اردوغان والإنقلاب وجنون العظمة

اردوغان والإنقلاب وجنون العظمة
الأحد ١٧ يوليو ٢٠١٦ - ٠٤:٣٠ بتوقيت غرينتش

هناك اتفاق شبه كامل بين جميع المحللين السياسيين على انه في حال نجحت محاولة الإطاحة بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان، لكانت مثلت أحد أكبر التحولات في منطقة الشرق الأوسط، وغيرت وجه المنطقة برمتها.

هذا الاتفاق في وجهات النظر بين مختلف المحللين السياسيين، بشأن تركيا في حال نجاح الانقلاب، يعود بالاساس الى طبيعة شخصية الرئيس التركي اردوغان وسياسته التي لم تشق صفوف حزبه اكثر من مرة فحسب، بل شقت حتى تحالفات تركيا مع حلفائها على الصعيدين الاقليمي والدولي، فهو من اكثر الشخصيات التركية اثارة للانقسام، وفي حال غيابه عن المسرح التركي، كان يمكن تصور العديد من الحلول للازمة السورية، وكذلك للازمة العراقية، الامر الذي كان يفتح افاقا رحبة امام شعوب المنطقة للعبور وبسرعة من حالة عدم الاستقرار والفوضى التي تعصف بها.
وعلى ضوء فشل الانقلاب، انقسم المراقبون للمشهد السياسي التركي الى قسمين، الاول رأى ان الانقلاب وان كان قد فشل الا انه وجه صفعة قوية لعنجهية وصلف اردوغان، والتي قد تجعله يرى الاشياء كما هي، وان يكف عن التضييق ضد معارضيه وضد الاعلام، بعد ان رأى بأم عينه كيف اصطف الجميع مع حكومته ضد الانقلاب، للدفاع عن الديمقراطية، وهذا الاصطفاف هو الذي افشل الانقلاب، اي ان "الديمقراطية" التي يحاول اردوغان منذ عام 2003 التضييق عليها وكبتها، هي التي انقذته، فالعالم اجمع شاهد وسائل الاعلام التركية كيف نقلت صورا لاردوغان وهو مختبىء في مكان مجهول، ونقلت كلمته التي دعا فيها الشعب للنزول الى الشوارع، والعالم اجمع شاهد كيف وقفت الاحزاب السياسية التي ناصبها اردوغان العداء، بوجه الانقلابيين، فهذه الصور هي التي ستجعل من اردوغان اكثر تعقلا ازاء التعامل مع القضايا الداخلية، التي كانت انعكاسا لفشل سياسته الخارجية وتدخله في شؤون سوريا والعراق ومصر والعديد من دول العالم.
اما الفريق الثاني من المراقبين للمشهد التركي، فكان متشائما جدا ازاء احتمال حصول تغيير في شخصية او سياسة اردوغان، بعد الانقلاب الفاشل، فهو يستند في تشاؤمه الى معرفته بشخصية اردوغان الاستبدادية، وكذلك الى الاخبار التي تصل من تركيا تباعا، والتي تعزز هذا التشاؤم، ومنها:
– الشروع بعملية تطهير تجاوزت الجيش وامتدت الى القضاء، فقد اتهم رئيس نقابة القضاة في تركيا مصطفى كاراداغ اردوغان بتنحية خصومه، فهو لم يلق القبض فقط على المتعاونين مع الانقلاب، بل أيضا على من ينتقدونه، ممن لا علاقة لهم بالانقلاب، فقد تم إقصاء خمسة أعضاء بالمجلس الأعلى للقضاة وبالادعاء العام، إضافة إلى أكثر من 2700 قاض.
– سعي اردوغان لاعادة العمل بعقوبة الاعدام، بهدف تنفيذها بحق كل الانقلابيين والمتورطين معهم، بعد ان اعلن في كلمة امام انصاره في اسطنبول، ان البرلمان التركى يمكن أن يبحث مسألة تطبيق عقوبة الإعدام، وشدد على أنه ليس من الضروري الحصول على تصريح بذلك من مكان ما.
– مطالبة اردوغان الولايات المتحدة تسليمه الداعية التركي المعارض فتح الله كولن المقيم في امريكا، بعد ان اتهمه بالتحريض على الانقلاب، لمحاكمته في تركيا.
-اعتبر اردوغان الانقلاب الفاشل بانه هدية من الله من اجل تطهير الجيش من ما تبقى من معارضيه، الامر الذي ينذر بحصول تصفيات واسعة في صفوف الجيش، وهو اجراء لن يكون بأي حال من الاحول محمود العواقب.
هذه الانباء وغيرها الكثير، ترجح كفة المتشائمين من حصول تغيير في شخصية او سلوك اردوغان، على الاقل على الصعيد الداخلي، حتى ان الامر وصل ببعضهم، مثل كريستيان براكيل رئيس فرع اسطنبول لمؤسسة هاينريش بول الألمانية، ان حذر من اصابة اردوغان بجنون العظمة، عندما قال: ان الانقلاب سيقوي اردوغان، الذي سيرى نفسه في خضم حالة البارانويا (جنون العظمة)، لاعتقاده بأن هناك قوى تريد إسقاطه، لذلك سيعجل باعتماد النظام الرئاسي عبر تغيير الدستور، لمواجهة هذه القوى التي تستهدفه!!.

* شفقنا