أردوغان وقابلية خلق الأزمات مِن لا شيء

أردوغان وقابلية خلق الأزمات مِن لا شيء
الإثنين ١٣ مارس ٢٠١٧ - ٠٨:٣٧ بتوقيت غرينتش

كلنا يتذكر رد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان على طلب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بسحب الجيش التركي من منطقة بعشيقة العراقية، والذي قال فيه :”أنت لست ندي ولست بمستواي، وصراخك في العراق ليس مهما بالنسبة لنا على الإطلاق، فنحن سنفعل ما نشاء، وعليك أن تعلم ذلك، وعليك أن تلزم حدك أولا”.

العالم - تركيا

هذا التصريح الصادم وغير المألوف دبلوماسيا، احرج حينها حتى المتيمين باردوغان، فقد حاول البعض منهم تبريره كل على طريقته، ولكن مع تزايد تورط اردوغان في ازمات المنطقة، التي كان هو من اكبر صُناعها، وبعد تفريغه بعضا من  شحنات التأزيم العالية التي لديه مع اوروبا، بات من الصعب على المدافعين عنه ان يجدوا ما يكفي من تبريرات للكم الهائل من التصريحات الصادمة والخارجة عن كل ما هو مألوف، بل و”المجنونة” و “غير اللائقة”، على حد تعبير رئيس الوزراء الهولندي مارك روته.

المتتبع لمواقف وتصريحات اردوغان ورجال حزبه الاخيرة، على خلفية الازمة التي اختلقوها خلقا من لا شيء مع المانيا وهولندا وبعض الدول الاوروبية الاخرى، بسبب عناد واصرار اردوغان على تنظيم تجمعات جماهيرية للجاليات التركية في اوروبا حول الاستفتاء الذي سيجري في اواسط شهر نيسان/ ابريل المقبل على التعديل الدستوري ويشارك فيها المسؤولون الاتراك دون اخذ الاعتبارات الامنية لهذه الدول بالحسبان، سيُصدم كما صُدم واكثر مما قاله اردوغان عن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي.

بدأت معركة اردوغان مع المانيا التي رفضت اقامة تجمعات جماهيرية في مدنها حول الاستفتاء التركي الذي يستهدف اضعاف البرلمان وهيمنة اردوغان على مقدرات تركيا، فما كان منه الا ان خاطب الالمان قائلا: إن “ممارساتكم لا تختلف عن ممارسات النازيين، اعتقدت أن ألمانيا تخلت منذ فترة طويلة عن هذه الممارسات، لكنني كنت على خطأ ” ، الامر الذي دفع المستشارة الالمانية انغيلا ميركل للدعوة الى ضبط النفس، الا انها اعتبرت تصريحات أردوغان ومسؤولين أتراك آخرين في هذا الأمر بانها “محزنة وفي غير محلها تماما، ولن نسمح بأن يتم الاستخفاف بضحايا النازية عبر هذه المقارنات”.

معركة اردوغان الكبرى كانت مع هولندا التي دعت الاتراك الى تنظيم تجمعات جماهيرية في مباني السفارة او القنصلية التركية وليس في مراكز او قاعات يصعب توفير الامن لها في ظل الانشقاق السياسي الهائل في المجتمع التركي والذي انتقل الى الجاليات التركية في هولندا وغيرها، الا ان المسؤولين الاتراك رفضوا هذا الاقتراح واصروا على القدوم الى هولندا للمشاركة في التجمعات الجماهيرية، بل وهددوا هولندا بالويل والثبور وعظائم الامور، فكان رد السلطات الهولندية منع طائرة وزير خارجية تركيا مولود جاويش اوغلو من الهبوط في روتردام، كما ابعدت وزيرة الأسرة التركية فاطمة بتول صيان التي تسللت الى هولندا عبر المانيا.

الاجراءات التي تخذتها هولندا جاءت ردا على تصريحات وزير الخارجية التركي جاويش اوغلو الذي اكد انه سيسافر الى روتردام مهما كلف الامر وقال : “اذا كان ذهابي سيزيد التوترات فليكن .. وما الضرر الذي سيصيبهم من ذهابي؟ أنا وزير خارجية وأستطيع الذهاب حيث شئت” ، وهدد بعقوبات سياسية واقتصادية قاسية إذا منعت هولندا هبوط طائرته في روتردام ، واضاف مخاطبا حكومتي المانيا وهولندا: “لا يمكن لأي منكم أن يمنعنا…نستطيع أن نذهب إلى أي مكان نريده للقاء مواطنينا وعقد تجمعاتنا”.

اما ردة فعل اردوغان فكانت كالعادة خارج كل الاعراف فوصف الحكومة الهولندية بانها :”بقايا من النازية، هؤلاء هم فاشيون” واضاف :”إمنعوا  وزير خارجيتنا من القدوم قدر ما تشاؤون، ولنرى من الان فصاعدا كيف ستهبط طائراتكم في تركيا” ، انهم “سيدفعون بالتأكيد الثمن وسيتعلمون أيضا ما هي الدبلوماسية. سنعلمهم الدبلوماسية الدولية”.

