ذكرى تفجير مسجد الإمام الصادق (ع)..

الدرس الكويتي في التعايش السلمي

الدرس الكويتي في التعايش السلمي
الخميس ١٦ يونيو ٢٠١٦ - ٠٦:٢٢ بتوقيت غرينتش

تصرف في غاية الحكمة، ذلك الذي قام به أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح، عندما افتتح شخصيا مسجد الإمام الصادق (سلام الله عليه)، وأدى فيه صلاة الظهر يوم الثلاثاء 14 حزيران يونيو، بعد الانتهاء من ترميمه، تزامناً مع الذكرى السنوية الأولى لتفجيره، فقد وجه من خلال ذلك رسالة الى العالم اجمع، مفادها ان القيادة الكويتية تنظر نظرة واحدة الى المواطنين الكويتيين بغض النظر عن انتمائهم المذهبي.

هذا التصرف الحكيم لامير الكويت، كان يستهدف سد كل المنافذ التي يمكن ان تتسلل منها الفتنة الطائفية العبثية المدمرة الى المجتمع الكويتي، كما تسللت وللاسف الشديد الى الدول العربية المحيطة بالكويت، عبر الجماعات السلفية التكفيرية، وفي غفلة او تغاض من قادتها ومسؤوليها.
كان من الواضح  ان التفجير الارهابي الذي ضرب الكويت في 26 حزيران / يونيو عام  2015 الموافق 9 رمضان 1436، كان يستهدف بالدرجة الاولى امن واستقرار هذا البلد ونموذجه الذي يميزه في التعايش السلمي، وليس كما تدعي "داعش" التي تبنت العمل الارهابي، بانه يستهدف المسلمين الشيعة في هذا البلد.
وكان واضحا جدا ان الكويت اميرا وحكومة وبرلمانا وشعبا ونخبا سياسية ودينية، تلقفوا رسالة "داعش" منذ اللحظة الاولى التي فجر بها الارهابي السعودي فهد القباع، نفسه في وسط المصلين الصائمين في مسجد الإمام الصادق(سلام الله عليه) في حي الصوابر في العاصمة الكويت، الامر الذي افشل خطة "داعش" في مهدها وخرجت الكويت مرفوعة الراس من ذلك الامتحان الصعب الذي كاد ان يدخلها في نفق مظلم.
منذ اللحظة الاولى من وقوع الانفجار الارهابي، بل بعد دقائق معدودة فقط، حضر أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح موقع الانفجار، وقال في جواب الاجهزة الامنية التي حذرته من تواجده في موقع الانفجار لاسباب امنية: "هذولا عيالي" (هؤلاء ابنائي)، فكان لوقع هذه الجملة وقع السحر، فهدأت النفوس، والقمت التكفيريين واصحاب الفتنة حجرا، وافشلت مخططهم الخبيث ضد الشعب الكويتي.
رغم ان الحدث كان جلالا، فقد استشهد ما لا يقل عن 27 شخصًا، وجرح 227 اخرين، الا ان ردود فعل الكويتيين في مقابل الانفجار، كانت بمثابة الدرس الذي قدمه الشعب الكويتي لشعوب المنطقة، في الاتحاد والوحدة والتلاحم في وقت المحن، فرغم مرور عام على الحادث الارهابي الا ان ماقام به الكويتيون حينها، مازال في الذاكرة ومنها:
- بعد اطلاق نداءات للتبرع بالدم، وفتح بنك الدم الكويتي أبوابه للمتبرعين، تم رفض العديد من المتبرعين بعد فترة قصيرة بسبب الاكتفاء.
- تم نقل مجموعة من المصابين الى عدد من المستشفيات الخاصة في الكويت لمعالجتهم مجَّانًا.
- أُقيم العزاء في مسجد الدولة الكبير، أكبر مسجد في الدولة، وهو تابع للطائفة السُنيَّة، في 27 حزيران /يونيو. حضر العزاء كل من الأمير وولي العهد ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس الوزراء السابق والوزراء وبعض أعضاء مجلس الأمة وشخصيات ذات مراتب عليا.
- شارك عشرات الالاف في تشييع الشهداء، و كان عدد من المسعفين متواجدين في مواقع التشييع في حالات الإغماء بسبب الحرارة الشديدة التي وصلت لـ45 درجة.
- تم إرسال ثمانية من الضحايا للدفن في مقبرة وادي السلام في النجف الأشرف بأوامر أميريَّة عبر طائرة حكوميّة.
- وقفات اجتماعية ورياضية وفنية واعلامية كويتية، اكدت ان الكويت كله مستهدف وليس الطائفة الشيعية.
رغم انتشار ظاهرة التكفير في الدول العربية وخاصة الخليجية، وتداعياتها التي ما تنفك تتمظهر على شكل تفجيرات واغتيالات وقتل وذبح وصلب وفوضى ودمار وخراب، الا انه بالامكان تقليص مساحة هذه الظاهرة، بل وحتى القضاء عليها نهائيا، في حال تعاملت حكومات هذه الدول مع شعوبها، دون اي تمييز طائفي، ويمكن اعتبار التعامل الراقي والحضاري والانساني والاسلامي للقيادة الكويتية مع مواطنيها، خاصة بعد تفجيرات مسجد الامام الصادق(سلام الله عليه)، درسا في غاية الاهمية في هذا المجال.

* شفقنا

2-205