ما وراء نهاية أسامة على طريقة أوباما

ما وراء نهاية أسامة على طريقة أوباما
السبت ٠٧ مايو ٢٠١١ - ٠٩:٠٥ بتوقيت غرينتش

سقط أهم حليف لواشنطن في العالم العربي، وهو الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، وعلى طريقة بالتأكيد يراد منها الكثير بينها إعادة البريق لمصر في الشرق الأوسط عبر الثورة الشعبية، حتى تقوده مجددا بعدما فقدت قيمتها، وفي ظل حمى السقوط هذه، تفاجئ أميركا العالم بالإعلان عن تصفية “عدوها الأول” على وجه الكرة الأرضية، ووفق رواية جاءت حبلى بأشياء توحي باستفهامات كثيرة ومتناقضات أكثر.

اختيار هذا الوقت للإعلان الرسمي عن طي صفحة لأسطورة اسمها أسامة بن لادن، ليس جزافا ولا هو محل الصدفة والتكهنات ولا جاء بناء على حادث عارض واستثنائي. فالقناعات تعززت منذ اللحظة الأولى أن القضية مشوبة بالشكوك ولا يمكن تصديقها، ويوجد من يرى أن بن لادن قد تمت تصفيته من قبل سواء عن طريق عملاء جندتهم أميركا أو من خلال حرب المواقع بين بن لادن وخصومه ممن يريدون بلا شك السيطرة على مسار القاعدة وخدمة أجندات تختلف عن بنود تأسيسها، وتشير بعض المعلومات المتناثرة هنا وهناك أن ذراعه المصري ايمن الظواهري استأثر بزعامة القاعدة منذ سنوات، وأن التيار لم يعد يمر بينه وبين زعيمه، وخاصة أن شواهد كثيرة تؤكد على أن المسار الجهادي للتنظيم الذي تأسس ضد أميركا وحلفائها، قد انحرف منذ ظهور الظواهري في أعلى قمة المشهد، فبن لادن يشهد له المقربون أنه وهابي المذهب وليس تكفيريا في حين نائبه مشهود له أنه من تيار الهجرة والتكفير بل يعد من عتاة المنظرين له. وربما هو الذي دفع حركة طالبان، الحنفية المذهب، إلى رفض جماعته وفضلت تحت ضغط المرحلة، إلى أن تنضوي تحت زعامة بن لادن، في إطار المتعارف عليه لدى الحركة من أن العرب يلتحقون دوما بإمارته ولا ينتمون إليهم أصلا.

 حرب المواقع

من بين الأمور التي برزت ويتم تداولها في بعض المواقع الجهادية بالتصريح والتلميح، أن بن لادن خالف الظواهري في تبنيه لبعض التنظيمات الفرعية الأخرى التي قامت بعمليات تشير المعلومات أنها لا تتماشى وعقيدة بن لادن الجهادية، وعلى سبيل المثال قضية قتل المدنيين في العراق على يد “تنظيم القاعدة ببلاد الرافدين” وهذا كان محل سخط حتى من أبي محمد المقدسي الذي يعتبر الأب الروحي للزرقاوي ومنظر تنظيم القاعدة العالمي.

وكذلك بالنسبة لجرائم ضد المواطنين المقترفة من قبل “الجماعة السلفية للدعوة والقتال” والتي أسسها حسان حطاب بعدما إنشق من الجماعة الأكثر دموية “الجيا”، وقد رفض من قبل إلتحاق اسامة بن لادن بجبال الجزائر وهو ما أغضبه حينها.

بلا شك أن محاولات المصريين الإستئثار بقيادة القاعدة ظلت واقعا لا محالة من خلال أيمن الظواهري، وزادت حدتها أكثر في بزوغ نجم اشخاص آخرين مثل الأردني ابومصعب الزرقاوي الذي رشحته جهات إستخباراتية مختلفة، بالشخصية الكارزماتية التي تحضى بثقة بن لادن ومرشحة لخلافته في زعامة التنظيم، وخاصة أن العناصر التي يعتقد بلعب دور ما في أحداث 11 سبتمبر قد أزيحت من المشهد، والذين يعتبرون في منطق تفكيرهم على مقاس الذين شهدوا بدرا في عهد الرسول الكريم، على إعتبار العملية سميت بالغزوة التي لا مثيل لها في تاريخ التنظيم.

إن اي شخص يشيع امره كخليفة لبن لادن لا يلبث طويلا إلا ويتم القضاء عليه أو إعتقاله، فالزرقاوي تمكن الجيش الأميركي من قتله في جوان 2005، ابوعمر البغدادي قتل في أفريل 2010، وأبوفرج الليبي أعتقل في باكستان شهر ماي 2005، رمزي بن شيبة أعتقل في شتاء 2003، خالد الشيخ محمد أعتقل في مارس 2003، أبوحفص الموريتاني قتل في 2002، محمد عاطف الملقب بأبي حفص المصري قتل في قصف جوي أميركي في 2001، اليمني أبو علي الحارثي تم القضاء عليه في 2002… الخ.

لكن في المقابل هناك أنور العولقي لا يزال حرا طليقا، والذي إعتبره مايكل لايتر مدير المركز الوطني الأميركي لمكافحة الإرهاب من أن العولقي يشكل أكبر خطر على أميركا، وهذا الذي دفع صحيفة “كومسومو لسكايا برافدا” الروسية في شهر فيفري 2011 إلى القول من أن العولقي أزاح بن لادن من عرش الإرهاب الدولي.

