مشانق بغداد.. الاصلاحات في نهايتها!

مشانق بغداد.. الاصلاحات في نهايتها!
الأربعاء ٢٠ أبريل ٢٠١٦ - ١٢:٣٥ بتوقيت غرينتش

ظاهرة ليست غريبة على مسار احتجاجي بدأ برفع السيوف والسكاكين و"المكاوير" وفي ظل ثقافة "الزود" العشائرية التي تسيطر على قطاعات واسعة من المتظاهرين وقياداتهم.. مشانق وحبال للـ"سحل" وقناني اوكسجين لفك الاقفال، جعلت اصوات الحلفاء السابقين ومنهم المجلس الاعلى، تعلو بالانتقاد قبل الخصوم.. فإلى اين يسير التيار الصدري الذي يتصدر مشهد الاحتجاجات؟

الاصلاحات في العراق ومحاربة الفساد ضرورة غامضة وشعار مشكوك فيمن اطلقه ويرفعه وكلمة حق يراد بها باطل.. ولان الجميع يطلقونه فان السؤال البديهي هو: من شرّع الفساد ومن هو الفاسد ومن اتى به ومن هم شركائه في الجريمة؟!

بعض تلك التساؤلات لن تجد لها جوابا متفقا عليه بين العراقيين.. فاهل الداخل يتهمون اهل الخارج، واهل الخارج يرون ان الفساد سببه الضنك الذي عاشه اهل الداخل (وانا هنا ناقل كفر)، والافندية يتهمون المعممين، والمعممون يتهمون من لا دين لهم، العلمانيون يتهمون الاسلاميين، والاسلاميون يرون ان الدولة علمانية وهذه نتيجتها.. الاكراد يتهمون حكومة بغداد وحكومة بغداد تتهم الاقليم الانفصالي، السنة لديهم اكثر من معركة بين قياداتهم ومع الشيعة ومع جماهيرهم.. والقطاع الخاص يتهم القطاع العام، والعاطلون يتهمون الموظفين، والموظفون العاديون يتهمون المدراء، والمثقفون يتهمون العوام... سلسلة من الاتهامات التي لا تنتهي وتسلسل باطل لا نهاية له.. الغريب فيه ان جميعهم يصدقون وفي نفس الوقت كل ما يقولونه غير دقيق!!!!!

سأكون صريحا وارجو ان يعذرني البعض على الصراحة.. ليس هناك حراك جماهيري ضد الفساد في العراق، نعم هناك اصوات واحتجاجات متفرقة على قضايا موردية يمكن معالجتها او اسكاتها بشتى الطرق.. بل صراع سياسي بين كتل متنافسة تسعى لاجندتها السياسية الخاصة في احسن الاحوال.. والدليل لو اتفقت جميع الكتل السياسية بمن فيها التيار الصدري على عدم النزول الى الشارع، من سيبقى معتصما عند بوابات الخضراء ومتظاهرا في ساحة التحرير؟!

وسأكون اكثر صراحة هناك قوتان في العراق، هما: المرجعية والكتل السياسية، بغض النظر عن مصادر قوتها وكونها ذاتية ام مكتسبة (اي تمثيلية).

انسحاب المرجعية من واجهة المشهد السياسي لا يعني بالضرورة غيابها، فلا تزال جميع الخطوات الاصلاحية والضد اصلاحية، حسب الموقف القائم على الارض، تحتاج مباركتها!!

ان ركوب بعض القوى لعملية الاصلاح ومحاولة اختطافها وتحويلها الى عملية انتقام سياسي غامض غير معروف الدوافع من جهة، بل من شخص معين... او مماطلة قوى اخرى في القيام باي خطوة ولو ترقيعية، افقد الحركة الاصلاحية والمطلبية بريقها وجعلها رهن المزايدات والصفقات السياسية.. اي انها اخرجت من ادارة الشارع الى قرار الكتل السياسية التي يمثل كل منها اجندات تقترب من موقف اقليمي او دولي!

لقد شاركت جميع القوى السياسية وحتى العسكرية في المظاهرات المطالبة بالاصلاح منذ بروزها.. فمن هو الفاسد والمفسد والمستفيد من الفساد اذا كان العراق كله شعبا وحكومة ضد الفساد؟!

وهل الفساد اساسا يتلخص في سرقة المال والتجاوز على الثروات الوطنية.. ام ان السرقة واحدة من تجليات الفساد ومفردة صغيرة من مفرداتها.. وان هناك اسس يقوم عليها الفساد وبيئة توفر له الامكانيات النفسية والقانونية والشعبية.. وفي مقدمتها واهمها على الاطلاق التجاوز على القانون والخروج عن دائرة المساءلة القانونية؟!

وهل ارعاب الناس وتهديدها في معيشتها وتعطيل حياتها، وتهديد من يختلف معي بالرأي والموقف بمن فيهم وزراء ونواب من القانون.. وهل اختزال الشعب في فئة والوطن في شخص اي كان عنوانه من القانون، من الاصلاح؟!

