أفغنة الأزمة السورية.. النصرة و"داعش" بدلا من طالبان والقاعدة

أفغنة الأزمة السورية.. النصرة و
الخميس ١٣ أكتوبر ٢٠١٦ - ٠٧:٢١ بتوقيت غرينتش

في 8 أكتوبر/ تشرين الأول تبادلت روسيا من جانب، والولايات المتحدة وحلفاؤها من جانب آخر، تعطيل مشروعي قرار تم طرحهما بمجلس الأمن من قبل الطرفين حول مدينة حلب والمساعدات الإنسانية.

وفي نفس ذلك اليوم، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن إرهابيي "داعش" استهدفوا مروحية روسية تنقل مساعدات إنسانية بمنظومات دفاع جوي محمولة في محافظة حماة السورية. وأوضحت الوزارة أن المروحية من طراز "مي ٨" كان يرافقها ضباط من القاعدة الروسية في حميميم. غير أن المهم هنا أن الجانب الروسي أعلن أن "الدواعش" أوصلوا، في 6 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، من أراضي العراق، منظومتين محمولتين للدفاع الجوي لتوفير الغطاء الجوي لما يسمى بـ "الفصائل المسلحة" المتواجدة في ريف حماة، التي تسعى إلى فرض السيطرة على طريق حلب.

في 3 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، تعرَّض مبنى السفارة الروسية في دمشق للقصف بقذائف الهاون. وحسب المعلومات المتوافرة، فقد تم تنفيذ القصف من حي جوبر الخاضع لسيطرة فصائل "جبهة فتح الشام" (النصرة سابقا) و"فيلق الرحمن"، وانفجرت إحدى القذائف في حرم السفارة قرب المجمع السكني، فيما انفجرت قذيفتان قرب مبنى السفارة، دون إصابات. ومن جانبها، قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها في مجلس الأمن الدولي، في 4 أكتوبر الحالي بتعطيل بيان يدين استهداف السفارة الروسية من قبل الإرهابيين المنتشرين في حي جوبر والغوطة الشرقية. واعتبرت موسكو أن ذلك جاء بنتيجة تصرفات الولايات المتحدة وبعض حلفائها، الذين يؤججون باستمرار النزاع الدموي في سوريا "بمغازلتهم الإرهابيين والمتطرفين من مختلف الأطياف". بل وذهبت موسكو إلى أن هذا القصف ما هو إلا مقدمة لتنفيذ تهديدات الولايات المتحدة بشأن إمكانية تعرض روسيا لضربات في سوريا.

الكثير من الأحداث، إن لم يكن كلها تقريبا، يشير إلى أن الترحيب الأمريكي – الأوروأطلسي بالوجود العسكري الروسي في سوريا لم يكن من قبيل المصادفة. فبداية من قيام القوات الجوية التركية بإسقاط المقاتلة الروسية في نهاية عام 2015، إلى ضرب القوات الأمريكية مواقع للجيش السوري في دير الزور، وتهديد الولايات المتحدة روسيا بإمكانية تعرض، ليس فقط جنودها وطيرانها في سوريا إلى ضربات عسكرية، بل وأيضا مدنها الداخلية، وإرسال 3 طرادات حربية روسية إلى البحر المتوسط مع منظومات صواريخ (إس – 300)، ومصادقة البرلمان الروسي على نشر قوات جوية في سوريا بشكل دائم.. كل ذلك يذكرنا ببدايات حرب أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي.

هذه المقارنة ليست ميكانيكية أو تقليدية، بمعنى أن الخطوط العريضة لسيناريو أفغنة سوريا تسير تقريبا على نفس النسق. وربما نتذكر التقارير التي أشارت إلى قيام الولايات المتحدة بدعم ليس فقط ما يسمى بـ "المعارضة المعتدلة"، بل وفتح قنوات مع التيارات والقوى الدينية اليمينية المتطرفة التي تحمل السلاح في سوريا وغيرها من الدول الأخرى. غير أن الخطير هنا، هو أن كل المؤشرات تشير إلى إصرار واشنطن على إبقاء الأوضاع كما هي عليه بالنسبة لتنظيم "داعش" الإرهابي، على الرغم من اعترافها وتاكيدها بأن هذا التنظيم إرهابي. بمعنى أن واشنطن وحلفاءها يوزعون الأدوار في التعامل مع "المعارضة المعتدلة" و"جبهة النصرة" و"داعش". ومن حيث المبدأ لا تمانع الولايات المتحدة ودول كثيرة أوروبية وعربية أن تنشأ دولة ما لهذه "التشكيلات" التي باتت تحتاج إلى تعريفات حقيقية في الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أقر بأن الولايات المتحدة لا تقوم بمواجهة جبهة النصرة وذلك بهدف استخدامها فيما بعد. وحذَّر من "اللعب" مع الإرهاب لأنه غير محمود العواقب. وبالتالي، يتضمن كلام لافروف الفكرة الأساسية لما يجري، وللسيناريوهات المقبلة للولايات المتحدة وحلفائها.

