عدمية الإرهاب .. "داعش" نموذجاً

عدمية الإرهاب ..
الأربعاء ١٤ يونيو ٢٠١٧ - ٠١:١٩ بتوقيت غرينتش

قبل ثلاث سنوات نصّب زعيم “الدواعش” ابو بكر البغدادي نفسه”خليفة للمسلمين” من على منبر جامع النوري في الموصل، مُدخِلاً كل من بايعه في الاسلام، ومُخرٍجاً كل من خالفه من الاسلام، فقتل ونهب وسبى وذبح وشرد الملايين، اغلبهم من المسلمين حصرا، حتى بيضت جرائمه وجه المغول والتتار.

العالم - مقالات

ما كان لمجنون مثل البغدادي ان ينصب نفسه “خليفة للمسلمين” لولا وجود مجانين وسفاحين من امثاله يعتقدون بما يعتقد ويقولون ما يقول، بالاضافة الى وجود بعض السذج والبسطاء والاغبياء الذين تلوثت عقولهم وقلوبهم بمرض الطائفية البغيض، فوجدوا في “الدواعش” من امثال البغدادي “منقذين” لهم من “وهم” مرضي ينخر ادمغتهم.

اليوم وبعد ثلاث سنوات اصبح مصير “الخليفة الداعشي” مجهولا، البعض يقول انه قُتل في غارة في مدينة الرقة، والبعض الاخر يقول انه هائم على وجهه في الصحراء بين العراق وسوريا، وهناك من يقول انه دفن نفسه حيا داخل الانفاق التي حفرها في بادية العراق في محيط مدينة القائم هربا من قوات الحشد الشعبي.

خليفة “الدواعش” هرب من الموصل بعد ان ترك في كل زوايا المدينة، الموت والخراب والدم والالم، وزرع في قلوب اهلها الضياع واليأس والاحباط، وبعد ان مزق نسيجها الاجتماعي وقسم اهلها الى مسلمين وكفار ومشركين مرتدين، وزرع في روحها جرحا غائرا لا يندمل لعقود.

بعد اقتراب “الدواعش” من مصيرهم المحتوم في العراق وسوريا، هناك اسئلة تطرح نفسها وهي: ترى كيف يمكن لمجموعة مهما بلغ جنونها ان تتصور ان بامكانها ان تفرض ارادتها على دول وشعوب، باساليب دموية وحشية، كما فعلت “داعش”؟، وهل يُعقل ان تتراجع الجيوش والشعوب امام مجموعة من الارهابيين والمتطرفين والمجانين والساديين والسفاحين ، كما هو الحال مع “الدواعش”؟، هل يمكن ان يُغري الضعف الذي يصيب بعض الدول لاسباب متعددة، كما هو الحال في العراق وسوريا، بعض الاشخاص لاغتنام الفرصة للانقضاض على بعض المدن والسيطرة عليها دون ان ينتظروا ردا من قبل هذه الدول وجيوشها وشعوبها؟، اخيرا هل حققت الجماعات المتطرفة التي تستخدم الارهاب وسيلة لتحقيق اهداف سياسية، كما هو حال “داعش”، في اي مكان في العالم، اهدافها؟.

لم يسجل التاريخ ولا مرة واحدة، انتصارا لجماعة ارهابية، في اي مكان في العالم، فكل الجماعات الارهابية، رغم انها اراقت الدماء وزرعت الفوضى والخراب في المجتمعات التي نُكبت بها، الا انها في الاخير تلاشت واندثرت دون ان تغير من واقع الامر شيئا، فهذه “داعش” من اكبر الجماعات الارهابية التي شهدتها شعوب المنطقة والعالم خلال العقود الماضية، رغم كل الذي اقترفته بحق الانسانية، الا انها اليوم في طريقها الى الانقراض.

هنا نعود مرة اخرى لنضع الاسئلة السابقة في اطار سؤال واحد ونقول: اذا كان مصير الارهاب هو الفشل لماذا اذا يقوم هذا العدد الكبير من الارهابيين، كما هو حال “الدواعش”، بكل هذه الفظاعات رغم انهم يعرفون ان مصيرهم لن يكون سوى القتل والاندثار؟. لا يمكن الجواب على هذا السؤال دون الاخذ بنظر الاعتبار العامل الخارجي الذي يلعب دورا كبيرا في انتشار ظاهرة الارهاب، وهذا العامل هو القوى الاجنبية التي تضمر الشر لبلدان وشعوب المنطقة، وعلى راس هذه القوى امريكا و”اسرائيل”.

