تقديرات تل أبيب الجديدة: صواريخ حزب الله وصلت إلى 230 ألفا

تقديرات تل أبيب الجديدة: صواريخ حزب الله وصلت إلى 230 ألفا
السبت ١٧ سبتمبر ٢٠١٦ - ٠٥:٣٩ بتوقيت غرينتش

لا يُخفى على أحدٍ أنّ الماكينة الإعلاميّة الاسرائيلية، التي تعزف وفق أوامر الجيش، تعمل على مدار الساعة من أجل طمأنة المستوطنين في الكيان الاسرائيلي من المُواجهة القادمة مع حزب الله، وذلك كجزء من استخلاص العبر من حرب لبنان الثانية، كما تعمل "إسرائيل" على إعداد جمهورها للتسليم بحقيقة أنّ أيّ مواجهة عسكرية لاحقة ستشهد تعرّض الجبهة الداخلية للقصف الصاروخيّ.

وأمس ليلاً، عرضت القناة الثانية بالتلفزيون الاسرائيلي تقريرًا مُطوّلاً تناول مناورة الجبهة الداخلية الإسرائيليّة، التي استبدلت القيادة العسكرية في تل أبيب عنوانها، من “نقطة تحول” إلى “صمود راسخ”، في سياق توالي الانتصارات الميدانية التي حققها محور المقاومة في سوريّة، وترددت أصداؤها بقوة في تل أبيب، التي رأت فيها مؤشرًا على ارتفاع منسوب الخطر الذي يهدّد أمنها القومي.

وكانت تل أبيب تراهن على أن الأحداث في سوريّة ستكفيها عن مواصلة هذا الزخم في التطوير ورفع مستوى الاستعداد والجاهزية، من خلال إسقاط النظام السوري وتطويق حزب الله ومحاولة شطبه من المعادلة الداخلية والإقليمية. لكنّ هذه الرهانات تبخرّت، كما اعترف قبل أيام رئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، آفي ديختر، الذي أقرّ بأنّ الاستخبارات الإسرائيليّة فشلت في تقديراتها إزاء إسقاط الرئيس الأسد، كما فشلت الاستخبارات الغربية والعربية.

وتمهيدًا للمناورة، كشفت "إسرائيل" عن جملة من المعطيات التي تلخص سيناريو المحاكاة المفترض، ومن ضمنها: نشوب حرب متعددة الجبهات، مع لبنان والجولان وإيران وغزة. وتفترض المناورة أنّ واحدًا بالمائة فقط من الصواريخ التي سيتم إطلاقها إلى العمق الإسرائيليّ ستصيب بشكل مباشر مناطق مأهولة.

ولفت التلفزيون الاسرائيلي إلى أنّ هناك حوالي 230 ألف صاروخ، موزعة على كل المديات والأنواع، موجهة إلى "إسرائيل"، مُشدّدّةً على أنّ الحزب سيُطلق يوميًا حوالي 1500 صاروخ باتجاه العمق الإسرائيليّ.

وبحسب الترويج الإعلاميّ الإسرائيليّ، فإنّ سيناريو المناورة يفترض أيضًا، كحدّ أقصى، سقوط حوالي 350 إلى 400 قتيل إسرائيلي في هذه الحرب المتعددة الجبهات.

وأضاف التلفزيون أنّ "إسرائيل" ستتعرض في الحرب المقبلة لعمليات توغل من قبل قوات خاصة تابعة لحزب الله بالقرب من الحدود. ولفتت إلى أنّ حزب الله يملك مئات الطائرات من دون طيار، وأغلبها هجومية وصناعة إيرانية، وتم إيكال مهمة التصدي لها إلى سلاح الجو الإسرائيلي.

كذلك سيتم تشغيل منظومات الإنذار المبكر، والعمل على تقليص أعداد الذين سيتم إخلاؤهم إلى حوالي 750 ألف شخص. لكنّ الأهّم في كلّ هذه المناورة، أنّها حرصت على اعتماد فرضية تقوم على أقل عدد ممكن من الإصابات، بالقياس إلى حجم المعركة، وأقل عدد من الصواريخ التي تصيب أهدافها، إضافة إلى أقل عمق للتوغل البري.