هذا ماقاله لي سيف العدل !!

المكنى “سيف العدل” الذي ذهبت مصادر مختلفة إلى أنه الرجل الثالث في القاعدة، وقد أشارت صحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية من أن بن لادن قد عينه قائدا جديدا لعمليات التنظيم والحرب ضد الإرهاب. وتعتبره الولايات المتحدة من أبرز العشرة في قيادة القاعدة وأدرجت مكافأة مالية تقدر بخمسة ملايين دولار لمن يساعد على توقيفه أو إغتياله، ويتردد في المواقع الجهادية أنه الرجل الثقة في التنظيم.

تقول الولايات المتحدة من خلال نشرات البحث، أن إسمه الحقيقي محمد إبراهيم مكاوي من مواليد مصر في 11 أفريل 1960 أو 1963.

في 27 أكتوبر 2010 تلقيت رسالة إلكترونية عبر موقعي الشخصي في شبكة الأنترنيت، وقد كان مصدرها من الشمال الباكستاني حسب تقنيات خاصة، ومما جاء فيها (أنا أخوكم محمد إبراهيم مكاوي الضابط المصري السابق بالقوات الخاصة  والموسوم من جانب الولايات المتحدة بممارسة الإرهاب الدولي ، والمزجوج به  زوراَ وبهتانا ضمن أعضاء ما تسمى بالقاعدة المزعومة، لتتبيل العملية  المفضوحة بالخبرة والاحتراف).  وعن علاقته بشخصية “سيف العدل” الذي يتواجد حاليا في الإقليم الباكستاني “وزيرستان الشمالية” كقائد عسكري لـ “القاعدة”، حدثني مكاوي بهذا الخصوص في رسالته: “أؤكد على أنني لست ذلك الشخص الذي  يسمى نفسه  بسيف العدل”. ثم يضيف في هذا السياق متهما “سيف العدل” من أنه “نشر كتابات لي  كان قد  سرقها  منى صهره عام 1990 في إسلام أباد”، ثم وجه أصابع الاتهام بخصوص ما يلاحقه، لصحفيين ذكر منهم أردنيين يدعان بسام البادرين وحسين فؤاد، كما أشار إلى رئيس تحرير صحيفة “القدس العربي” عبد البارى عطوان، ومن دون أن يذكر أي تفاصيل بخصوص هذا الأمر.

كما جدّد المدعو مكاوي في رسالته لي إنكاره لعلاقاته مع “القاعدة” ونشاطاتها، وعن أحداث 11 سبتمبر 2001 التي كانت بداية مطاردته من قبل المخابرات الأميركية، فقد علق عليها قائلا: (وأكرر التأكيد على أنني  لا تربطنى  أي علاقة بما تسمى القاعدة ونشاطاتها  وان حادث 11/09  حادثاً مدبراً مسموحاً بتمريره  وما تبعه من إعلان ما تسمى بالحرب العالمية على ما يسمى الإرهاب الإسلامى ما هي إلا ذريعة صهيواميركية  لمهاجمة مواقع جيوبولوتيكية وجيواستراتيجية  بعينها في إطار مشاريع المحافظين الجدد ونظامهم التوراتى الدولى الجديد  للهيمنة على العالم تحت مقولة القرن الأميركي الدولي الجديد  وان 11/09  ذلك  الحادث  المدبر كانت وكالات المخابرات الأميركية  تعلم به منذ عام 1993  ولم تقم بأي إجراء لمنعه بل سهلت حدوثه بالتعاون مع بعض أطراف إقليمية أخرى متورطة معها الآن في حربها الدينية القذرة على الإسلام والمسلمين في كل من العراق وأفغانستان واليمن والصومال).

قمت بنشر محتوى رسالته في موقعي الشخصي، بعد أيام قليلة قام بمراسلتي مجددا ولكن من موقع آخر في شمال باكستان أيضا حسب رقم الأيببي الخاص به، وراح يتهمني من أن جهات ما حرضتني على شخصه، وأنني أخدم في أجندة الإستخبارات الأميركية، لأنه صحيح يعيش في باكستان ولديه تجربة جهادية ولكن ليس هو “سيف العدل” الذي تزعمه الولايات المتحدة، ومما قاله حول تاريخ الميلاد الذي أدرجته الولايات المتحدة في مذكرة البحث وعن رتبة العقيد الذي يقال عنه: (فانا لم أؤكد لك او لأي أحد آخر غيرك أنني من مواليد مطلع الستينات ولا الواقع ولا الحقيقة تؤكد افتراءك هذا لسبب بسيط أنني اُحلت الى التقاعد في يوليو عام 1987 على اثر القبض علي واتهامي في القضية رقم 401/87  حصر امن دولة عليا التي كنت المتهم الرئيسي والأهم فيها والمعروفة باسم اعادة تنظيم الجهاد ومحاولة قلب نظام الحكم، وبعد ان فشل النظام المصري الخائن في إدانتي اكتفوا بإحالتي الى التقاعد. وهذا يعنى طبقاً لمزاعم (اف بي اي ) و بزعمك ان عمرى كان آنذاك 27سنة في حالة أنني ولدت عام 1960  أو24 سنة في حالة انى ولدت عام 1963 طبقاَ لما هو مذكور في مذكرة ( اف بي أي) واسألك فهل سمعت او رأيت عقيداً او مقدماً او حتى رائداَ عمره يتراوح ما بين 27 عاماً او 24 عاماً وانت كما تقول او تزعم ضابط سابق وتعرف ان هذا مستحيل حيث ان متوسط سن اتمام الدراسة الثانوية او أي شهادة اخرى لأى فرد حول العالم للتأهل لدخول الجامعة هو12 عاماً دراسياَ.

