ما معنى أن تكون حسينياً؟

ما معنى أن تكون حسينياً؟
السبت ٠٨ أكتوبر ٢٠١٦ - ٠١:٤٧ بتوقيت غرينتش

“لماذا كل هذا الاصرار على التمسك بنهج الامام الحسين (ع) من قبل اتباع اهل البيت (ع)؟"، سؤال قديم بقدم تاريخ الاسلام، واجاب عليه كبار علماء الامة، والقاسم المشترك لجميع تلك الاجوبة، هو ان نهج الحسين (ع) هو النهج الاسلامي الاصيل، وهو نهج سيد الخلق محمد بن عبدالله (ص)، ونهج امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع)، وهو النهج الذي جسد مبادىء وقيم الاسلام افضل تجسيد، لذا فأي انحراف عن هذا النهج، سيؤدي الى الابتعاد عن الاهداف التي وضعها الاسلام للمسلم، وهي العيش بعزة وكرامة.

كل واحد منا قرأ او سمع جانبا من هذه الاجوبة وهي اجوبة كانت مقنعة “لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد”، ولكن للاسف الشديد، لم يتوفر العديد من الناس على هذا القلب او على القدرة على السمع، فمازال يطرح هذا السؤال وباصرار الناكر لكل الاجوبة العقلية والمنطقية التي قدمها علماء الامة بهذا الشأن، فإن كان يصف الشعائر الحسينية بالممارسات “الشركية”، او اذا كان اكثر اعتدالا سيصفها بانها ممارسات لا طائل من ورائها، فملحمة كربلاء، ماهي الا تاريخ مضى وانقضى، لا فائدة من التاكيد عليها بهذا الشكل الذي نراه اليوم في العديد من دول العالم، حتى في اوروبا واميركا واستراليا.

بدورنا سننظر الى هذا السؤال نظرة عصرية، لذلك سنجيب عليه اجابة عصرية، دون ان نعيد تلك الاجابات القديمة رغم صحتها وعقلانيتها، التي لم تقنع هذا البعض الذي مازال يصر على عدم فهمه للاجابة او الاجابات تلك، ونقول ان ما نشاهده اليوم على الصعيدين العربي والاسلامي، يكشف لنا صوابية التمسك بالنهج الحسيني والشعائر الحسينية التي خلدت هذا النهج في عقول وقلوب اتباع اهل البيت عليهم السلام وقطاعات واسعة من المسلمين السنة.

بدون اي مبالغة يمكننا القول ان اغلب تجليات الرفض الشعبي للاحتلال الصهيوني لفلسطين، وكذلك تجليات الرفض للهيمنة الامركية، ولكل هيمنة غربية تستهدف الشعوب العربية والاسلامية وثرواتهم، وكذلك تجليات الرفض للفتن الطائفية التي تنفخ فيها “اسرائيل” واميركا في منطقتنا العربية الاسلامية، كانت لها جذور في ثقافة الرفض الحسيني للظلم والاستبداد والاستعباد والتبعية، ومن اكثر هذه التجليات سطوعا هي ظهور حزب الله، المقاومة الاسلامية التي اذلت اشرس واخطر عدو عرفته الامتان العربية والاسلامية منذ الحروب الصليبية ولحد اليوم، واصبح هذا الحزب رمزا لكل الشعوب العربية والاسلامية الرافضة للصهيونية والاستكبار العالمي.

هذا التجلي ظهر واضحا ايضا بين العراقيين، الذي طعنوهم اشقاؤهم من الخلف واغرقوهم  بالفتن والفوضى والحروب، الا انهم  رغم كل ذلك يرفضون تطبيع علاقاتهم مع “اسرائيل”، رغم كل الضغوط الاميركية ورغم خذلان الاشقاء، وسبب هذا الرفض يعود الى تمسك اهل العراق بنهج الامام الحسين (ع)، وهو نهج لا يمكن ان يطبع يوما مع كيان غاصب لاقدس مقدسات العرب والمسلمين.

