أردوغان وحدود الصّلف

أردوغان وحدود الصّلف
الإثنين ٢٨ ديسمبر ٢٠١٥ - ٠٧:٠٦ بتوقيت غرينتش

في الوقت الذي يحتاج الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الى حملة ، بل حملات ، علاقات عامة من اجل تلميع صورته التي تلطخت بأوحال العراق وتركيا ومصر والمنطقة ، نراه على العكس تماما ، يتمادى في استفزاز العرب والمسلمين بطريقة اقل ما يقال عنها انها تجاوزت الصلف الى الغباء.

يرى البعض ان ما يدفع الرئيس التركي للظهور بمظهر المفصول كليا عن العالم الخارجي ، عندما يتحدت عن الاوضاع في العراق وسوريا ومصر والمنطقة بشكل عام ، هي الدماء البريئة التي تراق يوميا بالمئات في الحروب التي اشعلها هو ورفاقه في السعودية وقطر ، في المنطقة ، مستعينا باكثر العصابات التكفيرية اجراما في العالم من امثال “داعش” والقاعدة واخواتهما، والا ليس هناك من عاقل يسمح لنفسه ان يظهر بهذا المظهر المضحك ، الذي يظهر عليه اردوغان عندما يتحدث عن ازمات المنطقة.

بعد اعتراف نائب الرئيس الامريكي جو بايدن وبشكل علني ، بدور اردوغان والسعودية والدول الخليجية في دعم “داعش” والقاعدة في سوريا ، وما سببه هذا الدعم من استمرار الحرب الظالمة على سوريا منذ خمس سنوات ، وبعد تورط تركيا في علاقات تجارية مع “داعش” ، حيث تحولت الى اكبر “شريك تجاري” للعصابات التكفيرية في سوريا حيث تشتري منهم النفط السوري والعراقي المهرب ، كما تشتري الاثار السورية والعراقية التي هربتها العصابات التكفيرية ، كما هربت اجهزة ومعدات المصانع التي تم تفكيكها في سوريا الي تركيا ، وكل هذه الاتهامات موثقة بالصوت والصورة من قبل المخابرات الغربية والامريكية التي اخذ صوتها يتعالى طالبة من تركيا الكف عن القيام بهذا الدور غير الاخلاقي ، فاما عبور العصابات التكفيرية من تركيا الى سوريا ، حيث تحولت تركيا الى جسر لهؤلاء بشهادة حتى حلفاء امريكا ، فحدث ولا حرج ، واخيرا الوثائق الدامغة التي قدمتها روسيا الى مجلس الامن بشان التحالف الوثيق بين تركيا الاردوغانية و”داعش” على جميع المستويات التجارية والسياسية والعسكرية واللوجستية.

وهذه الحقائق كانت قد اكدتها المعارضة التركية والصحافة والاعلام التركي اكثر من مرة ، لذلك اصبحت هدفا لاردوغان ، الذي لا يمر يوم الا ويطارد فيه الصحفيين والاعلاميين والسياسيين المعارضين له ولسياسته غير المسؤولية في شؤون دول المنطقة ، نقول انه وبعد كل الكوارث التي الحقها اردوغان بالمنطقة ، منطلقا من خلفيات مذهبية وطائفية وحزبية ضيقة وكريهة ، فضحها اكثر استجداءه علاقات دبلوماسية كاملة من الكيان الصهيوني ، متناسيا خطبه العنترية حول غزة واهلها المحاصرين ، كشرط لعودة هذه العلاقات ، نراه يتهم ايران ، بانها تتعامل مع سوريا من منطلقات “طائفية” ، في سياسة اقل ما يقال عنها انها غير اخلاقية بالمرة ، وتفضح صاحبها وتعريه اكثر من ان تغطي عليه.

ففي كلمة متلفزة لاردوغان في اسطنبول قال فیها :”لو لم تقف إيران خلف الاسد لأسباب طائفية، لما كنا نناقش اليوم ربما قضية مثل سوريا” ، متصورا ان مستمعيه اما دواعش او طائفيين ، وسيصفقون له ، بينما بات الجميع ، منهم حلفاء اردوغان في الناتو ، يشيرون اليه باصابعهم عندما يتحدثون عن اسباب انتشار “داعش” في سوريا والمنطقة ، وتدخله السافر والعدواني في العراق ، وفتح ذراعيه واحتضانه لكل المجرمين الارهابيين الطائفيين من الذين يلاحقهم القضاء العراقي ، والاساءة الى العلاقة بين تركيا ومصر على خلفية انتمائه الحزبي الاخواني ، وعنصريته البغيضة ازاء الاكراد الذين يتعرضون لمجازر يومية على يد الجيش التركي ، ويتعرضون لحملة تشويه وكراهية يقودها اردوغان نفسه ، فيما الجميع يعرف ان ايران كانت ومازالت تدعو الى الوقف الفوري للحرب المفروضة على سوريا ، واغلاق الحدود التركية امام تدفق التكفيريين الى سوريا ، ورفض اسقاط الحكومة السورية مهما كلف الامر ، كما يريد اردوغان.

فايران لم تتعامل يوما مع القضية السورية والقضايا الاخرى الاقليمية من منطلقات طائفية ، فهي لم تقف الى جانب الشرعية في سوريا الا لانها تقاوم المشروع الامريكي الصهيوني الرجعي ، كما وقفت الى جانب حركة حماس والجهاد ، وكذلك اكراد العراق دون ان تلتفت الى مذهب هؤلاء المسلمين ، كما يتعامل اردوغان من منطلقات طائفية مع الجميع ، فلا تجد لاردوغان اي موقف ايجابي من اي حزب او تنظيم لا يمثل حزبه او طائفيته في المنطقة والعالم ، حتى لو كان هذا الحزب يقف بالمرصاد للكيان الصهيوني ، كما هو حزب الله ، ان ايران خرجت من امتحان الالتزام العملي بمبادي الاسلام ، مرفوعة الراس عبر وقوفها المبدئي والثابت من القضية الفلسطينية رغم كل ما لحق بها من ضغوط اقتصادية وسياسية وحتى عسكرية بسبب ذلك ، بينما اردوغان صاحب المواقف الاستعراضية ، مازال يرتبط بالكيان الصهيوني بمعاهدات امنية وعسكرية واقتصادية ، الا ان صلفه الذي تجاوز حدود الغباء ، يجعله يهذي ويعربد ويسوق معاركه الدونكيشوتية التي يخوضها ضد الصهيونية من على شاشات التلفزيون.

* جمال كامل/ شفقنا