متى ستطبق حقوق الملكية الفكرية في العالم العربي؟

متى ستطبق حقوق الملكية الفكرية في العالم العربي؟
الخميس ١٢ يوليو ٢٠١٨ - ٠٦:٠٢ بتوقيت غرينتش

تعدّ الحماية القانونية للملكية الفكرية الركيزة الأساسية في تشجيع الإبداع والابتكار، إذ يؤمّن ذلك للمبدعين ظروفا تنافسية وحوافز متجددة لإبداعاتهم واختراعاتهم.

العالم - منوعات

كما من شأنه أن يصب في نهاية المطاف في خانة تشجيع الاستثمار وتفعيل الأنشطة الاقتصادية وتحقيق نسب عالية من الجدوى الاقتصادية وتزداد الأهمية التي توليها الدول حاليا لمجال الملكية الفكرية انطلاقا من الدور الذي من الممكن لها أن تلعبه في مختلف الميادين.

ولا يخفى أن التفاوت بين الدول في مدى الاهتمام بحقوق الملكية الفكرية وتطبيقها قد أدى إلى تقسيمهم إلى مجموعات متفاوتة في مضمار التقدم والتخلف لقد أدرك الإنسان عبر التاريخ أن هناك حاجة لحماية نتاج المبدعين وتقدير أعمالهم.

ويعزو الكثير من الباحثين التقدّم الهائل الذي عرفه العالم لاسيما في ما يتعلق بالصناعة والتجارة إلى نظم حماية الملكية الفكرية سواء بشكلها البدائي أو الحديث المنظّم قانونيا.

على الصعيد الاجتماعي، للملكية الفكرية دور أيضا، إذ تعدّ الحماية القانونية للملكية الفكرية الضمانة الأولى للمستهلك في الحصول على منتجات أصيلة غير مقلّدة أو مزورة، كما أنها تحول دون تعرضه للغش أو الاحتيال أو أي من الأضرار المالية والصحية التي من الممكن أن تسبب خطرا عليه.

الوضع التشريعي الوطني:

انطلاقا من كل هذه المعطيات، كان من الضروري أن يكون للجانب التشريعي الدور المحوري في حماية حقوق الملكية الفكرية. وإذا ما راجعنا التشريعات المتعلّقة بهذه الحقوق في الدول العربية، سنلاحظ أن تلك الدول اتّجهت إلى التشريع في هذا الإطار منذ زمن بعيد، وهي سعت لأن تشمل التشريعات مختلف فروع الملكية الفكرية، حيث شهدت هذه التشريعات زخما قويا في فترات ومراحل مختلفة على مدى العقود الماضية وعلى الرغم من تحسّن مناخ التعريف بحقوق الملكية الفكرية في الدول العربية والعمل على حمايتها وسن القوانين المتعلقة بالمعاقبة على انتهاكها.

لكنّ الواقع الحالي بخصوص العمل على تطبيق هذه القوانين بشكل فعّال وسليم لا يواكب التقدّم الحاصل عالميا، وهناك حاجة للعمل على تحديثها بما يتلاءم وحجم الانتهاكات الحاصلة، فبعضها ضعيف ويتضمن ثغرات والآخر لا يواكب التطوّر ويعاني من قصور أو من خلل في التطبيق أو تساهل في العقوبات وهو ما يلقي بظلاله على النمو الاقتصادي وحركة الإبداع في المنطقة العربية ولا يغير من جوهر ذلك التطورات الإيجابية التي شهدتها عدة دول عربية في هذا المجال.

فمن المعروف للجميع أن عدم توفير هذه الحماية بشكل كاف لا يشجع المبدعين بسبب ضعف المردود المادي والمعنوي لإنتاجهم (العلمي أو الصناعي أو الفني) على ضوء سرقتها والتعدي عليها. كما أن أي معالجة آنية لمثل هذه المشاكل المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية لا تكون البيئة التشريعية أساسا للانطلاق بها ستفشل حتما.

الحكم بالسجن على شاعرة مصرية سرقت قصيدة لشاعر عراقي!

ومن الامثلة حول الموضوع كنا شهدنا ان محكمة مصرية قضت بالحكم سنتين مع اشغال شاقة على شاعرة مصرية قامت بسرقة قصيدة لشاعر عراقي ونسبتها لنفسها ، وعد كثيرون القرار انتصار للثقافة وللحق وحماية للملكية الفكرية ، متمنين ان تكون مثل هكذا محاكم في العراق لكي تعيد الحقوق الفكرية الى اهلها بعد ان صارت السرقات حدث ولا حرج .

واكد الشاعر العراقي علي الامارة صدور حكم على الشاعرة المصرية سماح صلاح الدين السيد عبد الرحيم لسرقتها قصيدته التي تحمل عنوان ( الدخول الى مأساة ابي فراس الحمداني ) بالحكم سنتين اشغال شاقة كما جاء في قرار محكمة الاسماعيلية الابتدائية الذي ارسله اليه ونشره د محمد اسامة مدير عام دار السكرية للنشر ..، موضحا ان القرار هذا يصدر لأول مرة في الوطن العربي لحماية الحقوق الفكرية ..

