الإرهاب.

الإرهاب لن يتوقّف هنا، ولن يكتفي بالسعوديّة والكويت، وكلُّ الأنظار تتوجّه في هذه الأحيان إلى البحرين، إحدى الدول الخليجيّة التي تُشكّلُ بيئة حاضنة لداعش ومثيلاته، وما التهديدات المستمرّة من قيادات داعشيّة في البحرين، سوى تأكيد على مدى الجديّة في إمكانيةّ حصول أعمال إرهابيّة. وهنا لا بُدّ من الالتفات إلى أسلوب تعاطي النظام القائم في البحرين، مع تنامي "داعش" في المملكة، فترى السلطة تلاحق مغرّدٍ على مواقع التواصل الاجتماعيّ، ينتقدها ويطالب بالإصلاح، حتى لو كان مجهول الهويّة، فتعمل أجهزة مخابراتها على البحث والتقصِّي بشكلٍ عجيبٍ لكشف هويّته واعتقاله، في حين أنّ الدواعش معروفي الهويّة الذين يُهدِّدون ليلًا نهاراً بالقتل والذبح والتنكيل، لا يلاقون من السلطة أيَّ ردّة فعل، ولا حتى محاولة لإسكاتهم أو اعتقالهم والتحقيق معهم، طالما في اعتقادهم أنّ هؤلاء الإرهابيّين يُنفّذون الأهداف نفسها التي يرغبون في تحقيقها.

إذن، "داعش" تقول اليوم "هنا الخليج (الفارسي)"، وهنا ساحة عملنا الجديدة. وهذا ليس مجرّد وهمٍ أو خيال، بل هو واقعٌ مرّ وأليم تعيشه منطقة الخليج (الفارسي) في هذه المرحلة، وهي مرحلة سوف تعيشها السعوديّة والكويت والبحرين، رغم القبضة الأمنيّة التي سوف تنفِّذها السلطات في هذه الدول. والدليل على هشاشة هذه الأنظمة الأمنيّة، هو المسلك الذي اتبعه الإرهابيّ الذي فجّر نفسه في الكويت، بدءًا من السعوديّة ومرورًا بالبحرين، وصولًا إلى الكويت حيث قام بتنفيذ عمليّته الانتحاريّة، على مرأى من كلِّ القبضة الأمنيّة في هذه الدول، التي أثبتت أنّها تعمل لمواجهة أبناء الشعب والتصدِّي لهم وقمعهم وإسكات أصواتهم، في حين أنّها تتعاطى بخفّة مع الوجود الإرهابيّ، وتتغافل بشكلٍ كبيرٍ عن تحرّكاتهم المشبوهة الداعية إلى القتل والإجرام.

لـ"داعش" اليوم في الخليج (الفارسي) مساحةً من الحريّة والراحة في تنفيذ مخططاته، دون أن نجد أيًّا من الأنظمة الحاكمة فيها تسعى للقضاء على هذا الوباء الذي انتشر في كافّة أرجاء المنطقة العربيّة، وإذا استمرّ الوضع على ما هو عليه، فنحن مقبلون وللأسف على مزيد من الإرهاب والقتل في دول خليجيّة أخرى، والبحرين هي أبرز المُرشَّحين لأن تقع فريسةً للإرهاب في المرحلة المقبلة.. الوقائع كلّها تدلُّ على ذلك، والسلطات كأنّها لا ترى أو لا تريد أن ترى.


د. أسعد الوجيه باحث استراتيجيّ وخبير في الشؤون العربيّة