ومتوسط سن اي طفل حول العالم للتأهل لدخول المدرسة الابتدائية يتراوح ما بين 4 او 6 سنوات وهذا يعنى ان الشاب المؤهل لدخول الجامعة او الكليات العسكرية يتراوح عمره ما بين 16 عاماَ الى 18 عاماً في المتوسط في حالة عدم رسوبه او تعثره في أي من جميع مراحل تعليمه وبإضافة سنوات الدراسة بالكلية العسكرية الى هذه الأعمار يكون عمر الضابط المتخرج من الكلية العسكرية برتبة ملازم ثاني تحت الاختبار يتراوح ما بين 20 الى 22 عاماً وبعملية حسابية بسيطة يكون العقيد المزيف سيف العدل  الذى تدعى الولايات المتحدة كذباً انه عقيد بالقوات الخاصة المصرية وتريد انت ان تثبت انه نفسه العقيد محمد ابراهيم مكاوى بالافتراء قد وصل الى رتبة العقيد خلال 5  أعوام في حالة انه مولود عام 1960 او 7  سنوات فقط لا غير في حالة انه مولود عام 1963 وهذا مستحيل لان الضابط الخريج كما تعلم يظل تحت الاختبار لمدة عامين حتى يرقى الى رتبة ملازم اول فاذا انقضت سنتي تثبيت الضابط الخريج هذين تبّقى من سنوات خدمة العقيد المزيف سيف العدل المزعوم بعد تثبيته 3 او 5 سنوات فقط وصل خلالها الى رتبة العقيد بسطوة اكاذيب الاجهزة الامنية الاميركية والدولية الموالية لها وبالإرهاب الفكري الذى تمارسه ترسانتها الاعلامية المسمومة، المسموعة والمكتوبة والمرئية، ومراكز دراستها ساقطة العدالة ومفكريها اللأخلاقيين والمحسوبين عليها العملاء وصحفييها الجواسيس على الرأي العام او بالأحرى طبقاً للوائح الخدمة العسكرية المعمول بها في نظامها التوراتي الدولي الجديد، ومن هذا نستطيع ان نثبت بما لا يدع مجالاَ للشك ان المدعو سيف العدل  لا هو عقيدٌ ولا هو مقدمٌ او حتى رائداَ او نقيباً وان قصته ملفقة).

“سيف العدل” لا يزال أمره غامضا إلى حد الآن قد تنكشف لاحقا بعد بن لادن لحسابات ما، والغريب أنه بعد الرسالة المذكورة بعث لي أخرى يهددني فيها بالقتل والتصفية الجسدية مادمت لم أدافع عنه، وأحد المتابعين للشأن القاعدة بفرنسا أكد لي أن مصالح المخابرات الفرنسية لا تصدق أبدا ادعاءات أميركا فيما يخص بن لادن والمقربين منه.

الحقيقة والخيال على خطى بن لادن

بلا شك أن الصراع على القيادة والذي استفحل أمره في السنوات الأخيرة ظهر للعيان، وتثبته عمليات التوقيف والتصفية التي تطال الأسماء البارزة من حين لآخر وتهتم بهم أميركا كثيرا، ولا أستبعد تصفية العولقي في الأيام القادمة وفي ظل حمى الثورة اليمنية خاصة لتضاف لرصيد أوباما ونظام عبدالله صالح المحتظر. أما الظواهري فلا يزال شأنه قائما وهو الذي يسجل حضوره الدائم في كل الأحداث بل وصل الأمر لمحاورته على الشبكة العنكبوتية وأجاب على أسئلة القراء والمتابعين كما يفعل مشاهير الفن والثقافة، من دون خوف أو تردد وهو الذي تقول أميركا أنها تطارد حبات الغبار من أجله.

بن لادن سجل غيابه منذ فترة ولم يظهر إلا في بعض الرسائل الصوتية المحدودة آخرها رسالة منسوبة إليه عنوانها “من أسامة إلى أوباما”، وأيضا رسالة أخرى موجهة لساركوزي حول الرهائن المختطفين في الساحل الإفريقي، وهي التي عدّت لدى المهتمين بالشأن أول مباركة من بن لادن لما يسمى “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، ولكن ظلت هذه الرسائل في إطارها الإعلامي فقط، ولم تسبب صداعا للجهات المعنية بها كما هي العادة خاصة في الفترة التي أعقبت 11 سبتمبر 2011، عندما يطلق بن لادن تهديدات لجهات ما.

نهاية بن لادن سواء بالقتل أو التوقيف تعتبر في غاية الأهمية للأميركيين وللعالم كما صرح المسؤولون والخبراء، نذكر مثلا السفير الأميركي في كابول كارل ايكنبيري في جلسة استماع في الكونغرس في ديسمبر 2009، الذي أكد أن ذلك أولى الأولويات. ويوجد أيضا من يرى أنه قد قتل في قصف أميركي منذ سنوات مثل أيمن الفايد، المستشار الإعلامي السابق والمؤرخ السياسي لـ”القاعدة”، وأن الأشرطة التي تعرض بصوته تتم فبركتها وتركيبها من طرف جهات ما. وفي السياق نفسه نجد أيضا عضو الكونغرس الأميركي، كورت ويلدن، الذي أعلن في مارس 2006 أن بن لادن توفي في إيران، لكن بعد ذلك ظهر له تسجيل صوتي جديد يتحدث فيه عن أوضاع الشرق الأوسط.

