تفجير كنائس مصر وفخ التبرير

تفجير كنائس مصر وفخ التبرير
الثلاثاء ١١ أبريل ٢٠١٧ - ٠٣:٤٢ بتوقيت غرينتش

كان يوم الاحد 9 نيسان / ابريل يوما داميا على مصر، فقد امتدت يد الإرهاب التكفيري مرة اخرى الى بيوت الله واختطفت ارواح 38 مواطنا مسيحيا بريئا واصابت 118 اخرين، وهم يحتفلون بأحد السعف او أحد الشعانين، واضافت بذلك جرحا آخر الى الجراح النازفة في الجسد المصري.

العالم - مقالات

التكفيريون فجروا كنيسة مار جرجس في طنطا في الصباح، وفجروا امام الكاتدرائية المرقسية بالإسكندرية ظهرا، وعلى الفور تبنى تنظيم “داعش” التكفيري التفجيرين، بعد ان هدد في فبراير/ شباط، بشن هجمات ضد المسيحيين الأقباط في مصر.

مختلف دول العالم نددت بالاعتدائين واصدرت بيانات في هذا الشان، الا اننا سنتناول الاعتدائين بعيدا عن الخطاب التكراري واللغة العائمة، ونحاول وبشكل سريع ان نضع اصبعنا على الجرح النازف في الجسد الإسلامي وليس المصري فحسب، عسى ان نلفت الإنتباه تحت ضغط الم الجرح الى الأسباب الحقيقية لهذا النزف المستمر.

من اجل العمل على وقف الإستنزاف الحاصل في منظوماتنا الأمنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الأخلاقية والقيمية، والذي يهددنا كوجود، لابد من الافصاح وبلغة واضحة عن السبب الحقيقي وراء هذا الإستنزاف والتفكك الحاصل في مجتمعاتنا، دون ان تحول المصالح الاقتصادية بيننا وبين الكشف عن حقيقة سبب هذا الإستنزاف.
لا يختلف اثنان على ان الفكر الوهابي التكفيري، الذي يعتبر القاسم المشترك لجميع التنظيمات التكفيرية بدء من القاعدة وانتهاء ب”داعش”، هو السبب الحقيقي وراء الإستنزاف الذي يفتك ببلداننا، فهو الرحم الذي خرجت منه عقيدة التكفير والاقصاء ورفض التسامح والتعايش مع الاخر، المنتشرة اليوم على مساحات واسعة من عالمنا الاسلامي، الا انه وبسبب قوة المال والنفوذ لدى الجهات الداعمة للفكر الوهابي، تم تكميم الافواه عن قول هذه الحقيقة، اما بالترغيب او بالترهيب.

لما كان من الصعب التعتيم على هذه الحقيقة، تم تشويهها عبر شيطنة  المذاهب الاسلامية الاخرى وفي مقدمتها الشيعة، او عبر اظهارها على انها جاءت كردة فعل ل”هيمنة الشيعة” على العراق ولبنان واليمن، وهناك من حاول ان يظهر بمظهر المحلل الموضوعي عبر ربط تلك الحقيقة بالأنظمة الدكتاتورية والإستبداد، ولكن من خلال تحليل بسيط يتبين وعلى الفور ان كل هذه التبريرات ماهي الا محاولات لذر الرماد في العيون ومنعها من رؤية هذه الحقيقة المرة.

في البداية عندما غزت امريكا العراق وتم اسقاط نظام الطاغية صدام، تم تبرير فظائع الزرقاوي وجماعته في العراق، بهيمنة الشيعة على الحكم وتهميش السنة، وهذا التبرير الكاذب انطلى على الكثيرين من العرب والمسلمين حينها، رغم ان السنة في العراق كانوا من اهم اركان العملية السياسية والنظام الجديد، الا انه كان لابد من تبرير القتل والتفجير والذبح والتهجير والسبي عبر الترويج لتلك الاكذوبة.
نفس التبرير تم تعميمه على لبنان عندما قام التكفيريون بالتفجيرات هناك، وفي مقدمة هذه التبريرات “تدخل حزب الله في سوريا”، و”رفض هيمنة حزب الله على لبنان” و“ارتباط حزب الله بايران”، بالإضافة الى التهم القديمة المعروفة التي عادة ما تلصقها الوهابية بالشيعة بشكل عام، ومثل هذه التبريرات قيلت ايضا لتبرير فظائع الجماعات التكفيرية في افغانستان وباكستان.

لما كان حبل الكذب قصير، ما اسرع ما انكشفت تفاهة تلك التبريرات، بعد ان ضرب التكفيريون بلدانا اخرى دون ان يكون هناك من وجود مكثف للشيعة فيها، فهم يتحينون الفرص في اي مكان للانقضاض على الاخر مهما كان هذا الاخر ما دام لا يعتقد بالوهابية، فهم ضربوا في مصر ولیبیا والجزائر وتونس وماليزيا والفلبين واندونيسيا امريكا وبريطانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا وروسيا واسبانيا والمانيا والسويد وكندا واستراليا وبلدان اخرى عديدة، ويبررون جرائمهم بتبريرات ما انزل الله بها من سلطان، في محاولة للتغطية على حقيقة المذهب التكفيري الذي يعتبر قتل الاخر، بغض النظر عن عقيدة هذا الاخر، اقصر الطرق الى الجنة.

فاذا كان ما حدث في مصر يوم الاحد يستهدف بالدرجة الاولى أمن واستقرار مصر و وحدة الشعب المصري، كما اشار الى ذلك بيان الأزهر الشريف، وهي رؤية صائبة، فإن ما حدث في العراق ومن ثم سوريا، هو ايضا يستهدف استقرار ووحدة الشعبين العراقي والسوري، لاسيما ان الجهة التي تقف وراء ما حدث في هذه البلدان الثلاثة هي واحدة، لأن تبرير جرائم التكفيريين في العراق وسوريا على انها كانت “ردود فعل” على “تهميش السنة”، هو الذي سهل على التكفيريين نقل السيناريو العراقي والسوري الى مصر وغيرها، لذا من الضروري التأكيد وبلغة واضحة ومباشرة على ان العقيدة التكفيرية قائمة على الإقصاء والقتل والنهب والسلب، ليست بحاجة لوجود الشيعة او المسيحيين او السنة الذين يعارضون الوهابية، لتبرير فظائع معتنقيها، فرواج مثل هذه التبريرات الزائفة سيساهم في ان تبتلع دوامة التكفير بلدانا اخرى في المستقبل، قد تكون بينها مصر لاسمح الله.

• ماجد حاتمي - شفقنا

208