لا احد ينكر وجود بعض الاشخاص المرضى بمرض الطائفية الكريه، الى جانب بعض الساديين والسفاحين والمجرمين الذين يجدون في الفوضى والاضطرابات متنفسا لتفريغ ما في داخلهم من عقد نفسية، في المجتمعين العراقي والسوري، الا ان العامل الخارجي كالغزو الامريكي للعراق والتدخل الامريكي في سوريا، نجح في ادارة هذا الكوكتيل من العقد النفسية وتوجيهها صوب المصلحة الامريكية، وهي ضرب البلدين اللذين كان يشكلان تهديدا لـ”اسرائيل”.

المتتبع لسيرة حياة زعماء “داعش” ومن بينهم ابو بكر البغدادي، يرى انهم مروا باكثر مراحل حياتهم اهمية، تحت اشراف المحتل الامريكي، وخاصة في السجون التي اقامها في العراق، فبعد فضيحة سجن ابو غريب، قام المحتل الامريكي بنقل جميع السجناء الى سجن جديد هو سجن “بوكا” في البصرة، فكان يضم ضباطًا في الجيش والمخابرات وجهاز الأمن الصدامي، وعناصر وموظفي التصنيع العسكري وفدائيي صدام، وسلفيين وعناصر من تنظيم القاعدة وغيرها من الجماعات التكفيرية الاخرى.

سجن بوكا كان يختلف عن سجن ابو غريب، فقد سمح المحتل الامريكي بالمزيد من الحريات للسجناء ليلتقي بعضهم ببعضا ويتحركوا بحرية، تحت ذريعة التعويض عن الاهانات التي كانت توجه اليهم في سجن ابوغريب، فتمكن السلفيون التكفيريون من غزو “بوكا” ونشر أفكارهم وتجنيد المزيد من الأنصار والمقاتلين، الذين “تخرجوا” من “مدرسة” بوكا وهم يحملون افكارا بعثية سلفية.

 اخطر خريجي بوكا كان “خليفة الدواعش” ابو بكر البغدادي الذي امضى 10 اشهر في سجن بوكا وتعرف على العديد من كبار قادة الجيش والمخابرات والامن والتصنيع العسكري الصدامي، حتى انه فكرة تاسيس “الدول الاسلامية الداعشية ” قد تبلورت في بوكا وتحت اشراف المحتل الامريكي.

المحتل الامريكي وضع هذه المجموعة الشاذة من البعثيين والسلفيين، المتعطشين للدماء والسلطة والمدفوعين بعقائد جزمية، في مكان واحد ووفر لهم كل الظروف للالتقاء بسهولة لمناقشة مخططهم الذي كان يكبر ويكبر تحت اشراف المحتل الامريكي الذي قام بعد ذلك باطلاقهم على العراقيين كالذئاب الجائعة، فقاموا بما قاموا به ظنا منهم انهم يتصرفون دون علم المحتل الامريكي، الذي كان يدفعهم دفعا لانجاح مهمتهم التي كانت تتلخص في دفع العراق نحو نفق مظلم بهدف تجزئته وتشتيت شعبه.

امريكا كانت تعرف قبل غيرها ان “الدواعش البعثيين”، لن يتمكنوا من الاستمرار طويلا لا في العراق ولا في سوريا، لذلك حاولت ان تتدخل عسكريا مرات عديدة لانقاذ “داعش” من الجيشين العراقي والسوري، كلما اطبقا على “داعش” في مكان ما، وذلك من اجل افساح المزيد من المجال لـ”الدواعش” لتنفيذ المخطط الامريكي بحذافيره في العراق وسوريا.

المخطط الامريكي كان كبيرا، الا ان ارادة الشعبين العراقي والسوري كانت اكبر، وقد برزت هذه الحقيقة عندما انخرط الشعب العراقي في الحرب مباشرة مع “داعش”، عندما قام بتشكيل قوات الحشد الشعبي، التي طردت “الدواعش” من جميع انحاء العراق الا من منطقة تلعفر،  وكذلك الشعب السوري، الذي انخرط في المعركة عبر التشكيلات الشعبية التي طاردت “الدواعش” وحاصرتهم في الرقة وفي بعض المناطق الصحراوية.

المصدر : شفقنا

109-3