في حين جاء إعلان السعودية في 24/09/2006  أنه “لا يوجد لديها دليل على وفاة أسامة بن لادن، مثيرة بذلك شكوكا كبيرة في وثيقة سرية تسربت في فرنسا وقالت إن المخابرات السعودية تعتقد أنه توفي الشهر الماضي” ـ أي في أوت 2006 – حسب ما نقلته وكالة رويترز للأنباء.

كما راجت أخبار مختلفة عن أماكن تواجده، وآخر ما يمكن ذكره هو محتوى المقابلة التي أجرتها قناة “السي أن أن” الأميركية خلال شهر أكتوبر 2010 مع عضو بحلف الناتو الذي إشترط عدم ذكر إسمه، والذي أكد أن بن لادن يعيش بسلام في منطقة تقع بشمال غرب باكستان وأنه يتلقى الحماية من طرف بعض عناصر الإستخبارات الباكستانية، وهو الذي نفته إسلام أباد جملة وتفصيلا ولم تعلق عليه واشنطن، بل ذهبت إلى أنها لا تملك أي أدلة عن وجوده بأراضيها. وتشاء الصدف المثيرة للشبهات حتما أن أميركا أعلنت عن مقتله في منزل يقع في أبوتاباد على مسافة 80 كم من العاصمة الباكستانية، وبالشمال الغربي لباكستان مما يعضد تسريبات وتمهيدات عضو حلف الناتو منذ أشهر كما ذكرنا.

لعل البعض يتساءل عن السبب الذي دفع الولايات المتحدة إلى عدم بذل أي جهد حتى تقبض على اسامة بن لادن حيا إن صحت الرواية المروج لها عن مقتله، وخاصة أنها ظلت تثير الرعب وتتهمه بقيادة شبكات في أوروبا والقارة الأميركية من أجل تنفيذ اعتداء آخر لا يقل عن شأن أحداث 11 سبتمبر، بل جهات أخرى تقول أنه يخطط لإمتلاك اسلحة بيولوجية وكيماوية. فحرص أميركا إن أرادت الإستثمار في معلومات بلا شك ستدفعها إلى السعي من أجل القبض عليه حيا وتقديمه للتحقيق والمحاكمة وحتى التباهي بإنجازها من خلال ذلك، وقد اشار مدير “السي أي ايه” في جلسة للجنة الإستخبارات بمجلس الشيوخ في 16/02/2011 من أنه في حال القبض على بن لادن والظواهري سيتم نقلهما إلى قاعدة باغرام من أجل التحقيق معهما وبعدها ينقلان إلى غوانتانامو.

مادامت تعرف مكان تواجده وتأكدت من ذلك، فهي تملك من التكنولوجيا العلمية ما يجعلها تشل أعصابه بغازات متطورة تتسرب مع الهواء الذي يصل لرئتيه، ومنه يتم القبض عليه حيّا، ولا أظن مطلقا أن ذلك سيفوت الذين كلفوا بالمهمة وخاصة أن الهدف هو أسطورة اسمها بن لادن.

ويزيد الأمر إثارة، أن أميركا تحدثت عن معلومات تحصلت عليها حول مكان تواجد بن لادن في شهر أوت 2010 وتأكدت منها في فيفري الماضي، أي بفترة قليلة من تصريحات عضو حلف الناتو الذي كشف عن مكان تواجد بن لادن. المخابرات الأميركية تقول بأن الوصول للرجل كان عن طريق هوية المراسلين الموثوقين عنده وفرها أحد المعتقلين بغوانتامو وهذا بلا شك يراد منه تبرير الإبقاء على المعتقل مفتوحا لدى الرأي العام عكس ما وعد به الرئيس أوباما قبل دخوله للبيت الأبيض، فهل من غير الممكن توقيف بن لادن حيا خاصة أنه لا يتوفر على جيش ولا يتحصن بمنطقة صعبة ولا سكن في أحشاء الأرض بل ظهر بمنتجع قرب قاعدة عسكرية باكستانية، بدل قتله وبهذه الصورة التي بلا شك ستحوله إلى قديس لدى أتباعه وقد يكسب أنصارا جددا ينتقمون له؟ !!

والأكثر غرابة أن أميركا التي علمت بمكان بن لادن منذ عشرة اشهر وقادت عملية عسكرية مدعومة بالطائرات العمودية وعناصر الجيش، وقامت بقتل أشخاص لأجل ذلك، سارعت لإرسال الحمض النووي من أجل فحصه والتأكد من هويته. فهل هذا يعني أن المعلومات الإستخباراتية التي توفرت مشكوك فيها؟ وكيف للرئيس أوباما يعطي الضوء الأخضر لعملية ضد شخص مطلوب عالميا ومن دون التأكد التام من صحتها؟ ماذا لو كان هؤلاء الأشخاص لا علاقة لهم بالإرهاب وتعلق الأمر بمدنيين مثلا؟ !!

