عندما تم دفن "الرأي و الرأي الآخر"

عندما تم دفن
الأربعاء ٢٥ أكتوبر ٢٠١٧ - ٠٦:٣٨ بتوقيت غرينتش

كلنا يتذكر بداية عام 1996 عندما اطلت علينا قناة “الجزيرة” القطرية بشعارها الجميل “الرأي والرأي الاخر”، حيث بات المشاهد العربي يرى ولأول مرة آراء لم تكن تطرح على قناة عربية، لأنها كانت من المحظورات، كتناول قضايا خاصة بالحكام العرب، والتي كانت من الخطوط الحمراء في الاعلام العربي.

العالم - مقالات

كما تحولت “الجزيرة” حينها الى نافذة طل من خلالها المسؤولون “الاسرائيليون” على المشاهد العربي، وهم يدافعون عن “اسرائيل” ويبررون عدوانها المستمر على الفلسطينيين والعرب والمسلمين، باعتبار ما يتم طرحه هو “راي آخر”، ولابد ان يُسمع.

نجحت “الجزيرة” في ان تجتذب اهتمام الشارع العربي، بعد ان تحولت الى “القناة العربية رقم واحد”، لا يمكن الاستغناء عنها لمعرفة ما يجري في بلداننا ومنطقتنا، وبات ما تقوله هو “الخبر اليقين” الذي لا تشوبه شائبة.

وصمدت قطر امام الضغوطات التي مورست ضدها من قبل الحكومات العربية وفي مقدمتها الخليجية حتى وصل الأمر الي حدوث أزمات سياسية كادت ان تعصف بالعلاقة بين قطر وشقيقاتها، و بررت قطر حينها عدم ممارستها الضغوط على “الجزيرة” احتراما ل”الراي والراي الاخر”، وانها لا تملك سلطة على “الجزيرة” فالقناة هي منبر حر يمكن لاي كان ان يظهر على شاستها ويقول ما يحلو له دون اي رقيب.

 تمر السنون و”الجزيرة” متمسكة بشعارها “الراي والراي الاخر”، حتى اندلعت “ثورات الربيع العربي”، التي كانت “الجزيرة” منبرا من منابرها واحد ملهميها، فقد اختارت “الجزيرة” الى ما يشبه غرفة عمليات تقود “الثورات” ضد الحكام العرب لاسيما ضد الرئيس المصري حسني مبارك والزعيم الليبي معمر القذافي.

اكبر تحد واجهته “الجزيرة” كان تناولها التطورات التي شهدتها ليبيا والتي انتهت بمقتل القذافي بتلك الطريقة البشعة، فقد وضعت “الجزيرة” شعار “الراي والري الاخر” جانبا، وتبنت الرؤية الغربية الداعية الى اسقاط القذافي باي ثمن كان، فكانت “الجزيرة” تحرض وبشكل ملفت، الناتو من اجل غزو ليبيا، واستخدمت رجل الدين المصري يوسف القرضاوي، لشرعنه تدخل الناتو واهدار دم القذافي.

في الحرب المفروضة على سوريا لم تضع “الجزيرة” شعارها “الراي والراي الاخر” جانبا فحسب بل داست عليه بالاقدام، فقد تحولت الى غرفة قيادة عمليات ضد الحكومة والجيش السوري، واستخدمت خطاب تجاوز في طائفيته خطاب “داعش”، فكانت تتحدث بشكل مقزز عن الحرب المفروضة على سوريا، حتى وصل الأمر بها تبرير عدوان “اسرئيل” على سوريا وفي اكثر من مرة، ودعمها القوي للجماعات التكفيرية من القاعدة و”داعش”.

رغم افتضاح امر “الجزيرة” الا ان المسؤولين عليها كانوا يكررون جملتهم المأثورة ان “الجزيرة” تؤمن بالرأي والرأي الاخر، وانها تفسح المجال لكل الآراء، وان المسؤولين القطريين لا يملكون اي سلطة على القناة، احتراما ل”الرأي والرأي الآخر”.

الأزمة التي تعصف بمجلس التعاون، كانت اعلانا رسميا بموت “الجزيرة”، بعد ان كشفت هذه الأزمة عن كذب وزيف حيادية القناة وشعارها “الرأي والرأي الاخر” امام من تبقى من المشاهدين العرب الذين كانوا يؤمنون بحياديتها، والملفت ان الذي اعلن موت القناة كان دولة قطر نفسها.

في يوم الثلاثاء 24 تشرين الاول / اكتوبر اصدرت وزارة الخارجية القطرية امرا باسكات “الجزيرة” ومنعها من التعرض لملوك وامراء ومشايخ الدول الخليجية، احتراما، كما ادعت الخارجية القطرية، لدعوة امير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الى عدم التصعيد بين الدول الخليجية للحفاظ على كيانها وامنها واستقرارها.

وجاء في جوانب من بيان الخارجية القطرية: “استجابة منها لدعوة أمير دولة الكويت واستمرارا للنهج الذي أرساه أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في خطابه لشعب قطر بتاريخ 21 يوليو/تموز الماضي، فإنّ دولة قطر تهيب بالمواطنين والمقيمين وكافة وسائل الإعلام في دولة قطر تجنب الانسياق أو الانزلاق إلى الإساءة لرموز الخليج (الفارسي)”.

البيان يعني ان “الجزيرة” كانت عصا بيد قطر، ترفعه في وجه من تختلف معه، وتضعه جانبا امام من يتفق معها، فالقضية ليست كما كانت تدعي قطر بأنها قضية “رأي ورأي اخر” و “حرية تعبير”و..

اين كان المسؤولون القطريون عندما كانت “الجزيرة” تنهش ليل نهار بأمن واستقرار العراق وسوريا وليبيا و..؟، لماذا لم يحركوا ساكنا عندما كان خطابها يقطر حقدا جاهليا ضد الشعبين العراقي والسوري ويزرع في ربوعهما الفتن والفوضي والدمار والخراب؟، ان من المخجل والمعيب جدا ان يتم الاعلان عن موت “الجزيرة” ودفن شعارها “الرأي والرأي الاخر” ، فقط حينما تتعرض لأمن واستقرار الدول الخليجية.

  • جمال كامل  - شفقنا

208