"الروح السورية" هي من كتب بيان "استانة"

الأربعاء ٢٥ يناير ٢٠١٧ - ٠٧:٥٥ بتوقيت غرينتش

فرضت الروح السورية، بعمقها الحضاري والثقافي الضارب في اعماق التاريخ، نفسها اخيرا على كل المشاركين في مؤتمر “استانة”، كما ظهر جليا في بنود البيان الختامي للمؤتمر، التي اكدت احداها “على الالتزام بسيادة واستقلال ووحدة أراضي الجمهورية العربية السورية وبكونها دولة متعددة الأعراق والأديان وغير طائفية وديمقراطية”، وهو ما يتناقض كليا مع ما ارادته الجماعات المسلحة وفي مقدمتها التكفيرية، ومن ورائها الدول الراعية لها.

العالم - سوريا

لما كانت “الروح السورية” روحا انسانية سامية، غذت الحضارة العالمية بالفكر والثقافة والقيم الانسانية الراقية على مدى الاف السنين، فانها تتنافى وتتنافر قطعا مع كل القيم السلبية مثل الانعزال والتقوقع والانانية والعبثية، ونوازع الشر كالتدمير والتكفير، وهو ما انعكس في ثنايا البيان الختامي الذي دعا الى “عزل الإرهابيين عن المعارضة السورية”، واكد على انه “لا حل عسكريا للأزمة السورية التي يجب تسويتها بالوسائل السياسية”، فالارهاب والتكفير لم يكونا يوما “خيارا” لمجموعة سياسية تدعي “التغيير”، كما لم يكن السلاح بديلا عن “الحوار” للوصول الى “تفاهم”، فالسلاح عادة ما يعقد ابسط القضايا السياسية، ويحول “سوء الفهم” الى “ازمة”، ويمد بعمر “الازمة” ويحولها الى “كارثة”، ويكلف المجتمع اثمانا باهظة.

ليس هناك من ينكر ان جذور الازمة التي تعيشها سوريا منذ 6 سنوات كانت موجوده في الارض السورية، الا انه كان بالامكان قلع هذه الجذور عبر تجفيف المنابع التي تغذيها، من خلال جهد سوري داخلي تشارك فيه الحكومة والمعارضة على السواء، الا انه وللاسف الشديد، تم تغذية هذه الجذور من الخارج عبر شن حرب نفسية شرسة على الشعب السوري، وشحن عشرات الالاف من الارهابيين والتكفيريين الى سوريا، ومدهم بالمال والسلاح، فكانت النتيجة حربا شعواء فرضت على سوريا شاركت فيها عشرات الدول، ظاهرها “الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الانسان”، وباطنها تفتيت سوريا وتشريد شعبها.

اليوم وبعد مؤتمر استانة، الذي جاء بعد تحرير مدينة حلب من الجماعات المسلحة، بات الجميع امام حقيقة اكيدة، تتناغم و “الروح السورية”، وهي ان لا خيار امام السوريين للخروج من “ازمتهم ” سوى محاربة الارهاب التكفيري الذي صُدّر اليهم داخل عقول فارغة ونفوس مريضة، وهذا الذي كان، فقد اكد بيان استانة على فصل “التنظيمات المسلحة المعارضة ” عن “داعش” و “النصرة” كمرحلة اولى، ومن ثم تنخرط هذه “التنظيمات” لتقاتل “داعش” و “النصرة” الى جانب الجيش السوري كمرحلة ثانية.

البيان الختامي لمؤتمر “استانة” وقعته ايران وروسيا وتركيا، بوصفها الجهات التي رعت المؤتمر والضامنة لتطبيق بنوده، وفي مقدمتها تثبيت وقف اطلاق النار، وفصل الجماعات الارهابية التكفيرية عن “الجماعات المسلحة” الاخرى، واطلاق عملية المفاوضات بين الحكومة و “الجماعات المسلحة” برعاية الامم المتحدة، وهي بنود في حال الالتزام بها ستضع سوريا على طريق الخلاص.

صحيح ان “استانة” بعيدة جغرافيا عن سوريا، الا ان “الروح السورية” كانت تحوم في اجوائها، وصحيح ان هناك هوة كبيرة تفصل بين المتفاوضين السوريين، حكومة و “جماعات مسلحة” ، الا ان “الروح السورية” كانت حاضرة بتأثيرها، وصحيح ان  ايران وروسيا وتركيا، هي من وقعت على البيان الختامي للمؤتمر، الا ان “الروح السورية” هي من انتصر ببنوده، فكانت كمن رعت المؤتمر، ومن فاوض ومن كتب البيان الختامي.

ماجد حاتمي - شفقنا

109-4