عورات باكستان

من جهة أخرى أن الرئيس الأميركي أوباما حسب ما تناقلته وسائل الإعلام، قد إتصل بنظيره الباكستاني ليعلمه بمقتل بن لادن في عملية عسكرية سرية بالقرب من عاصمته إسلام أباد، فهذا الأمر فيه 4 إحتمالات خطيرة للغاية:

أولا: أن باكستان لم تعرف مطلقا بالقضية ولا لديها أدنى معلومات، وهو ما لا يمكن قبوله فالأمر يتعلق بشخص من العيار الثقيل والعملية عسكرية واستخباراتية معقدة بلا أدنى شك، وفي هذا الإطار نجد قراءتين لا ثالث لهما، فإما أن الأمن القومي الباكستاني مستباح لهذا الحد حيث تتحرك أميركا كأنها على أرضها تقتل من تريد وتفعل ما تشاء، أو أنه تم التنسيق مع جهات إستخباراتية باكستانية من دون علم الرئيس آصف علي زرداري وهذا أيضا لا يمكن قبوله في دولة نووية وموقعها استراتيجي للغاية، وربما هي العناصر الإستخباراتية التي وجهت لها من قبل أصابع الإتهام برعاية وحماية بن لادن.

ثانيا: الإحتمال الآخر الذي قد يخطر بالبال، أن بن لادن قد قبض عليه حيا وتم نقله إلى أميركا وهناك جرى إستنطاقه وتعذيبه وبعدها تمت تصفيته حتى يصدق التنظيم أن الرجل قتل في المواجهة ولا يتم تغيير المواقع بالنسبة لقادتها كالظواهري أو المخططات التي تود القاعدة تنفيذها مستقبلا وأجبر بن لادن على البوح بها تحت تأثيرات التخدير أو أشياء أخرى.

ثالثا: أن الحادثة استعراضية فقط قامت بها المخابرات الأميركية من أجل التمويه والتسويق لحادث لم يقع أصلا، وأن بن لادن ميت منذ سنوات وأميركا تستثمر في عمامته من أجل تنفيذ أجندتها في المنطقة فقط، وجاء الوقت المناسب لطي الصفحة على هذا النحو الذي لا يضع أميركا تحت طائلة المساءلة.

رابعا: أن أميركا قامت بعملية أخرى على التراب الباكستاني تتعلق بتصفية اشخاص آخرين ربما يكونون من الباحثين المتخصصين في الأسلحة الجرثومية أو الذرة أو أنهم مختصون في تطوير اسلحة بيولوجية لا تملكها حتى الولايات المتحدة، أو ربما عملاء سابقين للمخابرات ممن تقتضي الضرورة بإنهاء خدمتهم، ولهذا من غير المعقول أن تعلم السلطات الباكستانية بذلك إلا بعد التنفيذ.

 

بلا أدنى شك أن الأمر يختلف عن الرواية المسوق لها، وإلا فأميركا أثبتت مرة أخرى أنها تستبيح أمن الدول، وتحولت للعمل البلطجي لخدمة مصالحها برغم شعارات الإصلاح التي رفعها ورافع لها أوباما، وباكستان تعتبر من أبرز الدول النووية التي تعايش ظروفا استثنائية من التصفيات والاغتيالات والتفجيرات والصراعات الطائفية والقبلية والتي أكيد لأميركا دور فيها مادامت قد أثبتت بقصة مقتل بن لادن أنها تتحرك عسكريا وأمنيا واستخباراتيا ومن دون أن تدري السلطات هناك، بل أنها تتحالف مع الأجهزة خارج الأطر الرسمية ولتنفيذ أجندات بينها القذرة حتما.

ولجثة القتيل سيناريوهات أخرى

أمر آخر شديد الأهمية أن أميركا لم تظهر صور بن لادن سوى تلك التي بثها الإعلام الباكستاني وتبين أنها مفبركة، وزادت الطين بلة عندما أعلنت دفنه في البحر لأنها لم تجد مكانا له في العالم العربي والإسلامي، بالرغم من أن العملية تمت في 01 ماي وأعلن عنها في أميركا بوقت متأخر في العالم العربي حيث نجد الكل يغط في نوم عميق، فترى متى إتصلت أميركا بالرؤساء العرب والمسلمين من أجل دفن رفاته في هذا الوقت القصير جدا؟ لماذا لم يعلن البيت الأبيض عن الدول التي تحدث إليها أوباما من أجل الدفن؟ هل الإتصالات سرية للغاية؟ لماذا لم تعلن أي دولة عربية وخاصة السعودية أنها تلقت طلبا أميركيا لدفن إبنها؟ ومادامت أميركا التي تحدت مشاعر العالم الإسلامي واعدمت صدام حسين صباح عيد الأضحى، حريصة على أن يدفن بن لادن حسب الطقوس الإسلامية، فهل يا ترى استفتت العلماء في حكم رمي رفاة ميت بأعماق البحر أو المحيط؟ لماذا السرعة في التخلص من جثة الميت في حين توجد جثث أخرى لأناس عاديين تبقى اشهرا بالثلاجات من أجل التشريح والتحقيق؟ !!

