هل ترتمي انقرة باحضان موسكو اذا رفضت واشنطن تسليم غولن؟

هل ترتمي انقرة باحضان موسكو اذا رفضت واشنطن تسليم غولن؟
الخميس ٢٥ أغسطس ٢٠١٦ - ٠٦:٣٧ بتوقيت غرينتش

رأت دراسة صادرة عن مركز واشنطن أنّ التطورات الأخيرة، ومن بينها إدراك أنقرة المتزايد بأنّ حلفاءها الغربيين قد تخلوا عنها بعد الانقلاب الفاشل، فضلاً عن المحادثات المستمرة بين موسكو وواشنطن الهادفة إلى تنسيق الجهود في الحرب الأهلية في سوريا، قد استبعدت المبرر المنطقيّ للعداء بين تركيا وروسيا.

سيزداد تحسّن العلاقات بين تركيا وروسيا في هذه المرحلة، إلّا إذا تدّخلت واشنطن لمنع أردوغان من التودد إلى بوتين. وتابعت الدراسة  بأنّ الانقلاب الفاشل سيؤدّي إلى تعقيد العلاقات التركية-الأمريكية، لأنّ الكثيرين في أنقرة يشاركون الرأي القائل إنّ واشنطن تقف وراء محاولة الانقلاب لأنّ الداعية التركيّ فتح الله غولن يعيش في أمريكا.

ولفتت إلى أنّ مؤامرة الانقلاب هي على الأرجح الحدث السياسيّ الأكثر صدمةً في تركيا منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية، فقد تمّ استهداف أردوغان شخصيًا ولكنّه نجا. وبالإضافة إلى ذلك، شملت هذه المؤامرة الحزبية توجيه ضربة أساسية أخرى وهي استخفافها بمفاهيم راسخة منذ زمن بعيد عن الجيش التركي الذي يخضع للتسلسل الهرمي للسلطة وتاريخه المليء بالانقلابات البيضاء.

وبصورة منفصلة يفسّر الإدراك المتزايد لدور الولايات المتحدة في المؤامرة سبب شكوك بعض الناس في أنقرة، وللمرة الأولى في التاريخ الحديث، في عضوية تركيا في حلف الناتو ومناقشتهم عمّا إذا يتوجّب على البلاد الاتجاه نحو إقامة علاقة “صداقة” مع روسيا. ومن السهل على أردوغان، الذي لديه بالفعل بعض الدوافع للسياسات الخارجية الأوراسية، أن يحقق هذا التحوّل، وخاصة لأنّ سمعة الجيش التركي، الذي هو الصلة الأقوى بين حلف “الناتو” وأنقرة، قد تشوهت في أعقاب محاولة الانقلاب.

وأضافت الدراسة، أنّه إذا رفضت المحاكم الأمريكية  طلب أردوغان تسليم غولن، من المؤكّد أنّه سيُلقي اللوم على البيت الأبيض، مّا سيعزز تحوّل تركيا الأخير نحو روسيا.

وهنا، أكّدت الدراسة، جديرٌ بالذكر أنّ روسيا هي العدو التاريخي لتركيا، لذلك فإنّ عودتها كخصم في أواخر العام الماضي لم تقلق أردوغان فحسب بل مجمل المعنيين بالسياسة الخارجية في أنقرة. وهذا القلق، بالإضافة إلى إدراك أنقرة أنّ أيّ اتفاق روسيّ-أمريكيّ محتمل حول سوريّة قد يترك تركيا في العراء، قد دفع بأردوغان إلى بعث رسالة اعتذار إلى روسيا في 27 حزيران (يونيو). وأردفت إنّه إذا كانت تركيا تريد التدخل ضد “داعش” في سوريّة، ومنع تقدم الأكراد، وهزيمة “حزب العمال الكردستاني” في أراضيها، فقد تفعل كل ما هو ضروري لإرضاء موسكو، وربمّا حتى قطع دعمها لبعض الجماعات المتمردة المناهضة للرئيس الأسد.