المواجهة الحالية في سوريا وحولها يتكرر فيها الكثير من عناصر الحرب الأفغانية. ولا شك أننا نرى الآن سيناريو دعم "النصرة" والتنظيمات والجماعات الدينية ليس فقط ضد القوات الحكومية السورية، بل وأيضا لتهديد مصالح روسيا، والاعتداء على قواتها الموجودة في سوريا. وهذا تقريبا ما حدث في نهاية سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن الماضي، عندما بدأت حرب "الجهاد المقدس ضد الكفار والملحدين السوفيت" بدعم مباشر وواسع النطاق من جانب الغرب والدول العربية والإسلامية للتنظيمات الدينية المتطرفة ضد الاتحاد السوفيتي. ومن الواضح أن المسألة تتكرر الآن في سوريا مع اختلاف بعض التفاصيل. إذ أن الولايات المتحدة وحلفاءها العرب والأوروبيين يحافظون على شعرة معاوية مع "جبهة النصرة" وبقية التنظيمات والمجموعات الدينية اليمينية المتطرفة من جهة، ويدعمون المعارضة المسلحة والجيش السوري الحر بشكل مباشر وواسع النطاق.

على الجانب الآخر، تواصل الولايات المتحدة الحشد الدولي والإقليمي لمواجهة روسيا في سوريا. وعلى الرغم من التوقعات الكثيرة بإمكانية وقوع احتكاكات مباشرة بين روسيا والولايات المتحدة في سوريا، إلا أن الوقت لا يزال مبكرا على وقوع ذلك. وقد يحدث بطرق مختلفة، من بينها السيناريو الأفغاني، بعد أن اجتمعت 5 دول كبرى في وزارة الخارجية الألمانية، يوم 5 أكتوبر الحالي، لصياغة "شروطها" من أجل ما أسمته بالتعاون مع روسيا في سوريا. وفي الحقيقة، لا يوجد أي تعاون، لأن وزير الخارجية الفرنسي جاء إلى موسكو في اليوم التالي لإجراء مباحثات مع نظيره الروسي. ولكن لا نتائج. وبعدها بيومين تأكدت كل التوقعات عندما صممت فرنسا على طرح مشروعها بشأن سوريا، على الرغم من أن موسكو دعت باريس بأن تأخذ الملاحظات الروسية على هذا المشروع بعين الاعتبار.

إن روسيا تكثِّف من وجودها ونشر قواتها في سوريا، بينما تتواجد قوات التحالف الأمريكي في المنطقة بقوة، سواء في تركيا الأطلسية أو في العراق أو في القواعد الأمريكية في الخليج (الفارسي). هذا إضافة إلى تواجد القوات التركية في كل من سوريا والعراق. وهناك أيضا محاولات أمريكية لترطيب الأجواء في أفغانستان بين الحكومة وطالبان، وضغوط أمريكية على دول إقليمية من أجل إجبارها ربما على ممارسة نفس أدوارها في حرب أفغانستان. ومع التحولات والتطورات الأخيرة، وبعد تعرض السفارة الروسية في دمشق للقصف، والمروحية الروسية أيضا للإسقاط، والدعم الغربي – الإقليمي للمعارضة، والحفاظ على شعرة معاوية مع التنظيمات الإرهابية، فإن المؤشرات تتجه نحو مواجهات من نوع آخر تذكِّرنا بجانب ملموس للحرب في أفغانستان في ثمانينيات القرن العشرين. فهل فعلا يمكن أن تكون النصرة وداعش معادلا تاريخيا لطالبان والقاعدة؟ وهل يمكن أن ينجر بعض الدول الإقليمية إلى نفس اللعبة الأفغانية السابقة، ثم ينقلب السحر على الساحر، لتتكرر مآسي مشابهة لمأساة 11 سبتمبر/ أيلول.

2001؟!

* شفقنا

2-205