وفي المقابل، تجاهلت القيادة الإسرائيلية، عمدًا، وبهدف الطمأنة الداخلية، السيناريو الأكثر معقولية من ناحية القدرة على التحقق. ويستند هذا السيناريو إلى التقديرات الإسرائيلية الراسخة والمعلن عنها تباعًا في السنوات الماضية، بأنْ يتمكن حزب الله، تحديدًا، من استهداف مئات الأهداف العسكرية والإستراتيجية في العمق الإسرائيليّ، خصوصًا وأنّ كبار قادة الجيش الإسرائيليّ صرّحوا بأنّ منظومات الدفاع مُعدّة لإسقاط الصواريخ القادمة إلى الأماكن الحساسّة والقواعد العسكريّة، علمًا بأنّه، بحسب الاعتراف الإسرائيليّ الرسميّ، باتت كلّ بقعة في الكيان الصهيوني في مرمى صواريخ حزب الله، بما في ذلك مطار بن غوريون الدوليّ والفرن الذريّ في ديمونا.

وعلى خط مواز للدعاية الموجهة، لا تستطيع "إسرائيل" أنْ تتجاهل حقيقة أنّ هذا النوع من المناورات، والترويج الإعلامي لها، ينطويان على إقرار رسمي ومباشر بأنّ الجبهة الداخلية باتت جزءً لا يتجزأ من جبهات القتال، في أي مواجهة عسكرية، وهو ما أشار إليه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، في خطاب الذكرى السنوية العاشرة لحرب عام 2006، بالقول إنّ العقيدة العسكرية الإسرائيلية التي كانت تعتمد على أنّ الجيش يقاتل في أرض العدو وعلى الحدود، والجبهة الداخلية هانئة وناعمة وتسبح على شاطئ البحر، هذا انتهى.

ولا تخفي "إسرائيل" حقيقة أنّ هذا التحول في المفهوم العملاني والاستراتيجي، وتحوّله إلى فرضية في كل خطط الجيش ومناوراته، تبلور في ضوء نتائج حرب 2006، وتداعت مفاعيله وانعكاساته على القرار السياسي. بالإضافة إلى ذلك، تتعارض الرسالة الإعلامية الإسرائيلية، التي حاولت الإيحاء كما لو أنّ السلاح الصاروخي محدود التأثير في الجبهة الداخلية، مع الأداء العملاني الإسرائيلي المنضبط جدًا في مواجهة حزب الله تحديدًا. وأكثر ما يبرز هذا التعارض في معادلة الردع المتبادل الذي وفَّر للحزب وحلفائه هامشًا واسعًا لمواصلة بناء قدراته العسكرية والصاروخية وتطويرها، وفي المواجهة التي يخوضها مع الجماعات المسلحة والإرهابية في سوريّة ولبنان.

علاوة على ذلك، يتعارض سيناريو المناورة مع ما أقرّ به قائد لواء الشمال في الجبهة الداخلية، العقيد عيران مكوف، كما نشر موقع صحيفة “معاريف”، بأنّ الحرب المقبلة مع حزب الله ستكون قاسية جدًا على الجبهة الشمالية وعلى الداخل، مُشيرًا إلى أنّ لدى حزب الله أكثر من مائة ألف صاروخ من مختلف المديات، وهو ما يعني أنّه لا توجد في "إسرائيل" منطقة آمنة. وبالرغم من رسائل الطمأنة الإسرائيليّة إلى المستوطنين، فإنّ صنّاع القرار في تل أبيب على علمٍ وعلى دراية راسختين، بأنّ تحييد الجبهة الداخليّة من المُواجهة بات أمرًا في عداد المُستحيل، وبالتالي، فإنّ المستوطنين الإسرائيليين، التي لا تنطلي عليهم “أكاذيب” المؤسسة العسكريّة والأمنيّة يعيش في حالةٍ من الخوف، الهلع، والتوجّس.

زهير أندراوس - الناصرة - رأي اليوم.. بتصرف

2-1