"أبو علي القنطار" شهيداً.. أي ثمن سيدفع الإسرائيليون؟

الإثنين ٢١ ديسمبر ٢٠١٥ - ٠٨:٢٦ بتوقيت غرينتش

لن تطول على الأرجح «سكرة» الإسرائيليين باغتيالهم «الأسير الأغلى» المقاوم الشهيد سمير القنطار.

هم اعتقدوا أنهم أقفلوا الفاتورة، لكن عندما ستنتهي آخر فقرة من خطاب الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، هذه الليلة، سيدرك الاسرائيليون أن فاتورة جديدة باتت تنتظر من يسددها.. وسيكون السعر غالياً، أقله بحسابات أهل المقاومة، الذين يدركون أن "اسرائيل" تحاول منذ تموز 2006، لا بل منذ التحرير في العام 2000، خلق قواعد اشتباك تترك لها «اليد العليا» في الميدان والاستخبارات والأمن، قبل أن يفاجئهم «حزب الله» بما هو ليس في الحسبان.
لم يكن استهداف القنطار من قبل الإسرائيليين مفاجئاً، لا للشهيد نفسه ولا للمقاومة ولا لعائلته. هو لطالما كان يردد «صدقوني لم أعد إلى هنا إلا لأعود إلى فلسطين. عدتُ لأعود..».
يريد القنطار أن يتوّج مسيرته شهيداً في الموقع الطبيعي لمقاوم كانت حياته في الأسر والحرية حافلة بالمقاومة، بدءاً من عمليته الأولى في نهاريا مروراً بالأسر الطويل (نحو ثلاثة عقود من الزمن) والحرية والالتحاق مجدداً بصفوف المقاومة وصولاً إلى الاستشهاد.
سقط «أبو علي» شهيداً، لكنه زرع بذرة في لبنان وسوريا وفلسطين، لن تذبل بل ستجد من يرويها دائماً وأبداً بالدماء الزكية التي باتت عنواناً للكرامة والعنفوان.. والانتصار.
في التفاصيل، ها هو الدفاع المدني السوري لا ينتظر كثيراً في جرمانا. جرافاته انطلقت الى رفع ركام المبنى الحجري الأبيض، ولم تكن قد مضت أكثر من 12 ساعة على قصفه وتدميره بأربعة أطنان من المتفجرات حملتها رؤوس أربع قنابل ذكية إسرائيلية.
الجرافات الضخمة انكبّت وسط عاصفة من الغبار، على افتراس أسطح الاسمنت المتدلّية، والطوابق التي تهاوت جدرانها، فور انتهاء رجال الأمن من رفع بقايا القنابل المجنحة، وزعانفها الفولاذية التي قاومت الانفجارات، للتدقيق فيها.
الجرافات مع ذلك انتظرت حتى الرابعة والنصف فجراً. لإجلاء آخر الضحايا، عندما عثر المسعفون على جثمان نزيل الطابق الثاني في المبنى، ورفعت عنه الأنقاض، ليتفحصوا الجروح التي أدمت الجانب الأيمن لقائد «اللجان الشعبية في الجولان المحرر»، الشهيد سمير القنطار. شهيدان اثنان أيضا هما محمد نعسو، مرافق الشهيد القنطار، وفرحان شعلان، أحد كوادر «لجان المقاومة الشعبية»، عُثر عليهما اولا بين الأنقاض، وكانت معجزة، أن يخرج سكان المبنى العشرون في تلك الساعة، جرحى لا قتلى، من بين الأنقاض.
وفي غياب أي رواية رسمية اسرائيلية لعملية الاغتيال، وصمت دمشق عن التفاصيل، بانتظار نتائج التحقيق الذي تجريه الأجهزة الأمنية والعسكرية الرسمية والحزبية، تبدو الرواية التي تبنتها المقاومة، عن تنفيذ عملية الاغتيال بقصف جوي بالقنابل الذكية، هي الرواية الأكثر ترجيحاً، في مواجهة ما قالته القناة العبرية الأولى، من أن قصف جرمانا قد نفذته وحدة صواريخ أرض أرض.
وتطرح العملية الإسرائيلية أسئلة عن احتمالات الخرق التقني أو البشري الإسرائيلي. إذ إن انكشاف تحركات سمير القنطار أمام الرصد الإسرائيلي، كان جلياً، خصوصاً أنه لم يمض على وصوله الى دمشق، قادماً من بيروت، أكثر من 12 ساعة. كما أن تردده على شقة حي الحمصي في جرمانا، كان لا يتجاوز الزيارة الواحدة كل شهرين، من دون أن يمكث فيها أكثر من ساعات قليلة، حسب مصادر مطلعة.
وكان القنطار هاجساً اسرائيلياً كبيراً منذ إطلاقه عنوة من أسر استمر نحو ثلاثة عقود من الزمن في السجون، وذلك على مسافة عامين من عملية المقاومة في خلة وردة في خراج بلدة عيتا الشعب ضد دورية اسرائيلية، في تموز 2006، والإهانة التي تعرّض لها العدو الإسرائيلي، بإجباره على إطلاق سراحه، بعد استثنائه من كل عمليات تبادل الأسرى قبل هذا التاريخ.
وتحول القنطار حراً، الى هدف للمطاردة، وللثأر من الإهانة اولا، ومنع القنطار ثانيا، من المضي قدماً في تحصين البيئة الجولانية من الاختراق الإسرائيلي، ودوره في تأطير شبان القرى الدرزية في السفح الشرقي لجبل الشيخ، في لجان المقاومة الشعبية، للقتال الى جانب الجيش السوري والمقاومة في الجولان، ضد التهديد الإسرائيلي والتكفيري المزدوج للتجمعات الدرزية في ريف القنيطرة، خصوصاً في بلدة «حضر» التي تعرضت لمجزرة في الربيع الماضي على يد مسلحي «جبهة النصرة».
ولعب الشهيد القنطار دوراً كبيراً في منع انزلاق قرى سفح جبل الشيخ، نحو مظلة الأمن الإسرائيلي، التي كانت أصوات عربية اسرائيلية تدفع نحوه، واستنفرت لتسريعه بعد اقتراب فصائل عملية «عاصفة الجنوب» المسلحة من مطار الثعلة في حزيران الماضي، وتهديد مدينة السويداء.
وسبق أن فشلت محاولة اغتيال القنطار الأولى، في الصيف الماضي، باستهداف مروحية إسرائيلية لموكب عند مدخل بلدة «حضر»، كان من المفترض أن يكون فيه، وقتلت ثلاثة من المقاومين، وحينها سارعت "اسرائيل" الى إعلان مقتله، ثم ما لبثت أن تراجعت عن الخبر.
والأرجح أن الأميركيين والإسرائيليين عملوا معاً على التمهيد لعملية اغتيال القنطار في جرمانا. ففي الثامن من ايلول الماضي، وضعت واشنطن سمير القنطار، على قائمة الإرهابيين المطلوبين، مانحة "اسرائيل" غطاءً إضافياً لا تحتاج اليه لاغتيال الرجل، الذي لم يخرج من فلسطين، بعد «الوعد الصادق»، إلا لكي يعود اليها، كما قال، ولكن شهيداً على تخومها، وفوق تراب سوريا.

محمد بلوط / السفير