نص الحكم

وجاء في نص الحكم الصادر عن محكمة الاسماعيلية الابتدانية ما يأتي :

1- حكم عامان سجن نهائي مع الأشغال الشاقة نظير سرقتها عدة قصائد والمشاركة بهم في محال دولية للشاعر الأديب علي الإمارة.

2- اربعة أعوام نظير خيانتها للامانه والتشهير وإنشاء شبكة كاملة للتشهير من خلال أصدقاء لها وشركاء معها.

3- استخدام أسماء سيادية للترهيب مثل.(ذهبت إلى النائب العام ووزير الداخلية ووو) حيث قامت الجهات المختصة فور بلاغ المؤسسة. بالتحقيق الموسع.. وهذا في عرف القانون يسمى ترهيب واستخدام أسماء ذات سلطة.

عبرة لمن يعتبر

واعلن مدير عام دار السكرية للنشر بيانا اكد ان القرار سيكون عبرة لمن يعتبر, ويكون عقابها درسا لكل من تراوده أطماعه عن شرف الرسالة وأمانة الكلمة وعهود الثقة، وقال : (الحكم النهائي ثلاثة عشر عام على" المدعوة سماح صلاح الدين السيد عبد الرحيم).

سرقة مفضوحة

وكانت الشاعرة المصرية سماح صلاح الدين، في عام 2017 قد سرقت قصيدة الشاعر علي الامارة التي حملت اسم "الدخول الى مأساة ابي فراس الحمداني"، و نشرتها في ديوانها ( قديسة الضوء)، وهي قصيدة ذات 53 بيتا وهي من البحر الطويل وسبق للشاعر ان فاز بهذه القصيدة في مسابقة مجلة (مرآة الأمة الكويتية) للشعر العربي عام 1984 ومنشورة في نفس العام في العدد 674 من المجلة، كما ان القصيدة منشورة في احد دواوينه الصادرة عام 2015 ومنشورة في صحف ومواقع أخرى، ومطلعها:

 (الـى أين تمضي حين يهجـرك البحــرُ / وهل تنفع الذكرى، وهل ينفع الصبــرُ؟)

وعلى الرغم من تأسفه لهذه الظاهرة واعترافه ان "شعراء سرقوا قصائد لي يقرؤونها في مهرجانات شعرية، ناسبيها لهم"، وانه يخجل حتى من العتاب، الا انه دعا الى (فضح السراق وعدم السكوت على تجاوزاتهم وسرقاتهم ليكونوا عبرة لمن يفكر في سرقة إبداع وجهود الآخرين).

يذكر ان الشاعر علي الامارة من مواليد محافظة البصرة عام 1960 المعقل وهو من الشعراء المعروفين وقد صدرت له عدة مؤلفات تناولت الشعر والنقد والنثر فضلا عن ابتكاراته الادبية في مزج الصورة مع القصيدة التي اطلق عليها مشروع (القصورة) وكذلك كتب الزهيري بالفصحى وصدرت له عدة مؤلفات من ابرزها الركض ورء شيء واقف ، واماكن فارغة ، ولزوميات خمسميل ، وحواء تعد اضلاع ادم، وهواجس اصحاب الحسين فضلا عن اربعة كتب نقدية،وحصل على جائزة الشارقة للابداع عام 1990 عن مجموعته الشعرية اماكن فارغة وجوائز عراقية وعربية عديدة.

نحو نظام ملكية فكرية فعال

ولا شكّ أن تقييم الوضع الحالي للدول العربية في مجال الملكية الفكرية يتفاوت بين دولة وأخرى، ولكنّ ذلك لا يمنع أن يكون هناك توجه لدى الجميع لبلورة نظام ملكية فكريّة مشترك في العالم العربي دون أن يخلّ ذلك بالخصوصيات الموجودة لدى كل دولة، فهناك عناصر مشتركة، وهناك حاجة إلى دراسة الوضع في كل دولة على حدا ثمّ وضع الأطر القانونية المناسبة لذلك أو تحديث القائمة منها، وجعلها تتكامل في دورها ووظيفتها ضمن الإطار العربي الأوسع ومن ثمّ الدولي الشامل. 

وهذا يتطلب إيجاد وتشكيل هيئة وطنية مركزية للإشراف على إيجاد وتطبيق هذه الأطر القانونية المتعلقة بحماية الملكية الفكرية، بحيث تضم جميع الأجهزة التي تؤدي دورا في حماية الملكية الفكرية والحد من الانتهاكات التي تتعرض لها وكل ما يتعلق بعمليات الغش التجاري والتقليد والقرصنة والجرائم الاقتصادية أو الفكرية التي تطال حقوق الملكية الفكرية ومن الواضح أن إيجاد هكذا نظام متكامل في العالم العربي ليس بالأمر السهل المنال، ويحتاج إلى جهود كبيرة، لكنّ مقارنة هذا الجهد المطلوب بالفوائد الايجابية التي ستصب في مصلحة تقدّم وازدهار التنمية الاقتصادية والصناعية والفكرية في البلدان العربية عبر إيجاد الوسائل الجديدة والمبتكرة والتنافسية، سيجعل منها أمرا يستحق العناء.