التاريخ يعيد نفسه.. هكذا خططت واشنطن لإسقاط "الأسدين"

التاريخ يعيد نفسه.. هكذا خططت واشنطن لإسقاط
الخميس ١٦ فبراير ٢٠١٧ - ٠٥:٤٨ بتوقيت غرينتش

ما بين آذار ونيسان عام 1986، شهدت سوريا موجة تفجيرات بواسطة سيارات مفخخة في العاصمة دمشق وأنحاء متفرقة من البلاد. آنذاك، وجهت الحكومة السورية أصابع الاتهام إلى موالين لحزب البعث العراقي

العالم - العالم الاسلامي

في تلك الحقبة من الزمن، يروي الكاتب البريطاني باتريك سيل أن سوريا كانت تعاني من عزلة دولية غير مسبوقة عقب إخماد تمرد جماعة "الإخوان المسلمين" عام 1982 وتصاعد عداء النظام العراقي، بالتوازي مع الأحداث اللبنانية التي شكلت مسرحاً إقليميًا ودولياً مفتوحاً أرادت منه أطراف عديدة كسر شوكة سوريا.

بعد أشهر قليلة على موجة التفجيرات، أعدّ مركز تابع لقسم القضايا الاقليمية في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي أي إيه" وثيقة تم تصنيفها على أنها بالغة السرية تحت عنوان "سوريا: سيناريوهات تغيير سياسي دراماتيكي".

وهي واحدةٌ من 900 ألف وثيقة رفعت وكالة الاستخبارات المركزية السرية عنها ونشرتها أخيراً على موقعها على الانترنت.

تم توزيع الوثيقة الصادرة في الثلاثين من شهر تموز/يوليو من عام 1986 على مجموعة من الوكالات الحكومية والشخصيات البارزة في إدارة الرئيس الأسبق رونالد ريغان، من بينهم دينيس روس وريتشارد مورفي اللذين كانا يشغلان مناصب حكومية في الخارجية وقتها، فضلا عن السفير الأميركي في دمشق وجهات منتقاة بعناية لأن مضمون الوثيقة قابل لسوء التفسير.

في مستهلها، تذكر الوثيقة بوضوح أن الهدف منها فحص السيناريوهات البديلة للانقلاب على الرئيس الراحل حافظ الأسد، قبل أن تخوض في وصف مكونات المجتمع السوري المذهبية والطائفية لتخلص إلى رسم سيناريو دموي تتقاتل فيه المذاهب والطوائف وتنشق فيه قيادات ومجموعات كبيرة من الجيش السوري وتشكل فيه جماعة الإخوان المسلمين رأس الحربة ضد النظام عبر مجموعات عسكرية مدربة تقود الحراك ضد الأسد.

وفي حين تقارب الوثيقة موقف الاحتلال الاسرائيلي والاتحاد السوفياتي السابق ولبنان من سيناريو الحرب السورية، فإنها تلخص المصلحة الأميركية من أحداث السيناريو بوصول "نظام سني يقوده رجال أعمال معتدلون"، بحسب تعبير الوثيقة، التي ترى في هكذا نظام فرصةُ لعلاقات قوية مع الحكومات الغربية.

ويتناول السيناريو الأميركي في 25 صفحة، مواقف كل الأطراف المعنية بالانقلاب المزعوم في سوريا آنذاك، حيث اعتبرت واشنطن أن نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين سيشكل محور دعم لزعزعة استقرار حكم الأسد الأب، بالتزامن مع رهان واضح على انشقاقات واسعة في الجيش السوري.

وبعد كل سيناريو تضعه الوثيقة الرسمية الأميركية للإطاحة بالأسد، تذكر مجموعة مؤشرات للأخذ بعين الاعتبار.

