لقاء نتنياهو مع أوباما في واشنطن ليس واعدا

لقاء نتنياهو مع أوباما في واشنطن ليس واعدا
الإثنين ٠٩ نوفمبر ٢٠١٥ - ٠٧:٤٩ بتوقيت غرينتش

يستضيف اليوم في البيت الأبيض الرئيس الأميركي باراك أوباما رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. ويعتبر هذا اللقاء اضطراريا بين الرجلين جراء ما ساد العلاقات الشخصية بينهما من توتر وتشاحن ونظرا للعلاقات الخاصة بين أميركا والدولة العبرية. ولهذا فإن هذا اللقاء، خلافا لكل اللقاءات السابقة، يشكل نوعا من لغز يصعب حله إلى حين إعلان نتائجه من الرجلين أو المقرّبين منهما. ويتعاظم هذا اللغز في ضوء ما تشيعه أوساط الطرفين من آمال وتحفظات.

فصحيفة «إسرائيل اليوم» المقرّبة من بنيامين نتنياهو تشيع أجواء أن الزيارة ستكون ناجحة اعتمادا على رؤيتها أن هذه هي الفرصة للرجلين لإصلاح العلاقة بينهما. وطبعا الحديث يدور عن العلاقات الشخصية لأن العلاقات الجوهرية، خصوصا في جانبها الأمني والعسكري ليس فقط لم تتضرر بل ازدادات توثقا. ورأت صحف أخرى أن الزيارة لن تحقق شيئا جوهريا لأنها ستظل محكومة بالخلاف بين الرجلين، وهو خلاف ليس له حل حتى الآن. قلة قليلة تعتقد أن اللقاء سيكون سلبيا.
ويعتمد أصحاب الرأين الأولين على فكرة أن العلاقات الجوهرية بين "إسرائيل" وأميركا تستند إلى قانون أميركي داخلي يضمن التفوق العسكري لـ"إسرائيل" على كل محيطها العربي. ولذلك فإن الخلاف بين الرئيس أوباما ورئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو يبقى في الهوامش وعلى الصعيد الشخصي. وربما أن البعض، خصوصا من يرون أن اللقاء سيكون إيجابيا، يراهنون على انتماء أوباما الديموقراطي وطبعا خشيته أن تمس مواقفه بـ"إسرائيل" فرص نجاح المرشح (أو المرشحة) الديموقراطي للرئاسة فضلا عن الانتخابات للكونغرس بسبب الخوف من قوة الصوت والمال اليهودي. وهكذا في كل الأحوال فإن التقدير السائد هو أن اللقاء سيكون بين ناجح وعادي ويصعب أن يكون سلبيا.
وفي هذا السياق يشدد أصحاب النظرة الإيجابية في اللقاء على أن نتنياهو ليس ملزما بالاتفاق حاليا مع الرئيس أوباما على خطة المساعدة الأميركية السنوية لـ"إسرائيل". إذ أنه يمتلك فرصة انتظار الرئيس المقبل سواء كان جمهوريا أو ديموقراطيا. ويكفي نتنياهو الاستماع إلى كلام المرشحة الديموقراطية، هيلاري كلينتون، ليدرك أن المستقبل يمكن أن يكون أجمل لـ"إسرائيل" في أميركا. ومع ذلك يصعب الحديث عن أن بوسع "إسرائيل" احتمال عام وشهرين من النزاع مع إدارة يبقى فيها أوباما رئيسا لأميركا.
وهنا تكمن المشكلة، ليس فقط في الاتفاق أو عدم الاتفاق مع أوباما وإنما في كيفية إدارة المرحلة المقبلة. فبوسع الرئيس أوباما الذي تحدى نتنياهو والجمهوريين في الشأن الإيراني أن يجعل العام المقبل حفلة تعذيب سياسية مرعبة لحكومة "إسرائيل". وهو بالتالي يمكنه أن يمنح "إسرائيل" كل إسناد عسكري مناسب وأن يتلكأ في منحها الإسناد السياسي في الأمم المتحدة وفي باقي المحافل الدولية على الأقل في كل ما يتعارض مع السياسة الأميركية المعلنة. وأميركا تريد حل الدولتين وتريد الشرعية الدولية وتحارب انتشار السلاح النووي وكل هذه على الأقل يمكن أن تكون عناوين للصدام مع نتنياهو.
وعموما تكفي نظرة إلى ما أعلنه مستشارو أوباما بشأن التسوية بين "إسرائيل" والفلسطينيين لملاحظة مجرى الرياح. صحيح أنهم أعلنوا أن الإدارة الأميركية لم تعد تؤمن بإمكانية التوصل إلى حل دائم في العام المقبل لكنهم أثاروا مخاوف لدى "إسرائيل" بأن قناعتهم بحل الدولتين ستدفعهم ربما إلى عدم الاعتراض على مبادرات الاتحاد الأوروبي. وليس صدفة أن الأميركيين سربوا مؤخرا أنباء تفيد بأنهم باتوا مقتنعين بأن لا مجال حتى لحل الدولتين وأن الخيار الواقعي الوحيد هو حل الدولة الواحدة. ويعرف أغلب الصهاينة أن فكرة الدولة الواحدة تتضمن في جوهرها قضاء على فكرة الدولة اليهودية، التي حينها عليها أن تختار بين أن تكون دولة فصل عنصري أم دولة ديموقراطية.
غير أن الأمور لا تقتصر فقط على الجانب السياسي الذي بات يتسم بأهمية كبيرة في الظروف الراهنة بسبب تغييرات دولية وإقليمية هامة. فهناك إحساس، حتى لدى الإسرائيليين بأن دور أميركا العالمي، خصوصا في منطقتنا، بات في تراجع. والأهم أن دولا أخرى باتت تحاول أن تنال حصتها من الواقع الجديد وبين أبرز هذه الدول في المنطقة إيران وروسيا. وليس مستبعدا أن تحاول أيضا دول أخرى حتى من البعيد أن تلعب أدوارا أكثر أهمية في الفترة اللاحقة. وعدا ذلك فإن التطورات تأتي سريعة ومتلاحقة ولذلك لم يعد من السهل ملاحقتها من دون متابعة يومية جادة. وأمر كهذا يصعب توفيره في ظل استمرار توتر العلاقات بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية.
في كل حال هناك مجموعة من المواقف الأميركية التي تنذر باحتمالات أن لا تنتهي زيارة نتنياهو بالنجاح. هناك من يعتبر تعيين ران براتس مسؤولا عن الإعلام الإسرائيلي نوعا من قنبلة موقوتة سوف تنفجر في الاجتماع. صحيح أن نتنياهو لم يأخذه معه إلى واشنطن وأبقاه في تل أبيب ولكن غيابه قوّى حضوره. فقد أعلن نائب الرئيس الأميركي جو بايدن أنه لا يمكن التسامح مع هكذا تعيين.
وحتى في الجانب العسكري، والحديث يدور عن المساعدات السنوية التي سربت مصادر أميركية أن "إسرائيل" تطلب زيادتها لتبلغ 5 مليار دولار سنويا في العقد المقبل تصطدم بعقبة كبيرة. وقال مسؤولون أميركيون إن إدارة أوباما لن تمنح هكذا دعم لـ"إسرائيل" خصوصا أن الظروف الاقتصادية ليست في ذروتها. عموما إشارات كثيرة تفيد بأرجحية أن اللقاء لن يكون واعدا لنتنياهو على أقل تقدير.
حلمي موسى / السفير