الخيال السعودي ووهم هزيمة ايران

الخيال السعودي ووهم هزيمة ايران
الخميس ٠٣ مايو ٢٠١٨ - ٠٥:٣٦ بتوقيت غرينتش

من تقع عيناه على ما يصدر عن وسائل الإعلام السعودية ومن يدور في مداراتها قد يتوهم للوهلة الاولى ان ايران باتت محاصرة في زاوية ضيقة جدا وان خياراتها تضيق  وان ليس أمامها إلا قرار الحرب خارج حساباتها وتوقيتها او الاستسلام لمطالب رجل العقارات في البيت الابيض دونالد ترامب.

العالممقالات وتحليلات

اهتمام الاعلام السعودي وتوابعه بالمسرحية التي قدمها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو حول آلاف الوثائق المسروقة من طهران والتي لم تقنع حتى الرئيس السابق للموساد، ناهيك عن زعماء غربيين او منظمات دولية، يأتي مكملا لمسرحية المصارعة الحرة الاستعراضية في الرياض وهزيمة المصارعين الايرانيين الوهميين ومنسجمة مع العاب الكترونية يحتل فيها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان العاصمة طهران التي تقع في عمق العمق الإيراني!

الاصطفاف السعودي الإسرائيلي محميا من رجل العقارات ترامب المهووس بجباية الاموال من الدولة الثرية التي يتصدق عليها بحمايتها ويقول لولا هذه الحماية لما بقيت اسبوعا واحدا، لا يدخر جهدا في التعبئة السياسية والاعلامية ضد إيران ومحاولة تصويرها بالدولة المحاصرة والمثقلة بالمشاكل والتوترات.

وما قرار المغرب بقطع علاقاته مع ايران بزعم تقديم الدعم لجبهة البوليساريو وتلويح ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي والتهديد الإسرائيلي باستهداف الوجود الإيراني في سوريا الا جزء من جهود الثنائي السعودي الإسرائيلي في حربهما النفسية ضد إيران وتشويه صورتها كدولة قوية تحقق الانتصارات ضد الإرهاب وتتفاهم مع المجتمع الدولي دون تنازلات او خرق لسيادتها او استقلالها.

لكن من حق الإعلام السعودي ان يسبح في بحر... بل في بحور من الخيال وان يحلم في وضح النهار بما لا يستطيع تحقيقه في اليقظة او على ارض الواقع لحفظ ماء وجهه في ظل الكثير من الاخفاقات التي يعاني منها نظام الحكم السعودي وكذلك كيان الاحتلال الإسرائيلي الذي يريده نظام الحكم السعودي راس حربة في التعامل استخباريا وعسكريا ضد ايران.

لكن... على ارض الواقع الامور مختلفة كثيرا وكثيرا جدا... فكيان الاحتلال الإسرائيلي الذي يتواقح باستهداف الوجود الايراني في سوريا لا ينسى انه يقف عاجزا أمام ترسانة صاروخية هائلة لدى حزب الله في لبنان والتي هدفها واحد وهو العمق الإسرائيلي. والاسرائيليون يعرفون حقا ما تمثله هذه الصواريخ لانهم ذاقوا عذاباتها في حروب سبقت خرجوا منها منكسرين مهزومين ثم يتدارسون أسباب هزائمهم ومن بعدها لا يَغلبون.

ومن جنوبهم هناك قطاع غزة المحاصر لكنه عصي على كل انواع اعتداءاتهم وايضا صواريخ المقاومة الفلسطينية على أهبة الاستعداد ولذلك تضيق خيارات كيان الاحتلال الاسرائيلي في شماله وجنوبه وهو يعلم انه اوهن من بيت العنكبوت.

اما نظام الحكم السعودي، فهو منهمك في حرب شاملة اعلنها قبل أكثر من ثلاث سنوات قدر نهايتها في شهور لكنها خرجت عن سيطرته وباتت الصواريخ تهدد مدنه ومطاراته ومنشآته بل حتى تصل الى عاصمته الرياض. وها هي المنظمات الدولية توثق وتدين ما يرتكبه من جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية ضد شعب مسلم لم يطلب الا استقلاله والخلاص من الوصاية السعودية.

كذلك كان وزير الخارجية السعودي السابق سعود الفيصل يردد ان الرئيس السوري بشار الاسد لن يبقى في الحكم وكرر ذلك خلفه عادل الحبير، لكن الرياح اتت بما لا تشتهي السفن، تحررت حلب ومن بعدها حمص ثم الغوطة الشرقية والقلمون وجنوب دمشق وخرج جيش الاسلام الموالي للرياض يجر اذيال الخيبة والهزيمة من مناطقه لتعيش دمشق منتصرة آمنة.

ونظام الحكم السعودي كان حتى الامس القريب يتعالى على العراق الجديد ويسعى لعزله لكنه اليوم يتودد الى بغداد ورجالاته لعله يكسب ودهم بعد ان جعل من مملكته محاصرة من حرب في اليمن ومقاطعة ضد قطر وتحفظ على سياسته الخارجية من الكويت وعمان، وتحسس اردني من غرور ولي العهد الشاب وغضب مصري من نزع السيادة المصرية من جزيرتين في البحر الأحمر.

لا بل الانكى من ذلك، ان الغرب وحتى صناع القرار في الكيان الإسرائيلي لا يعولون كثيرا على النهج الإنفتاحي لولي العهد السعودي لانه لا يتكئ على مؤسسات ولا على تاييد شعبي ولا يحظى حتى بإجماع امراء آل سعود، وبالتالي فان غيابه متوقع جدا و بالتالي يكون نظام الحكم السعودي في حكم المجهول وربما لهذا السبب، يريد ترامب ان يسحب المليارات من الدولة الثرية بأسرع وقت وبأكبر كمية.

اما حامي الثنائي السعودي الاسرائيلي، ترامب فلا حاجة لكثير تفصيل عن تشكيك الاعلام الاميركي قبل غيره بقدراته العقلية ولياقته السياسية ليكون رئيس جمهورية في وقت تلاحقه الفضائح والتحقيقات من كل صوب وحوب، رغم ان الاستدارة المفاجئة لزعيم كوريا الشمالية قد انعشته كثيرا مع  انها جاءت بجهود صينية لعلها تفضي الى انهاء الوجود العسكري الاميركي في شبه الجزيرة الكورية.

ما تقدم يبين ان الواقع بعيد جدا عن الخيال الذي يعيشه الإعلام السعودي وان إيران دولة لا تستسلم ولا تطلب حماية من احد وأنها تثق بشعبها وتاريخها وقدراتها وفي نفس الوقت تبقي باب الدبلوماسية مفتوحا دون تسرع منها او تباطؤ.  

بقلم: أحمد المقدادي

NAS-2