هل اوشك زمن الغارات الجوية الإسرائيلية المهينة لسوريا على الانتهاء؟

هل اوشك زمن الغارات الجوية الإسرائيلية المهينة لسوريا على الانتهاء؟
الخميس ٠٢ نوفمبر ٢٠١٧ - ٠٧:٠١ بتوقيت غرينتش

كنا.. ونقول كنا.. كإعلاميين وكتاب نُصَاب بحالة من الصدمة والإحباط في كل مرة تتجرأ فيها الطائرات الحربية الإسرائيلية على شن غارات، وضرب اهداف في العمق السوري، دون ان تجد من يتصدى لها، رغم ادراكنا بأن المنظومة الدفاعية السورية كانت تعيش حالة من الشلل بسبب تطورات الازمة، وانشغال الجيش السوري في القتال على اكثر من خمسين جبهة في الوقت نفسه، علاوة على كونها غير متطورة بالشكل الكافي الذي يؤهلها لاسقاط طائرات هي الاحدث في الصناعة العسكرية الامريكية.

العالم - مقالات

كان امرا مؤلما، ومهينا، لكل انسان عربي يحب سورية، ويرى في دولة الاحتلال الإسرائيلي العدو المركزي الذي يغتصب الأرض، ويهدد الامة، ويشكل “رأس حربة” لمشاريع غربية لاضعافها وزعزعة استقرارها، ولا يجد من يتصدى له، ولاهاناته، ولو حتى بصاروخ واحد يتيم.

في غمرة الغيرة على كرامة هذه الامة وعزتها، يرتفع منسوب العتب، واللوم، واحيانا تغيب الحكمة، لدى البعض، ويرفض ان يتقبل المنظومة التحليلية التي تقول ان المسألة مسألة أولويات، وان الغارات الإسرائيلية هذه تأتي في اطار الاستفزاز، ومحاولة افتعال معركة تحوّل الأنظار عن المعركة الأساسية، وتوسيع نطاق الحرب في الوقت غير الملائم، وفي وقت ينخرط فيه الكثير من القادة العرب في مشروع استنزاف سورية وتفتيتها واسقاط هيبة دولتها.

بعد سيطرة الجيش السوري على اكثر من 95 بالمئة من الأراضي، واندحار خطر “داعش” في الشرق، وانحصار “جبهة النصرة”، ومعظم قواتها في جيب منطقة ادلب في الشمال الغربي، بدأت قواعد اللعبة تتغير فيما يبدو، مثلما بدأ سلم الأولويات يعود الى وضعه الأساسي تدريجيا، أي التركيز على الخطر الأكبر، أي الغطرسة الإسرائيلية، مصدر كل الشرور في المنطقة.

في هذا الاطار ننظر الى الغارة الإسرائيلية التي استهدفت مساء امس مركزا عسكريا سوريا في منطقة صناعية جنوب مدينة حمص، وتصدي الدفاعات الأرضية الصاروخية لها في حدود قدراتها وامكانياتها.

هذه هي المرة الثالثة التي تنطلق فيها الصواريخ السورية دون تردد بإتجاه طائرات إسرائيلية تخترق الأجواء، وتحاول قصف اهداف عسكرية، او قوافل أسلحة في طريقها الى “حزب الله” في لبنان، أي ان هذه الأجواء لم تعد مفتوحة على مصراعيها، وان مقولة “سنرد في المكان والزمان المحددين”، لم نعد نسمعها مثلما كان عليه الحال في السنوات السبع الماضية، وتستجلب الكثير من تعليقات السخرية والتندر من قبل “الشامتين”، وما اكثرهم هذه الأيام.

في الماضي كانت الغارات الإسرائيلية بهدف الإهانة، واليوم أصبحت عنوان “تأزم”، لان سورية تتعافى، وباتت تخرج من دائرة الخطر، وتسير بخطى متسارعة، لاستعادة مكانتها الإقليمية تدريجيا، في اطار تحالف قوي سياسي وعسكري واقتصادي تنتمي اليه، وبات يوفر لها المظلة التي تحتاجها، سواء في هذه المرحلة الانتقالية، او تلك التي ستليها لاحقا.

إسرائيل “مأزومة” و”قلقة” لانها باتت محاطة من الشمال والشرق بغابة من الصواريخ والمقاتلين المدربين الاشداء، من الجيش السوري أولا، ومن “حزب الله” وكوادره ثانيا، وايران وخبراؤها ثالثا.

ايران أصبحت على حدود فلسطين المحتلة، والفضل في ذلك يعود الى الغباء “الثلاثي” العربي الأمريكي الإسرائيلي، وحساباته الخاطئة، وسوء تقديره للموقفين العسكري والسياسي، ونعم الغباء، ونعم سوء التقدير.

الساحتان السورية واللبنانية ستكونان ميدان الحرب القادمة التي تبدو وشيكة في ظل التصعيد الأمريكي الإسرائيلي ضد حزب الله، وبدأنا نشهد مقدماتها في نبش أرشيف زعيم تنظيم “القاعدة” أسامة بن لادن والحديث عن وجود علاقة قوية بين تنظيمه وايران، واتهام “حزب الله” بالارهاب والتخطيط لفرض عقوبات جديدة ضده، وإصدار الأمم المتحدة تقريرا يتهم السلطات السورية باستخدام غاز السارين الكيميائي في منطقة خان شيخون، واعتراض روسيا عليه، والتشكيك في مصداقيته، وأخيرا محاولات خلق ازمة وفراغ حكومي في لبنان، وربما اشعال حرب أهلية جديدة.

لا نعتقد ان هذه “التحرشات” الإسرائيلية او الامريكية ستخيف سورية او “حزب الله” او ايران، ولا نبالغ اذا قلنا ان هذا المثلث اعد حساباته لخوض الحرب لا الركوع لامريكا وحلفائها، ويكفي الإشارة الى تقرير أعدته مجموعة من الخبراء والجنرالات الإسرائيليين والامريكان والفرنسيين والاستراليين المتقاعدين، يحذر من خطورة اندلاع حرب جديدة ضد “حزب الله” الذي بات يملك ترسانة عسكرية لا تملكها دول في المنطقة عمادها 25 الف جندي مدرب تدريبا عاليا، ويملك قذائف صاروخية عالية الدقة (التقرير نشره موقع “واللا” الإسرائيلي امس) ولا يقول بأشياء لا نعرفها مسبقا على أي حال.

النقطة المحورية التي نريد ختم هذا المقال بها، وركزوا معنا جيدا، ان الازمة السورية، التي استمرت سبع سنوات، كسرت حاجز الخوف لدى سورية وايران و”حزب الله” تجاه الحرب، وما يمكن ان تحدثه من دمار، وبالتحديد اذا ما اندلعت وكانت "إسرائيل"، وامريكا من خلفها، طرفا فيها.

رهبة الحرب تبخرت، او في طريقها للتبخر، وبدأت تحل محلها نزعة واردة قتالية غير مسبوقة في المنطقة، وهذا ما يفسر في رأينا حملة التصعيد التي تقدم عليها أمريكا وحلفاؤها الإسرائيليون والعرب، وتركز على لبنان وسورية هذه الأيام.

ربما لم تصيب الصواريخ السورية الطائرات الإسرائيلية المغيرة في المرات الثلاث الماضية، ولكننا لن نستغرب، او نستبعد، اذا ما كان الحال مختلفا في المرات القادمة.. والأيام بيننا.

عبد الباري عطوان / راي اليوم