إن عدم نشر صور جثة بن لادن سواء كان لسبب لا نعلمه أو آخر في حكم الإحتمال، من مثل انه إستحالت إعادة ترميم ملامحه بعدما تمزقت لأشلاء بسبب القصف العنيف أو أنه مجرد عظام نخرة، وأن إظهاره بشكل قريب قد يعضد الشكوك في صحة الرواية. وأميركا التي استطاعت أن تعيد بعض ملامح عدي وقصي بعد مقتلهما في العراق وعرضتهما على مرأى وسائل الإعلام في وقت قياسي، ترى هل عجزت في ذلك مع جثة بن لادن الذي هو أكثر أهمية من عدي وقصي وحتى أبيهما صدام حسين؟ وطبعا ذلك سينسف القول بأنه تلقى رصاصة أو رصاصتين في الرأس، والتي تعني أن عناصر القوات الخاصة “سيلز” تمكنوا من التسلل للغرفة المحصنة ووجهوا فوهات البنادق لرأس الرجل الذي يقيم في بيت لا نوافذ له وبني خصيصا في 2005 كمخبأ للمطلوب الأول عالميا، وعجزوا في إستعمال غازات لشله، إلا إذا كان قد فضل الإنتحار بدل أن يقبض عليه، وسبق وأن أشيع أنه يتحرك بحزام ناسف أو أعطى تعليمات لحرسه بقتله إن تأكدوا من وقوعه في الأسر كما روى ناصر البحيري وكنيته أبوجندل وهو الحارس الشخصي لبن لادن.

إن سلمنا جدلا بصحة الرواية، فعدم تسليم جثته لأي بلاد أخرى فيه سر خطير ومهم، ويراد أن يدفن الأمر معه حيث قدر له، فالطب تطور ويمكن من خلال ذلك التأكد من تاريخ الوفاة والطريقة التي تم بها ونوع السلاح المستعمل، بل حتى التأكد من هوية الجثة إن كانت لأسامة بن لادن أو غيره. كما أن المعني الأول بجثة بن لادن هي المملكة العربية السعودية بالرغم من تجريده من جنسيته إلا أن العرف القبلي ربما له شأن آخر، والتي بلا شك ستقوم بكل الإجراءات الطبية اللازمة، وأميركا بالتأكيد لم ترغب في أن تضع عنقها تحت سيف آل سعود، حتى لا تتعرض للإبتزاز مستقبلا فيما يخص هذا الملف المصيري، وخاصة أنها تناصر الإصلاحات في البلاد. فالقول بأن يتحول قبره لمحج لا أساس له وخالي من الموضوعية لأن السعودية تدين بالمذهب الوهابي الذي يحرم إتخاذ القبور مساجد والتمسح والتبرك بها يعد من الشرك، وهي التي لم تجعل من ضريح الرسول الكريم ولا صحابته مزارات للتقرب والتعبد والتصوف، فكيف ستقبل بتغير الأمور مع بن لادن الذي تجرمه القوانين وتعتبره بعض الفتاوى من الخوارج؟ !!

الزرقاوي قتلته أميركا في العراق وأظهرت صورته في اليوم الأول وأثار بدوره جدلا حول دفنه، حيث تخوفت إدارة بوش حينها من أن دفنه في الأردن سيزيده شعبية أو يتحول لمزار يحفز المتعاطفين على مقاتلة مارينزه، وبقي جثمانه فترة تحت حراسة مشددة، وزاد الأمر تعقيدا عندما رفض الملك الأردني الطلب الأميركي. فقد قتل الزرقاوي في 07/06/2005 ولم يدفن في مكان ما بالعراق إلا في 28/06/2005 أي بعد أكثر من عشرين يوما، فلماذا لم تحتكم أميركا للشريعة الإسلامية وتسارع بدفنه كما جرى مع بن لادن الذي لم تتحدث وسائل الإعلام لحد كتابة هذه السطور عن تواصل جرى بين الرياض وواشنطن بشأن الدفن كما فعلت مع عمان؟ لماذا لم تعلن دفنه في دجلة والفرات؟ !!

إن أميركا بلا شك مهدت لإنسحابها من أفغانستان بعد الضربات الموجعة التي تتلقاها من طرف طالبان وغرقها في المستنقع العراقي، ولذلك سارعت لتأكيد القتل وإخفاء كل الأدلة حتى لا تنكشف التفاصيل عن العملية الحقيقية، وخاصة أن الظواهري لم يظهر والمعروف عنه تواجده دوما مع زعيمه. ومما يطرح الكثير من نقاط الإستفهام هي عزلة بن لادن في هذا المقر وبعيدا عن حماية طالبان كما هو معتاد في القتال بأفغانستان منذ الثمانينيات حيث يتمركز العرب في شعاب معقدة وتحت حماية المقاتلين الأفغان، والتي يشهد الميدان بقوتها العسكرية ومدى سيطرتها على أماكن تمركزها ووجودها. من جهة أخرى تطرح بشدة طبيعة العلاقة بين طالبان والقاعدة في ظل حديث عن المفاوضات السرية التي تقوم بها أميركا معهم من أجل العودة للمشهد السياسي الأفغاني وهذا ما أشار إليه الرئيس كرزاي من قبل، وبالتأكيد أن الخلاف الوحيد القائم بينهما هو أسامة بن لادن، وخاصة أن بعض الشواهد تشير إلى أن طالبان قد أخذت بجدية مسألة تسليم بن لادن من أجل المحاكمة بشرط أن تكون عادلة ونزيهة، إلا أن أحداث 11 سبتمبر 2001 نسفت كل شيء، وقوّت من تماسك العلاقة بين الطرفين نكاية في واشنطن التي غزت بلادهم.