اما ايران، التي خرجت ثورتها من رحم ملحمة كربلاء وثورة الحسين عليه السلام، فكانت ومازالت شوكة في عيون “اسرائيل” واميركا، ودفعت ومازالت تدفع من اجل دعم ومساعدة الشعب الفلسطيني، لاسيما مقاومته البطلة، اثمانا باهظة ، فقد فُرض عليها حظرا شاملا طال حتى الدواء، ومورست ضدها على مدى عقود شتى انواع الضغوط، حتى وصل الامر بـ”اسرائيل” واميركا ان هددتا بقصف الجمهورية الاسلامية في ايران، بالقنابل النووية، الا انها صمدت وقاومت كل تلك الضغوط التهديدات، انطلاقا من تعاليم مدرسة الحسين (ع)، الداعية الى مقارعة الظالمين، ومساعدة المظلومين.

هذه التجليات ظهرت ايضا في اليمن وسوريا ونيجيريا، ودفع ومازال يدفع اتباع اهل البيت عليهم السلام في هذه الدول، ثمنا غاليا من امنهم واستقرارهم وحياتهم بسبب دفاعهم عن الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، ولمناهضتهم لـ”اسرائيل” واميركا، وما الحرب المفروضة على الشعبين اليمني والسوري الا بسبب وفائهما للقضية الفلسطينية ولمقارعتهما للقوى التي تقف وراء الصهيونية. اما اتباع اهل البيت في نيجيريا، فتعرضوا لمختلف صنوف التعذيب والقتل، لخروجهم في مسيرات يوم القدس العالمي، دفاعا عن فلسطين ورفضا للصهيونية وجرائمها بحق الشعب الفلسطيني، فكان جزاؤهم ان ارتكب الجيش النيجيري مجزرة بحقهم راح ضحيتها اكثر من الف من اتباع اهل البيت عليهم السلام، ودفنوا في مقبرة جماعية، ومازال مصير العلامة الشيخ ابراهيم الزكزكي مجهولا هو وزوجته بعد قتل اولاده الاربعة.

في المقابل لنرى الفريق الاخر، الذي يجاهر بعدائه لاتباع اهل البيت عليهم السلام، ولثورة الحسين (ع) ولملحمة كربلاء، والذي يعتبر ثورة الحسين (ع)، ماهي الا تمردا وعصيانا ضد الحاكم الاسلامي الشرعي (يزيد)، وانه، اي الحسين، “قُتل بسيف جده” لانه خرج على امام زمانه (يزيد)، ولم يترك هذا الفريق بذيئة الا والصقها باتباع اهل البيت (ع)، والتي تخرج عن كل حدود الاخلاق، هذا الفريق نرى تجلياته، في محور الانبطاح امام “الاسرائيلي” والاميركي، ونراه في التطبيع مع “اسرائيل” واستجدائه للعلاقة معها، ونراه في ذيليته لاميركا والغرب، وفي صناعته لكل الجماعات التكفيرية التي شوهت صورة الاسلام والمسلمين بفظائعها التي يندى لها جبين الانسانية، وفي اصراره على الخطاب الطائفي الكريه الذي لا يخدم سوى “اسرائيل” والغرب واميركا، وفي تحوله الى مطية للمخططات الاميركية و”الاسرائيلية” الهادفة لتدمير البلدان العربية كما يحدث الان في العراق وسوريا واليمن وليبيا والصومال وباكستان وافغانستان، وفي التفجيرات العبثية التي تستهدف المواطنين الاوروبيين في مدن اوروبا للامعان في تشويه صورة المسلمين امام الغرب الذي بدا يعادي الجاليات الاسلامية الموجوده في ربوعه بدون ان تقترف ذنبا.

ان ما تمخض لحد الان من نتائج عن الصراع الدائر بين فريق يحمل شعار الحسين (ع) المناهض للظلم والظالمين، وبين فريق يرفض فلسفة عاشوراء وثورة الحسين (ع) جملة وتفصيلا، يؤكد صوابية الاصرار على التمسك بنهج الحسين (ع) وبالشعائر الحسينية التي تكثف معنى هذا النهج، ولا يحتاج المرء للكثير من الذكاء ليجسد حال العرب والمسلمين، في حال خلت الساحة من السائرين على نهج الامام الحسين (ع)، عندها فقط سنعرف ما معنى ان تكون حسينيا.

المصدر: شفقنا

109-3