وبرأيها، يَعْلم أردوغان أنّه من أجل هزيمة “الكردستاني” يجب أنْ يفصل بين روسيا والأكراد، ممّا يساعد على توضيح سعيه لتطبيع العلاقات مع بوتين، لافتةً إلى أنّ فكّ الارتباط بين روسيا والأكراد لن يسمح لأردوغان بهزيمة “الكردستاني” في تركيا فحسب بل سيقوّض أيضًا المكاسب الكردية في سوريّة. وبعد لقاء بوتين-أردوغان، أضافت الدراسة، من المحتمل أنْ يعرض بوتين على أردوغان حوافز مالية لزيادة السياحة والتجارة وصفقات البناء وخطوط الأنابيب، الأمر الذي سيُساعد الرئيس التركي على تعزيز قاعدة قوته الاقتصاديّة في بلاده. وقد قام أردوغان بالفعل برد الجميل، ربما تحسبًا لخطوة بوتين التالية، عندما أعرب خلال اللقاء دعمه لخط أنابيب مشترك بين روسيا وتركيا، الذي كان قد تأجل بناؤه بعد حادث الطائرة.

وسيكون إنعاش هذا المشروع الذي سيسمح لروسيا بتصدير الغاز بتجاوزها أوكرانيا عاملاً أساسيًا  في تجديد العلاقات التركية- الروسية.

وبحسب الدراسة، من ناحية الكرملين، كان لسياسة روسيا نحو تركيا منذ انتهاء الحرب الباردة مبدأً توجيهياً واحدًا وهو عدم إبعاد تركيا كليًا، وسعت الإستراتيجية الروسية وخاصة مع وصول بوتين إلى السلطة إلى إبقاء تركيا قريبة من موسكو وبعيدة عن حلف شمال الأطلسي، ويعلم بوتين أنّ إبعاد تركيا بصورة أكثر في هذه المرحلة سيدفعها بصورة أكبر نحو الاقتراب من “الناتو”، كما يعلم أنّ العقوبات المستمرة ضدّ أنقرة تعاقب في الواقع روسيا أكثر من تركيا. فالكثير من العملاء يرغبون بالسلع التركية الرخيصة ولكن ذات الجودة العالية، والروس كونهم يعانون من العقوبات الأوروبية والأمريكية ومن انهيار أسعار النفط، يحتاجون في النهاية إلى الحصول على الصفقات المتاحة في الأسواق التركية، أكّدت الدراسة. بالنسبة لواشنطن، لن يكون واضحًا لبعض الوقت إلى أيّ حدٍّ ستتغير العلاقات التركية- الروسية نتيجة التطورات الأخيرة التي من بينها لقاء بوتين-أردوغان. على سبيل المثال، أوضحت الدراسة، قد تقرر روسيا أنّها تحتاج إلى مساعدة “وحدات حماية الشعب” لإبقاء غرب حلب في يدّ الحكومة السورية، لذلك قد تتحرك ببطء أكثر مما تتوقعه تركيا في التخلي عن “وحدات حماية الشعب” أو”حزب الاتحاد الديمقراطي”.

وبالمثل، أضافت، قد يُواجه أردوغان ضغطًا داخليًا للتخلي عن المتمردين المناهضين للحكومة السورية الذين يقاتلون للحفاظ على شرق حلب. ومهما كانت النتيجة على المدى الطويل، شدّدّت الدراسة، سيعمل بوتين، خلال الأيام المقبلة، على إغراء تركيا بمبادرات مثل رفع العقوبات، بالإضافة إلى ذلك، يستطيع بوتين مساعدة تركيا بنفوذه السياسي في جمهوريات آسيا الوسطى، حيث تتواجد شبكات غولن الأقدم والأقوى خارج تركيا، من خلال تضييق الخناق على المؤسسات التابعة لغولن، وهي رغبة أردوغان الأساسية من جميع نظرائه.

ومثل هذه المبادرات، خلُصت الدراسة إلى القول، فضلاً عن إمكانية فشل واشنطن في إقناع أنقرة أنّ طلبها في تسليم غولن يقتضي مراجعة دقيقة، يمكن أنْ تدفع أردوغان بشكلٍ أكبرٍ نحو روسيا، على حدّ تعبيرها.

المصدر: الراي اليوم

2-113