على طريقة باراك أوباما

إن ما يمر به العالم العربي والإسلامي من ثورات شعبية جعلت أولويات الإدارة الأميركية تتغير كثيرا جدا، ودفع إلى ابعاد بن لادن من المشهد وفق هذه الصورة، بل غدى الأمر من الضروريات التي وجب أن تنفذ. موته قد وقع لا محالة سواء بسبب المرض كما أشيع وقد سبق وأن أشارت صحيفة “ليست ريبيبليكان” المحلية الفرنسية، إلى احتمال وفاة زعيم تنظيم “القاعدة” أسامة بن لادن في مكان ما بالجبال ما بين أفغانستان وباكستان جراء إصابته بحمّى التيفوئيد. وكانت الصحيفة إستندت في تقديم هذه المعلومة المثيرة إلى وثيقة صادرة عن جهاز الاستخبارات الفرنسية التابعة للإدارة العامة للأمن الخارجي. الوثيقة أشارت إلى أن مصادر أمنية أوضحت أن العزلة الجغرافية لابن لادن بسبب فراره المستمر حالت دون تلقيه أيّة مساعدة طبية لازمة، في الوقت المناسب. وقد أكد حينها الرئيس الفرنسي الأسبق، جاك شيراك، وجود هذه الوثيقة، ولم ينفها، غير أنه لم يؤكد خبر الوفاة تحديداً.

أو ربما قد توفي في غارة جوية ولم تتمكن أميركا من الوصول لجثته وعندما تأكدت من خلال العثور على بقاياه عبر معلومات مؤكدة عن قبره وفرتها العناصر المتطرفة التي تم إطلاقها من غوانتانامو حسب تسريبات ويكليكس الأخيرة، وهذا بلا شك من أجل تقفي اثرها أو استعمالها في اشياء أتفق عليها مسبقا أو حتى أن المفرج عنهم يعتقدون بنجاتهم من الأسر بتوفيق من الله، مما يدفعهم للتحرك من دون حرص أو حذر ماداموا أفلتوا من غوانتانامو وراوغوا أميركا.

لقد لاحظت أن بعض الفضائيات سارعت إلى نقل إنطباعات سكان بنغازي عن مقتل بن لادن، بالرغم من أن الأولى هم الأفغان والباكستانيون المهددون برد فعلي قوي، وبدى كأنه إمتحان من خلاله يجس نبض الشارع لمعرفة ما يفكر هؤلاء فيه تجاه تنظيم القاعدة وزعيمه. بلا شك أن أميركا تعلم أن الإيديولوجية الجهادية في تنامي مستمر في ظل استمرار الاحتلال الصهيوني لفلسطين وهو الذي لن تقدر على حله سواء بخيار الدولتين أو بالمفاوضات أو بأشياء أخرى، لأن الأمر يتعلق بالقدس التي لها مكانة خاصة وكبيرة في العالم الإسلامي. وأيضا الوضع في العراق والدماء التي نزفت بسبب الاحتلال الأميركي، إلى جانب ما يجري الآن في ليبيا والذي أعتبر عند الكثيرين هو مجرد فصل آخر من الحروب الصليبية التي تستهدف دولة مسلمة وآمنة.

إن أوباما راهن على هذا الأمر لاعتبارات خارجية بينها التي ذكرنا، ولكن في الوقت نفسه لديه رهانات داخلية خاصة انه تعرض لانتقادات لاذعة من الجمهوريين وأطراف أخرى، تتهمه بالضعف فيما يتعلق بالأمن القومي الأميركي، وراحت شعبيته تتدهور مع مرور الوقت والرجل أعلن ترشحه لعهدة ثانية، فبلا شك أنه سيخدمه كثيرا الإعلان الرسمي ومن طرفه شخصيا عن مقتل أسامة بن لادن الذي صوره الإعلام الأميركي بالشيطان وحمله كل الشرور بالرغم من أن أدلة تورطه في أحداث 11 سبتمبر لا تتعدى تسجيلات صوتية تنسب له، ولا يوجد دليل مادي يعتد به قانونا يفيد أن القاعدة تقف وراء العملية، بل تزايدت القناعات أن الأمر دبر بليل في إطار مؤامرة نسجها المحافظون الجدد. وأعتقد أنه لو قبض على بن لادن حيا وتوبع قضائيا من طرف عدالة نزيهة قد تفضي إلى براءته من الأحداث وهذا الذي سيقلب أميركا رأسا على عقب، كما هو الشأن بالنسبة لمعتقلي غوانتانامو الذين لم تجرؤ أميركا على محاكمتهم علانية وتحت أنظار الصحافة الدولية.

الأزمة الاقتصادية العالمية التي واجهت أوباما في بداية حكمه قللت من حظوظ الديمقراطيين ووضعتهم على المحك، بل جعلت المتابعين للشأن يجزمون أن الرئيس لن ينال عهدة ثانية في ظل انتشار النقمة الأميركية الداخلية من البطالة والغلاء وعدم الاستقرار والركود، فضلا عما تكبده مكافحة الإرهاب للخزينة العمومية من الملايير على حساب مطالب مهمة، ومن دون تحقيق إنجازات ملموسة تتمثل أساسا في القضاء على بن لادن والملا عمر أو توفير الأمن من تهديدات القاعدة التي تطلق من حين لآخر، ووقعت حتى محاولات تنفيذ عمليات بينها التي أخفقت في اللحظات الأخيرة وأخرى نجح أصحابها في ضرب العمق الأميركي، كما جرى مع محاولة تفجير طائرة ديترويت، دفعت أوباما للاعتراف بالفشل الأمني في 29/12/2009. وأيضا نذكر العملية الانتحارية التي قام بها الأردني همام خليل أبوملال البلوي، وكنيته “أبو دجانة الخراساني” في خوست، وادت إلى مقتل أبرز عملاء الاستخبارات الأميركية في أفغانستان، وتعد ضربة تلقاها الجهاز الأميركي لم يسبق لها مثيل.

