معركة تحرير غرب الموصل.. إسفين استراتيجي في بنية "داعش"

معركة تحرير غرب الموصل.. إسفين استراتيجي في بنية
الأربعاء ٠٨ مارس ٢٠١٧ - ٠٧:٢٦ بتوقيت غرينتش

قد يكون لما يشهده الميدان في شمال العراق حاليا تداعيات دراماتيكية على بنية "داعش" بشكل عام، وتأخذ معركة تحرير ساحل مدينة الموصل الايمن من التنظيم الارهابي اهمية عسكرية وميدانية واستراتيجية، سيكون لها تأثير اساسي على معركته بالكامل في اغلب مناطق انتشاره، ميدانيا حيث سيطر على اراض ومدن وبلدات وبقاع في كل من العراق او سوريا، وامنيا حيث نفذ الكثير من العمليات الارهابية المؤلمة في المحيط والعالم.

العالم - العالم الاسلامي

ميدانيا

- تهاجم القوات العراقية حاليا بمختلف وحداتها العسكرية والامنية (جيش وشرطة ومكافحة ارهاب وحشد شعبي) عناصر "داعش" في غرب مدينة الموصل من اتجاه الجنوب، اعتبارا من مطار المدينة ومعسكر الغزلاني حيث اعتمد كل من الموقعين نقطة انطلاق اساسية، اندفعت عبرها الوحدات المذكورة شمالا، وبعد ان انقسمت في عدة محاور استهدف كل منها حيا او بقعة تجمع او خط مدافعة لـ"داعش"، تتركز اهمها الآن في الوسط حيث تشتبك مع عناصر التنظيم في محيط المجمع الحكومي داخل حي الدواسة وسط غرب المدينة.

- نفذت وحدات الحشد الشعبي ومجموعة من الجيش العراقي مناورة حساسة تمثلت بالوصول شمالا حتى بادوش الاستراتيجية على نهر دجلة شمال غرب المدينة، وكان لهذه المناورة دور مهم في تطويق عناصر "داعش" في غرب المدينة وفصلهم بالكامل عن الوسط الشمالي الغربي لنينوى حتى تلعفر، مما افقد التنظيم القدرة على المناورة الواسعة والاستفادة من نقل عناصره لدعم مدافعته في الاحياء الداخلية لغرب مدينة الموصل.

عسكريا

- تميزت المهاجمة التي نفذتها الوحدات العراقية حتى الآن بدقتها وحساسيتها، فهي تهاجم نقطة الارتكاز الاساسية لـ"داعش"، حيث نقاط القيادة والسيطرة التي كان يدير من خلالها معركته في كامل محافظة نينوى امتدادا الى شمال صلاح الدين وغرب تلعفر حتى الحدود مع سوريا، ومن الطبيعي ان يجهد التنظيم للمحافظة عليها وهو يعطيها اهتماما وتركيزا واسعين في تنظيم مدافعته عن هذه البقعة الحيوية، وذلك من خلال نشر القناصين على المباني المشرفة، وعبر اطلاق موجات متواصلة من السيارات المفخخة التي يقودها انتحاريون وانغماسيون، اغلبهم من الاجانب الذين كانوا دائما الورقة الرابحة للتنظيم في اغلب عملياته، هجوما او دفاعا.

- اعتمدت الوحدات العراقية على اسلوب جديد في المهاجمة، ابتكرته استنادا للخبرات التي امتلكتها في معاركها الواسعة ضد "داعش"، يقوم على وضع خط صدّ متحرك امام وحداتها المتقدمة التي تسيطر على ميدان او حي او شارع، ويكون عبارة عن ساتر ترابي او حاجز من الاليات او السيارات المدمرة، وذلك لعزل الوحدات المنتشرة التي تتحضر للتقدم، ولحمايتها من السيارات المفخخة ومن الانتحاريين الذين كانوا في السابق يجدون في تلك المواقع المُحتلة حديثا من قبل الوحدات العراقية المُهاجِمة هدفا سهلا وصيدا ثمينا.

- اعتمدت الوحدات العراقية ايضا في مواجهة تحدي مهاجمة "داعش" في الاماكن السكنية، وبوجود عدد كبير من المدنيين الذين يستعملهم التنظيم دروعا بشرية، مناورة التروي والحزم والاستعلام، وتمثلت عناصر هذه المناورة بالتوقف الآمن بعد كل تقدم وتنفيذ استطلاع البقعة التي تكون هدفا مرتقبا، والاستعلام الدقيق عن اماكن وجود الارهابيين او المدنيين، ثم تحديد محاور التقدم المناسبة للفصل بين الاثنين بطريقة تؤمن حماية المدنيين قدر الامكان، إضافة لمحاولة إشغال عناصر "داعش" وجرِّها خارج مكان وجود المدنيين، للاشتباك المباشر معها او لاستهدافها بسلاح الطيران القاذف او بالطوافات.

استراتيجيا

من الطبيعي ان يكون لهزيمة "داعش" في الموصل تداعيات استراتيجية على معركته في العراق وامتدادا الى سوريا وذلك على الشكل الآتي:

- بخسارته لعاصمته في الموصل، سيفقد "داعش" نقطة القيادة والسيطرة الاساسية في بنيته التنظيمية، وسيفقد جميع دوائره في العمليات العسكرية والارهابية وفي محاسبته المالية وفي جهاز التثقيف العقائدي الذي يُحرّض من خلاله العناصر على القتال تحت رايته وتنفيذ العمليات الارهابية والانتحارية وغيرها.

- بخسارته لمدينة الموصل سيخسر "داعش" تواجده بالكامل في نينوى الاستراتيجية، والتي ترتبط جغرافيا وميدانيا بسوريا غربا و بتركيا شمالا، والتي تربط وحداته في الداخل العراقي بالانبار وبصلاح الدين وبالحويجة في كركوك.

- بعد خسارة "داعش" لمدينة الموصل ستتحرر اعداد كبيرة من الوحدات العراقية وتصبح جاهزة للتدخل في الوسط الغربي للانبار وعلى الحدود مع سوريا، وهذا طبعا سيشكل ضغطا على اغلب مواقع التنظيم، التي تواجه ايضا معركة هجومية ضاغطة من الجيش السوري وحلفائه في سوريا.

واخيرا.. استنادا لما تقوم به الوحدات العراقية في مهاجمتها ما تبقى من احياء غرب مدينة الموصل، عسكريا لناحية تنفيذ مهاجمة حساسة ودقيقة وفعالة، وميدانيا لناحية توسيع محاور المهاجمة ومشاغلة "داعش" في كافة الاحياء حيث ينتشر، واستراتيجيا لناحية التأسيس لإضعاف التنظيم في العراق وامتدادا الى سوريا، تأتي اهمية معركة تحرير مدينة الموصل.

*شارل أبي نادر - العهد

114-4