فعندما تطرح إمكانية استلام رفعت الأسد الحكم، تتحدث عن أعدائه الكثيرين في النظام، وفي مقدمهم رئيس شعبة المخابرات العسكرية الاسبق علي دوبا لتخلص إلى أن البديل عن رفعت سيكون مجموعة من الضباط العلويين؛ النتيجة التي لا تعلق عليها الوثيقة بشكل مباشر لتنتقل إلى سيناريو أخر يعتمد على العامل الإسرائيلي.

في السيناريو الإسرائيلي، تزداد الضغوط السياسية في تل أبيب لوضع حدٍ للتسلح السوري وانتشار قواته في لبنان، فيوجه جيش الاحتلال ضربة للجيش السوري انطلاقًا من الجولان، بالتزامن مع ارتفاع الخسائر السورية في لبنان. هذا السيناريو يستوجب بحسب التقديرات الأميركية اندلاع تظاهرات داخل سوريا وارتفاع أصوات معترضة في الجيش السوري على سياسة النظام ودوره في لبنان فضلًا عن هزيمته المفترضة في مواجهة الكيان الإسرائيلي. مرةً أخرى نتيجة هذا السيناريو ليست حاسمة، إذ سيقوم الأسد بطرد الضباط المعارضين لسياساته

السيناريو الثالث يعتمد على الفتنة الداخلية من خلال تسيير تظاهرات احتجاجا على سياسة التمييز ضد المسلمين السنّة، بحسب تعبير الوثيقة الحكومية الأميركية.

وبعد مدّ النظام العراقي للمعارضين بالسلاح، تدخل سوريا في دوامة من العنف والتفجيرات في مناطق السنّة والعلويين، وتؤدي الحرب الأهلية إلى انشقاق مجموعات واسعة من الجيش والانضمام إلى الجماعات المعارضة المسلحة.

تقدّر الوثيقة الصادرة قبل ثلاثة عقود من الحرب السورية، بأن الرهان على جماعات المعارضة المسلحة سيصطدم بـمشاكل تنظيمية، لكنها تراهن بشكل واضح ومباشر على استفزاز جنود وضباط في الجيش على طريق الدفع نحو حرب أهلية، سرعان ما تتطور لتشهد انخراطًأ إقليميا عبر تدفق المقاتلين والأسلحة عبر الحدود من الدول المجاورة.

التدقيق في وثيقة الاستخبارات المركزية أعلاه حول سوريا في العام 1986 يلحظ بسرعة تشابه أنماط التفكير الأميركي السابقة والحالية.

في وثيقة مشابهة صادرة في كانون الأول من العام 2006 من السفارة الأميركية في دمشق وموجهة إلى عدة اجهزة ومؤسسات أميركية (من بينها السفارة الأميركية لدى الكيان الاسرائيلي)، تخضع الفسيفساء السورية للتحليل بهدف اكتشاف نقاط الضعف واستغلالها، ولكن هذه المرة مع وجود عامل اضافي يتمثل في اللعب على المخاوف السنية من التأثير الإيراني في سوريا.

وكالوثيقة السابقة الصادرة عام 1986، تدعو وثيقة "ويكيليكس" الصادرة عام 2006 إلى تعزيز الشائعات ونظرية المؤامرة، من خلال تشجيع الحلفاء الاقليميين كمصر والسعودية للقاء شخصيات كعبد الحليم خدام ورفعت الأسد وإرسال إشارات مع تسريب مناسب لهذه اللقاءات لاحقا"، بهدف إثارة مخاوف النظام السوري وزيادة ردات فعله.

تجدر الإشارة إلى أن خدّام ورفعت الأسد مذكوران بوضوح في وثيقة العام 1986 على أنهما لاعبان أساسيان في مستقبل سوريا والصراع على السلطة.
على أن سيناريو وثيقة الاستخبارات المركزية، أي الوثيقة الأقدم زمنيا، يبلغ ذروته بتلمسه إمكانية قيام جماعات إسلامية متطرفة ومسلحة وسعيها لإقامة نظام إسلامي على الرغم من عدم توافق النظام الديني مع تقاليد المجتمع السوري.

المصدر: الميادين