«إسرائيل» ورسالتها من دمشق إلى بغداد وطهران!

«إسرائيل» ورسالتها من دمشق إلى بغداد وطهران!
الإثنين ١٣ مارس ٢٠١٧ - ٠٤:٥٤ بتوقيت غرينتش

لا أريد استباق التحقيقات أو التبنيات، والجزم بتبعية الجهة التي تقف خلف التفجيرات الإرهابية في دمشق، إن كانت تركيا أو السعودية، ومن السذاجة القول إن كانت "إسرائيل" ومساواتها كطرف، فكلا الطرفين يعملان في صالحها، فأيًا كانت الدولة الإقليمية التي تقف خلف التفجيرات فهي تعمل بالوكالة عن "إسرائيل".

ولكن بالشكل المباشر، فإنّ لكل دولةٍ - تركيا السعودية - مصلحة في تنفيذ تلك الجريمة، فأردوغان الذي ذهب عاريًا إلى موسكو، وهو محاصر في مثلث جرابلس الباب إعزاز، لم يكن لديه الكثير من الأوراق أمام الرئيس الروسي، وهذه العمليات الإرهابية محاولة لامتلاك أوراق جديدة للمساومة، خصوصًا وأن مؤتمر أستانة على الأبواب، وأما السعودية المبعدة عن أستانة-شكلًا-، فتحاول أن تقول أنها لا زالت قادرة على عرقلة الحلول السياسية، فهذا الإرهاب ليس مجرد رد على التقدم الذي يحرزه الجيش السوري ميدانيًا، أو أنه اليأس الذي تعبر عنه الجماعات الإرهابية، بل إنه العقل "الإسرائيلي" المباشر، الذي لا يهمه من سوريا إلا أمرين، رحيل الأسد ومغادرة حزب الله وإيران سوريا.

ولكن بغض النظر عن المصالح الآنية والمفتعلة التي تتذرع بها كلٌ من تركيا والسعودية، للإيعاز لأتباعهما بتنفيذ تلك الجريمة، فإن "إسرائيل" هي صاحبة المصلحة العليا والمباشرة في ارتكاب تلك المجزرة، فقد أتت على إثر إعلان حركة النجباء العراقية تشكيل فيلق تحرير الجولان، ووضعته تحت إمرة الحكومة السورية، وكان واضحًا أنها رسالة ردعية من محورٍ بكامله لـ"إسرائيل"، وكأنّ "إسرائيل" بهذه العملية تريد القول إنها أيضًا تجيد إرسال الرسائل، فقامت باستهداف الزوار العراقيين، في رسالةٍ مزدوجة للمحور عامةً وللعراقيين خاصة، ومما تعنيه رسالة "إسرائيل" الإرهابية، أنها وتركيا والسعودية وقطر بالفعل خندق واحد وليس مجرد إرهاصات ومستقبليات، وأن أي حربٍ مقبلة ستكون على هذا الأساس، وأنّ "الإسلام المتطرف" -الذي تمثله إيران حسب الأدبيات النفطية- في وجه وجود "إسرائيل"، سيواجَه بـ"الإرهاب الإسلامي" الذي تمثله الوهابية عبر داعش والنصرة وأخواتهما، وهذا ما طرحه حصرًا "رئيس حكومة" العدو مع الرئيس الروسي، حين اعتبر أنّ التطرف الإيراني يهدد وجود اليهود.

يقول الكاتب الصهيوني ألون بن ديفيد في صحيفة "معاريف" الصهيونية: "يوجد الآن حوالي 2800 مصاب سوري عالجتهم "إسرائيل"، وبالنسبة للكثير منهم هذا أنقذ حياتهم، ومن أنقذت حياته "إسرائيل" سيكون هو وأبناء عائلته سفيرًا أفضل من أي عميل تقوم الإجهزة الاستخبارية بتجنيده". وابتداءً، فهذا يعني أنّ العلاج مقابل الخيانة، وهو ليس عملًا إنسانيًا تقوم به "دولة" أبرز سماتها العداء للإنسانية، ولا أستطيع فهم دافع الخيانة مقابل العلاج، لشخصٍ كان يتلقى العلاج مجانًا في دولته، ولكن كما أنه لا مبرر للخيانة، فالخيانة لا تحتاج لمبرر. وأما مناسبة هذا المثال في هذا السياق، فهو أنه ضمن الرسائل "الإسرائيلية"، حيث التلويح بقتل كل من يقوم بتهديدنا، فيما نمنح الحياة لكل من يدافع عن وجودنا ويسعى للإطاحة بأعدائنا، ولا يمكن على الإطلاق فهم هذا العمل الإرهابي خارج المصلحة "الإسرائيلية" وفي إطار رسائلها، حيث أن هذا العمل منعدم الآثار السياسية والعسكرية لصالح ما تسمى بـ"المعارضات السورية"، بل على العكس، فهو عملٌ قد يجر عليها الوبال، وسيضعها في خانة الاتهام وبالتالي ضعف الموقف على أي طاولة مفاوضات، خصوصًا أن التهرب من المسؤولية واتهام "النظام" أصبحت لعبة قديمة ولا تصلح إلّا للهياج الإعلامي والتهييج المذهبي.

وهذا الجزء هو الأخطر، حيث أنه يصب في خانة كيّ الوعي، فردود الأفعال رغم الأيادي والمصالح "الإسرائيلية" الواضحة، كانت تنم عن العمى الغرائزي الذي أصاب جمهورًا مهووسًا بدنّيته وتدنيه، فمقياس الإثم لليد الصهيونية القاتلة، لم يعد القتل أو القاتل بذاته، بل بخلفيات القتيل، وهذا ما تراقبه "إسرائيل" باعتباره نصرًا استراتيجيًا لا تضاهيه حتى نكستنا، ولم يعد يهم الغرائز المتحركة والمتنقلة على هيئة بشر، أنهم يرددون المنطق "الإسرائيلي" بحذافيره، ولا يمل قادة العدو من الإضاءة على التحالف القائم بين "دولتهم" وبين ما يسمى بدول الاعتدال العربي، وجماهير الاعتدال وقادتهم لا يرون غضاضة بوجودهم في ذات الخندق مع التطرف الصهيوني، ولا أحد يستدرك أن مجرد استشعار "إسرائيل" لخطر محور المقاومة على وجودها، كافٍ وزيادة لنفي خطر هذا المحور على دولٍ عربية، إلّا إذا كانت هذه الدول المقصودة قد وضعت نفسها تحت إمرة "إسرائيل"، واعتبرت أن كل خطرٍ يتهدد "إسرائيل" هو خطرٌ مباشرٌ على عروشها، وهذه النتيجة الحقيقية والمطلقة، ولست متشائمًا حين أقول أنّ من يخطط للمنازلة القادمة مع "دولة" العدو الصهيوني، عليه تجاهل المواقف الرسمية والأهم تجاهل الاصطفاف الجماهيري.

* ايهاب زكي - بيروت برس

4