"إسرائيل" ومحاولة التسلل من ثغرة الفتنة الطائفية

الأحد ٠٦ مارس ٢٠١٦ - ٠٨:٠٨ بتوقيت غرينتش

البعض برر النكسات السياسية والاخلاقية والقيمية التي تتعرض لها شعوب المنطقة، بـ”الصراع الطائفي” الدائر بين ايران والسعودية وحلفائهما، بينما تطورات الاحداث المتسارعة التي تشهدها منطقتنا، كشفت عن الهدف من وراء هذه النكسات شيء اخر، اخذت ملامحه تتضح شيئا فشيئا.

كان واضحا ان النكسات السياسية والاخلاقية والقيمية، التي تعرضت لها شعوب المنطقة، مثل تجييش وتجنيد الجماعات التكفيرية وارسالها الى سوريا لاسقاط الحكومة السورية، وشن العدوان الشامل على الشعب اليمني الذي قارب من نهاية عامه الاول، والابقاء على الحرائق الطائفية في العراق مشتعلة تحرق الاخضر واليابس هناك، والاستخدام المقزز للخطاب الطائفي دون خطوط حمراء ومن اعلى المستويات الدينية والسياسية، وادخال ليبيا في نفق الفوضى، وتجنيد كل الامكانيات المالية والسياسية والاعلامية لتسويق فكرة ان حزب الله، القوة العربية الكبرى التي اذلت “اسرائيل” وطردتها بالقوة من الارض العربية، هو تنظيم “ارهابي”، واستخدام الطائفية كسلاح لتشويه الثقافة العربية والاسلامية، كل هذه النكسات، كانت مقدمة لضرب بوصلة الانسان العربي، بهدف سلب قدرته على تحديد الاتجاه بالشكل الصحيح.
هذه النكسات لم تكن وليدة الصراع “السني الشيعي” المزعوم كما يدعي البعض، بل كانت ضرورة لدفع الشعوب العربية لتقبل “اسرائيل” ككيان يمكن التعايش معه، بعد فشل كل المحاولات التي بذلت منذ معاهدة كامب ديفيد بين مصر و”اسرائيل” ومعاهدة وادي عربة بين الاردن و “اسرائيل”، في هذا الشأن، لذا كان لابد من ممارسة سياسة الارض المحروقة في وجدان وعقل الانسان العربي، ليس لترويضه على تقبل العيش مع “اسرائيل” فحسب، بل لاقناعه بضرورة الاسراع بتطبيع العلاقات معها بهدف التصدي، “لخطر لعدو المشترك ”، وهو ايران “المجوسية” وحلفائها من “الروافض” و”العلويين” و “الزيديين” في لبنان وسوريا واليمن والعراق.
الجهات التي كانت وراء كل هذه النكسات التي تعيشها الامة منذ سنوات، كانت تُمني النفس بأن حالة الاحباط والفوضى الحالية التي تمر بها الامة كفيلة بإعطاب بوصلة الكثيرين من ابنائها، بفضل السموم الطائفية التي تشل قدرة التفكير لديهم بطريقة عقلية، وهو ما دفع الانظمة الخليجية الى ان تتجرأ على تصنيف حزب الله ك”حركة ارهابية”.
الجرأة الكاذبة التي يعيشها البعض بفضل هذه النكسات، والتي تشبه الجرأة التي يستشعرها المدمن الذي يتعاطى المخدرات، هي التي دفعت البعض للتحدث عن “اسرائيل” وكأنها عضو في جامعة الدول العربية، بل وكأنها حامي حمى العرب، فهذا ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، وانطلاقا من هذه الجرأة، يعلن وبملء الفم :”ان إسرائيل قادرة على الدفاع عن الدول العربية المعتدلة”، وهذه العبارة نقلها موقع صحيفة جيروزاليم بوست “الاسرائيلية”، عن الملك البحريني الذي اضاف :”ان مسألة بدء بعض الدول العربية فتح قنوات دبلوماسية مع اسرائيل هي مسألة وقت فقط”.
هذه التصريحات، وفقا لصحيفة جيروزاليم بوست، قالها الملك البحريني أمام رئيس مؤسسة التفاهم العرقي في نيويورك، الحاخام اليهودي مارك شناير، في القصر الملكي في المنامة، والتي دعا فيها الى «توسيع مواجهة حزب الله قدر الامكان في العالم العربي». من جهته، قال شناير أن «العداوة المشتركة التي تكنها الدول الخليجية وإسرائيل تجاه حزب الله ورعاته الإيرانيين يجب أن تُستغل كفرصة لإنشاء تحالف مع هذه البلدان».

جهد مماثل تبذله السعودية في هذا الشان، يتمثل باللقاءات التي تعقدها الشخصيات السعودية بانتظام مع كبار المسؤولين “الاسرائيليين” في السعودية وخارجها، فهذه اللقاءات لم تعد سرا، ولم تعد السعودية تشعر ازاءها بالحرج، بل على العكس تماما، فهناك اصرار سعودي واضح على مواصلة هذه اللقاءات وبشكل علني، وكثيرا ما تتناول الصحافة هذه اللقاءات وبالتفصيل، وهي كالعادة تتمحور حول سبل التصدي لايران وحزب الله، ك”عدو” مشترك للسعودية و”اسرائيل”.
ان الهدف من كل الذي شهدته وتشهده منطقتنا من حروب وصراعات وفوضى وفتن، والتي تحاول امريكا و”اسرائيل” والانظمة العربية الرجعية تسويقها على انها “طائفية “، هو استئصال العداء ل”اسرائيل” من عقل و وجدان الانسان العربي، ومسح فلسطين والقدس من ذاكرته، وشطب اكثر من ستة عقود من التضحيات الجسام من تاريخه، واستبدال كل ذلك باعداء وهميين لا وجود لهم على ارض الواقع مثل “الفرس” و “المجوس” و”الروافض” و”النصيرية” و “العلويين” و”الزيديين” و”المرتدين” و..
رغم كل الذي اقترفه التحالف الامريكي “الاسرائيلي” العربي الرجعي من فجائع وفظائع بحق الانسان العربي والمسلم، لاعطاب بوصلته تحت وقع “الفتنة الطائفية”، التي حاولت “اسرائيل” ان تتسلل عبرها الى العالم العربي، الا ان هذه البوصلة مازالت تشير وبدقة متناهية الى “اسرائيل” على انها العدو الوحيد للعرب والمسلمين، والى حزب الله، على انه شرف الامة، والى سماحة السيد حسن نصرالله، على انه تاج على رؤوس الاحرار، والى ايران، على انها بلد مسلم صديق، دفع ومازال يدفع اثمانا باهظة بسبب مواقفه المؤيدة لقضية العرب والمسلمين الاولى فلسطين، ويكفي نظرة سريعة الى ردود الافعال التي اثارها قرار الانظمة الخليجية ضد حزب الله، على صعيد الشارع والنخب والحكومات في العالمين العربي والاسلامي، للتأكد من مدى ثبات وصوابية هذه البوصلة، وفشل المؤامرة الكبرى التي كانت تستهدفها.

* ماجد حاتمي - شفقنا