من حلب ..إلى دير الزور

من حلب ..إلى دير الزور
الخميس ٢١ سبتمبر ٢٠١٧ - ٠٥:٥٥ بتوقيت غرينتش

في حلب سقطت الرهانات الكبرى وتغيّرت معالم الصراع وارتسمت ملامح البعد الجيوسياسي الجديد لسوريا والمنطقة، ومع خروج آخر ارهابي من الأحياء الشرقية لحلب كنّا واثقين ان ما بعد نصر حلب لن يكون كما قبله، وهو الذي شكّل قاسمًا مشتركًا بين الخبراء سواء كانوا من محور المقاومة او من المحور المعادي له.

العالم - مقالات وتحليلات

في منتصف عام 2012 دخلت حلب مرحلة الصراع، حيث كنا خلال عامين امام سيطرة متتالية للجماعات الإرهابية وحصار خانق للأحياء الغربية التي بقيت صامدة رغم الهجمات الشرسة، حتى استطاع الجيش السوري وفي عملية ابداعية شق الطريق الطويل من السلمية الى حلب في شهر تشرين الثاني 2013 في ارض معادية، وهو بالمناسبة الطريق نفسه الذي يتم استخدامه حتى اللحظة كطريق بديل عن الطريق الدولي من حلب الى دمشق.

فك الحصار عن حلب برأيي عبر ممرّ السلمية – حلب رغم المصاعب الكبيرة والعمليات المستمرة التي تعرض لها الممر بهدف قطعه كان العلامة الفارقة في تاريخ الحرب على سوريا، حيث كان سقوط حلب كاملة في يد الجماعات الإرهابية حينها سيشكل مفترقًا كبيرًا ويثبت في الحد الأدنى البعد التقسيمي لسوريا.

وعندما نتكلم عن مواجهات حلب فنحن نتكلم عن مخاض طويل وصعب أنجب نصرًا هامًّا وذهب بالأمور الى ميزان قوى مختلف اجبر الأتراك كخاسر اساسي وسحبهم باتجاه لقاءات استانة مكرهين ومجبرين تحت ضغط الإنتصار، وليس رغبة منهم وجنوحا نحو السلم والحوار.

بعد توحيد احياء مدينة حلب كانت اولوية الدولة السورية حصر مساحة الإشتباك، وكان واضحا ان الخيارات تتجه نحو الشرق وليس نحو الشمال الغربي في ادلب، نحو الشرق حيث عقدة الربط الإستراتيجية في تدمر بما تمثله المدينة من موقع يتوسط عقدة طرق واهمية هذه الطرق في الربط، اضافة الى العامل الرمزي والإقتصادي.

تَزَامن العمليات شرقًا في تدمر والريف الشرقي لمدينة حلب كانت سمته الأساسية هي انتقال الجيش مجددا وبعد سنوات من المواجهة الى القتال الجبهي، وهو الذي اعطى الخبراء المؤشر الأهم على استعادة الجيش لعافيته وبأن معارك ما بعد انتصار حلب سيكون لها طابع مختلف تماما.

بموازاة البدء بمعارك الريف الشرقي لحلب وتدمر كان قرار حسم الجيوب المحيطة بالعاصمة دمشق ومحيطها القريب والبعيد قد وُضع على النار، ولنكون امام انتصارات وتسويات كاسحة في الريف الغربي لدمشق من داريا والمعضمية الى خان الشيح ومحيطها وفيما بعد سعسع وصولا حتى غباغب شمال محافظة درعا وانتصار وادي بردى وتسويات الهامة والتل وفيما بعد الزبداني وبرزة والقابون.

جميع هذه الإنتصارات كانت بعد شهور قليلة من انتصار حلب الكبير لتحقق مسألتين هامتين:

1-    تحرير اعداد اضافية من وحدات الجيش من مهامها السابقة ووضعها في حسابات قوات الإقتحام والزّج على جبهات حسم الحرب في بعدها الإستراتيجي وليس الموضعي.

2-    تشكل معالم المتغير الجيوسياسي (الجغرافي – السياسي) كمسلّمة لا يمكن تجاوزها وتأثير هذا المتغير في حركة المواقف السياسية دوليا واقليميا، وكان اولها المناورة التركية المستمرة وليس كما يسميها البعض الإستدارة لمحاولة كسب موقع ما من خلال المفاوضات لن تحصل عليه تركيا الّا اذا قدّمت تنازلات جديّة وليس مجرد رهانات ومناورات، وهو حال جميع الفرقاء الإقليميين والدوليين الشركاء في الحرب على سوريا.

في الأول من تموز الماضي كتبت مقالة بعنوان "الى دير الزور سر"، اعتبرها الكثيرون نوعا من الإستعجال حيث على الجيش السوري مواجهة عدو ينتشر على مساحات هائلة من الجغرافيا وبأن الوصول الى دير الزور سيتستلزم سنة او اكثر على الأقل لنكون بعدها امام مواجهات عنيفة مع الجماعات الإرهابية على ابواب دير الزور، وهو أمر صحيح اذا ما تمّت مقاربة مسرح العمليات بطريقة تقليدية ونمطية تفتقر الى المعلومات الخصبة والدقيقة حول شكل القوى والوسائط التي استطاع الجيش السوري والحلفاء تكوينها في تلك المرحلة، وامكانية تطوير العمليات في ابعاد مختلفة ومنها امكانية تنفيذ انزال جوي في عقدة مفصلية من شأنه تغيير مسار المواجهة، وهو ما ذكرته في مقالتي تلك، وهذا ما حصل فعلًا في منطقة الكوم والمعروفة تفاصيله للجميع.

الآن تعمل القوات على الضفة الشرقية للفرات، بعد ان استكملت تثبيت نقاط وقواعد الإرتكاز للهجمات اللاحقة التي بات الجيش السوري من خلالها قادرا على تغيير شكل مسرح العمليات بوتيرة متسارعة بالنظر الى ميزان القوى الذي يبدو فيه الجيش السوري متفوقا على جماعة "داعش" الإرهابية في القوى والوسائط والروح المعنوية.

فينما يمتلك الجيش ما يكفي لاستكمال المعركة وانهائها لمصلحته على مستوى العديد البشري والقوة النارية والروح المعنوية العالية، تبدو جماعة "داعش" ضعيفة بشريا وناريا وتعاني من هزيمة معنوية كبيرة ادخلت مقاتليها في مرحلة الإنهيار الإدراكي، وحوّلتهم من مقاتلين شرسين الى جرذان مذعورة وخائفة تنتظر مصيرها المحتوم.

عمر معربوني - بيروت برس