لقد ارتفعت أسهم اوباما وزادت شعبيته في اللحظات الأولى لإعلانه عن مقتل أسامة بن لادن، ظهرت حتى من ملامحه وهو يسوق الخبر للأميركيين والعالم، بل ارتفعت أسهم بورصة نيويورك وتراجعت أسعار النفط وارتفع سعر الدولار، مما سيقوي حظوظه للرئاسيات المزمعة في نوفمبر 2012.

ان الشكوك ستظل قائمة في قصة مقتل بن لادن، وكلما طالت الأيام ستزداد أكثر ولا يمكن أن تدحضها الصور التي ربما ستبث لاحقا مادامت البداية تخللتها نقاط ظل كثيرة وشابتها علامات استفهام قصوى، فالشعوب صارت تشكّ في كل شيء، فقد رأينا فيديوهات إعدام صدام حسين بالصوت والصورة في يومها الأول من ديسمبر 2006، وبالرغم من كل ذلك راودت الشكوك الناس عندما ظهر تسجيلا صوتيا يقترب كثيرا من صوت صدام في أفريل 2011 جعله ينتشر كالنار في الهشيم، والسبب الرئيسي في كل ذلك أن الشعوب العربية لا تصدق أميركا سواء تعلق الأمر ببن لادن أو بغيره، وسواء كان الجمهوريون في الحكم أو كان الديمقراطيون ينشدون ود العالم الإسلامي.

 نهاية على إيقاع هوليود

أعتقد أن نهاية بن لادن على الطريقة الهوليودية التي إختارتها أميركا في إنتظار رواية القاعدة التي لم تتحدث إلى لحظة تحرير هذه السطور، ستعزز بلا شك السلفية الجهادية وترفع أسهم الكراهية للأميركان وخاصة أن ما يسعد اميركا لا يعني حتما أنه يحزن المتطرفين والغلاة والإرهابيين فقط. وإن كان بن لادن غير مرغوب به في عالمنا العربي من قبل بسبب جرائم القاعدة في العراق والجزائر والمغرب وموريتانيا وغيرهم، لشأن آخر ستحولها هذه الشكوك التي أثارتها إدارة أوباما حوله، وتجعل من كل ما مضى مجرد مخططات تقف وراءها الولايات المتحدة التي لا يمكن لأي كان أن ينفي دورها في صناعة نجم بن لادن الذي أدى دورا فعالا للأجندة المتفق عليها وتكفلت السعودية بتنفيذها وتتعلق بتكسير شوكة السوفيات والتي بدأت بالخروج من أفغانستان وإنتهت إلى تفتيته ونهاية الثنائية القطبية لينطلق العصر الأميركي بإمتياز. وزادت في شهرته من خلال الأحداث التي مرت والمطاردة الغريبة والمثيرة، ودعمته أكثر لما أعلنت وفاته على هذه الطريقة الأوبامية، وبهذا يكون البيت الأبيض قد خدم “عدوه الأول” حيا وميتا.

لقد إحتفل الأميركيون عام 1949 بإغتيال حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان، أدى ذلك بسيد قطب المتواجد حينها بمستشفى في الولايات المتحدة، إلى التحول من أديب علماني إلى منظر للجهاديين وصاحب نظريات قرآنية وفلسفة دينية لا تزال تحرك العالم الإسلامي من خلال مؤلفاته مثل “في ظلال القرآن” و”معالم في الطريق”. وبالرغم من الإختلاف بين الزمانين والمكانين والشخصيتين، فقد احتفل الأميركيون أيضا بالإعلان الرسمي عن تصفية أسامة بن لادن وبلا شك ستفرخ ذلك ليس سيد قطب واحد بل عدة أقطاب أخرى للفكر الجهادي والسلفية الثورية التي تنشط في العالم عبر شبكات عنكبوتية بينها الأبيض وبينها الأسود وتوجد الرمادية كذلك، وخاصة أن العالم العربي الآن ليس كالماضي حيث صار يكره أميركا لحد التطرف بسبب جرائمها في العراق وفلسطين ودعمها اللامحدود لإسرائيل على حساب الشعوب الإسلامية المضطهدة.

أميركا التي أعلنت قتل بن لادن فهي بلا شك تنهي ورقة كانت تستعملها كبعبع من أجل فرض أجندتها وفق مقاربة "محور الشر" التي نظّر لها المحافظون الجدد ونفذها بامتياز الرئيس الأسبق جورج بوش، والآن المعايير والمشاهد تغيرت ولا مكان لرجل اسمه بن لادن سواء كان حيا مطاردا ومجهول المكان أو قتيلا قيل أنها دفن في شمال بحر العرب… والأيام كفيلة بكشف المستور في ظل المشاهد الأخرى القادمة عن نهاية الخليفة المحتمل أيمن الظواهري أو أنور العولقي وعبدالمالك درودكال وغيرهما من الجيل الجديد.

* أنور مالك

كلمات دليلية :