السلطات التركية لم تكتف بالتصريحات بل تجاوزتها الى العمل، فقد استدعت الخارجية التركية القائم باعمال السفارة الهولندية، كما اكدت إنها لا ترغب في عودة السفير الهولندي إلى أنقرة بعد انتهاء اجازته التي يقضيها في هولندا، واغلقت السلطات التركية الطرق المؤدية الى السفارة الهولندية في أنقرة والقنصلية الهولندية في إسطنبول، ومنعت بذلك الوصول إليهما، والإجراء نفسه شمل منزلي القائم بأعمال السفارة والمسؤول القنصلي.

رئيس وزراء هولندا مارك روته  اعتبر تصريح إردوغان الذي شبه فيه الهولنديين بالنازيين، بأنه “تصريح مجنون”، واستغرب من ادبيات اردوغان وقال “لم أشهد ذلك من قبل لكننا نريد أن نكون الطرف الأكثر تعقلا … إذا صعدوا سنضطر للرد لكننا سنفعل كل ما في سلطتنا للتهدئة .. ان هولندا لن تسمح بأن يبتزها أحد”.

يبدو ان اللغة التي خاطب بها قادة تركيا، المانيا وهولندا والتهديدات التي اطلقوها واخرها التهديد الذي جاء على لسان جاويش اوغلو الذي هدد بفتح الحدود امام المهاجرين الى اوروبا مرة اخرى، لم تأت اكلها، بل جاءت بنتائج عكسية، فقد انضمت سويسرا والنمسا الى المانيا وهولندا، واعلنتا منع تنظيم اي تجمعات جماهيرية لمسؤولين اتراك في مدنها، كما اقترح رئيس وزراء الدنمارك لارس لوكه راسموسن تأجيل الزيارة التي كان من المقرر ان يقوم بها رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم هذا الشهر الى كوبنهاغن على خلفية موقف انقرة من امستردام.

بعيدا عن الاثار المدمرة لسلوكيات قادة تركيا على الصعيدين السياسي والدبلوماسي، مع جيرانهم المسلمين والاوروبيين وتخصصهم في صناعة الازمات، مثل هذه السلوكيات تعطي زخما هائلا لصعود اليمين المتطرف المعادي للاسلام في اوروبا ، فهناك من يتصيد بالمياه التي عكر صفوها اردوغان في اوروبا، من خلال نقل حالة الانقسام والانشطار المجتمعي وانعدام الامن في تركيا الى الجاليات التركية الكبيرة في اوروبا لاسيما في المانيا ( 4 مليون تركي)  وهولندا (400 الف تركي)، لاسيما بعد ان كشفت وكالة المخابرات الداخلية الالمانية (بي.إف.في) ،عن زيادة وتيرة عمليات التجسس التي تقوم بها انقرة على الجالية التركية داخل ألمانيا، وإن الانقسامات في تركيا قبل الاستفتاء على الدستور كان لها انعكاس في ألمانيا.

من اكثر المستفيدين من سلوكيات وشخصية اردوغان، ومن اخطر المتصيدين في المياه التي عكر صفوها اردوغان مع هولندا، هو زعيم اليمين المتطرف والمعادي للاسلام خيرت فيلدرز، الذي من المقرر ان ينافس حزب رئيس الوزراء الحالي مارك روته في الانتخابات التي ستجري يوم الاربعاء القادم.

فيلدرز هذا استغل على الفور ازمة التجمعات الجماهيرية التى دعا اليها اردوغان، وشن هجوماً عنيفاً على الأتراك المقيمين في هولندا من الذين يحملون الجنسية المزدوجة، ووصفهم في تغريدة له بـ”الطابور الخامس” ودعا الى ضرورة اخراجهم من هولندا، وقال مخاطباً الذين تظاهروا احتجاجاً على منع جاويش أوغلو من دخول هولندا “ولاؤكم يعود لمكان آخر، غادروا البلاد إذن” ، “لا مزيد من الجنسية المزدوجة وأغلقوا الحدود”.

كما بدانا مقالنا في تصريح صادم لاردوغان تعرض من خلاله بطريقة فجة لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، ننهي مقالنا بتصريحين صادمين لاردوغان وجاويش اوغلو تعرضا من خلالهما للجمهورية الاسلامية في ايران، فقد زعم اردوغان ان ايران تسعى لـ”تقسيم العراق وسوريا وتتصرف من منطلقات قومية” ، فيما قال جاويش اوغلو ان ” ايران تعمل على تشييع العراق وسوريا”، وهي تصريحات وان تراجع عنها الاخير، الا انها فقدت ذاتيا اعتبارها، لان مصدرها اردوغان ورجاله، ولكن وبالرغم من ذلك لا يحتاج العاقل لدليل ليعرف من هو البلد الذي وقف الى جانب الحكومتين العراقية والسورية ومنع تقسيم هذين البلدين وضحى من اجل ذلك، ومن هو البلد الذي يتواطأ مع الجماعات التكفيرية ويمدها بالمال والسلاح والرجال انطلاقا من نوازع قومية وطائفية، ويرسل الجيوش لغزو العراق وسوريا بهدف تقسيمهما.

شفقنا / ماجد حاتمي

109-4