ان الخطاب الذي يطلقه التيار الصدري والأدبيات التي يتداولها والتي بدأت تتسرب الى القاموس السياسي العراقي، وهي بطبيعتها مستوحاة من نتائج ومرارة فترة الحصار التي اعقبت حرب اخراج العراق من الكويت حتى سقوط النظام البعثي، والتي تعتبر من فترات الانحطاط التي انتهت بسكوت الشعب على الاحتلال مع كل بغضه لمجرد الخلاص من تلك الحالة التي كان العراقي يعيش فيها خارج دائرتي الزمان والمكان.. والتي كانت فيها الامور البسيطة حلما لغالبيته.. وايضا ما ظهر خلال الفترة الطائفية التي اعقبت الاحتلال.. نعم، مفردات هذا الخطاب تكريس للتخلف ورفض للمدنية والحوار...

من جانب آخر، فان المماطلة في الحلول وان كانت ترقيعية من قبل الكتل السياسية والحكومة سيضعف الحركة الاحتجاجية التي یقودها التیار الصدري لان جمیع حلفاء الصدر في مشروعه الاصلاحي یجدون الآن انفسهم في مواجهته (التحالف الكردستاني، اتحاد القوى السنية، وأهم حليف له داخل المكّون الشيعي خلال السنوات الاخيرة، اي المجلس الاعلى) فضلا عن تبلور محور اقليمي يعارض الاتجاه نحو الفوضى او يبرر موقفه على اساسه!

وبهذا الوضع ومع عدم وجود بوادر تفيد بحصول تغيير في اصلاحات حقيقية، ليس امام التيار الصدري ومن يسانده في التظاهر والاعتصام الّا واحدة من اثنتين:

1. الانسحاب المشرّف (بعد اصلاحات صورية) او غير المشرف من الشارع والرضوخ امام موقف الشركاء الاخرين في العملية السياسية... والذي قد ينتهي بالصدريين الى الانسحاب من العملية السياسية وتجميد سرايا السلام ولو مؤقتا...

2. التصعيد، وحيث ان السيد مقتدى استنفذ جميع اساليبه السلمية، فلم يبق امامه سوى اقتحام الخضراء واسقاط الحكومة بالقوة وسحل من يريد فيها!

وهذا الخيار سيكون بمثابة انتحار سياسي للصدريين وتحولهم الى هدف سياسي وامني مكشوف.. مع ان التاخر في اتخاذ مثل هذا القرار والمماطلة فيه سيكون مكلفا للصدريين جماهيريا وسياسيا لكنه اقل كلفة امنية وفيه حقن لدماء ابناء التيار واخرين..

ان قصر النفس لدى الشخصية العراقية وبحثها عن حلول سريعة وان كانت شكلية والتململ والسخط الذي بدأ يظهر بين اهالي العاصمة بسبب الازدحامات والقطع المروري وتعطيل الحياة الاقتصادية والتكاليف التي تسببها الاعتصامات والمظاهرات على المؤسسة الامنية فضلا عن نفقاتها المالية على التيار والحكومة معا.. هذا الوضع سيخلق ضدا جماهيريا نوعيا وراي عام معارض وهو ما يراهن عليه معارضو الصدر وحيتان السياسة.. واعتقد ان الصدريين الذين تسوقهم العاطفة وهم لا يزالون من نادي الهواة في مقابل المحترفين الاخرين، وقعوا في الشراك وذهبوا الى المصيدة بارجلهم.. والثمن في كل الاحوال سيكون من قوت وعرق ودم المساكين.

وارى ان بعض القوى دفعت بالتيار الصدري نحو المواجهة فيما انسحبت هي، بل وقفت مع الطرف الآخر، فهل تريد ان تصفي التيار على يد غرمائها؟ وهل يدرك الصدريون الشراك التي وقعوا فيها ام لا يزالون مفتونون بحجم التظاهرات التي خرجت لهم ويتصورون ان السلاح الذي بيدهم كفيل بحمايتهم؟!

لا شك ان قوة التيار الصدري من قوة العراق ويمكن استثمارها لصالح عملية التنمية والاعمار السياسية والاقتصادية.. شريطة ان يرفع التيار من مستوى خطابه ويترك محاولاته في احتكار القرار والسلطة واستبدال ثقافة الزعيم الاوحد والمولى المقدس باخرى حوارية تعددية لا مقدسين فيها ولا شياطين.. فمن المعيب ان نرى كل تلك المجاملات منه للقوى الانفصالية والطائفية والعلمانية، بينما يستمر ويصر في موقف غريب بخطاب العداء للاقرب منه ومن الاسرة التي يتحدث باسمها تاريخا، وآخر خرج من رحم تياره!!

• ذكر لي صديق قريب من مراكز القرار في العراق، ان جو بايدن وخلال زيارته للعراق طمأن العبادي بأنه لن يحصل شيء!.. صديقي لا يكذب في خبره.. فهل يكذب جو بايدن في ما قاله؟!

• واعتقد ان وجود الاتجاه المالكي في اعتصام البرلمان بجانب الصدريين وجماعة علاوي التي ستنسحب بتوصية سعودية خوفا من استغلال المالكي للاعتصام، هو رسالة للاميركان بالقدرة على تسخين الصفيح.. هذا مع ان ايران وحسب مصدر مع بقاء العبادي في الفترة الراهنة حتى لو كانت تدعم التغيير.

بقلم: علاء الرضائي

108