العنف الأسري.. إرهاب بلا عقاب!!

العنف الأسري.. إرهاب بلا عقاب!!
الأحد ٢٩ يوليو ٢٠١٨ - ٠٨:٣٩ بتوقيت غرينتش

تمثل الأسرة للإنسان المأوى الدافئ، والملجأ الآمن. والعلاقة الطبيعية المفترضة بين أركان هذه الأسرة (الزوج والزوجة والأولاد) هي الحب والمودة،وتقع مسؤولية ذلك بالدرجة الأولى على المرأة بحكم التركيبة العاطفية التي خلقها الله تعالى عليها ولكي تتمكن الزوجة من القيام بهذا فهي تتوقع من الزوج التعاون والتقدير بالإضافة للعطاء والاحترام المتبادل.

العالم - تقارير

ولكن في بعض الأحيان قد تتحول الأسرة إلى حلبة صراع حيث يلجأ أحد أفراد الأسرة إلى استخدام القوة المادية والمعنوية استخداماً غير مشروع لإلحاق الأذى ضد أفراد آخرين من هذه الأسرة.

وتُبين جميع الدراسات التي تجريها الدول العربية على ظاهرة العنف الأسري في مجتمعاتها أن الزوجة هي الضحية الأولى وأن الزوج هو المعتدي الأول مما يجعله قضية حساسة كونه أمر عائلي بين الزوج والزوجة.

ويأتي بعد الزوجة في الترتيب الأبناء والبنات كضحايا للعنف الأسري!.

ضرب الأم يربرب وضرب الأب يؤدب"!!...

هناك العديد من الأمثال المتعارف عليها في العالم العربي مثل :

"ضرب الأم يربرب وضرب الأب يؤدب" و"حب ولدك بقلبك وربيه بإيدك" إشارة إلى ضرورة ضرب الأطفال لتربيتهم!.

بينما تنادي أمثال عربية أخرى بضرورة محاربة مفهوم الضرب بسبب آثاره السلبية المدمرة لصحة الطفل العقلية والنفسية معاً، مثل:

"ضرب الإيد بكيد"، إذ في السنوات الأخيرة الماضية، اختلفت الآراء حول موضوع التأديب البدني والضرب، حتى أصبحت قضية مثيرة الجدل، تخضع للكثير من الأبحاث والدراسات لاكتشاف مدى تأثيراتها السلبية أو الإيجابية على الأطفال. 

وينصح العديد من الخبراء وأخصائيي التربية، بالابتعاد عن استخدام التأديب البدني والضرب لتعليم الأطفال الدروس ومعاقبتهم، بينما يُناقش آخرون أن الضجة المحيطة بالضرب أو الصفع على المؤخرة، أصبحت أمراً مبالغ فيه خلال الآونة الأخيرة.

كما يفضل بعض الآباء عدم الصفع على المؤخرة، إذ يعتقدون أن ذلك قد يكون ضاراً لتطوّر أطفالهم، بينما ترى شريحة أخرى من الآباء، أن التأديب البدني لا يولّد أي أضرار، وإنما يعلم الاحترام، فمثلاً على الصعيد العالمي، يعتقد حوالي 1.1 مليار شخص أن العقوبة البدنية ضرورية لتربية وتعليم الطفل بشكل صحيح، بحسب ما ذكرت تقارير اليونيسف.

وعندما يتعلق الأمر بالقضاء والقانون، تُعاقب اليوم العديد من الدول حول العالم، الآباء الذين يعتمدون على هذا النوع من التأديب، وحتى أن بعض الدول قد تحاكم هؤلاء الآباء، وتضعهم في السجن. 

العنف الأسري ...ظاهرة شائعة وقوانين عاجزة !

ويعرف العنف الأسري بأنه ظاهرةٌ مجتمعيةٌ منتشرةٌ عبر العالم وفي كل مكان، يقوم بها شخصٌ يعاني من مشاكلَ نفسيةٍ أوعقدٍ داخليةٍ تخرج عن طريق العنف والإكراه والقمع والسيطرة، فقد قيل إن من يعامل الآخرين بدونيةٍ شخصٌ تلقى معاملةً فوقيةً من آخرين.

ويواجه حوالي 300 مليون طفل من حول العالم، تتراوح أعمارهم بين السنتين والأربع سنوات، نوعاً من التأديب البدني المنتظم، من أهلهم أو مقدمي الرعاية الشخصية لهم، وفقاً لتقرير صدر عن اليونيسف في نوفمبر/ تشرين الثاني. وتتضمن أنواع التأديب البدنية، بحسب مؤلفة التقرير كلوديا كابا، الصفع على المؤخرة، أو الهز، أو الضرب باستخدام اليدين أو أداة ما.

وتقول كابا إن أكثر ما أثار اهتمامها هو استخدام الآباء مجموعة من أساليب التأديب في آن واحد، وليس وسيلة واحدة فقط، مضيفة: "يستخدمون الأساليب العنيفة وغير العنيفة معاً، ويستخدمون مجموعة من أساليب العقاب البدني والعدوان النفسي، مثل الصراخ مثلاً."

وقد اعتمدت 60 دولة حول العالم على تشريعات تحظر كلياً استخدام العقاب البدني ضد الأطفال داخل المنازل، وفقاً لما نشرته كل من اليونيسف، والمبادرة العالمية لإنهاء جميع أنواع العقوبة البدنية تجاه الأطفال، من بينها ألبانيا، وأندورا، والأرجنتين، وأروبا، والنمسا، وبنين، وبوليفيا، والبرازيل، وبلغاريا، والرأس الأخضر، والكونغو، وكوستاريكا، وكرواتيا، وكوراساو، وقبرص، والدنمارك، وإستونيا، وجزر فارو، وفنلندا، وألمانيا، واليونان، وغرينلاند، وهندوراس، وهنغاريا، وأيسلندا، وإيرلندا، وإسرائيل، وكينيا، ولاتفيا، وليختنشتاين، وليتوانيا، ولوكسمبورغ، ومالطا، ومنغوليا، ومونتينيجرو، وهولندا، ونيوزيلندا، ونيكاراغوا، والنرويج، وباراغواي، وبيرو، وجزر بيتكيرن، وبولندا، والبرتغال.

وتتمتع بعض الدول ببعض القوانين التي تحظر التأديب البدني، مثل مولدوفا، ورومانيا، وسان مارينو، وسلوفينيا، وجنوب السودان، وإسبانيا، وسانت مارتن، والسويد، ومقدونيا، وتوغو، وتونس، وتركمانستان، وأوكرانيا، وأوروغواي، وفنزويلا.

أما في الولايات المتحدة، فلا تزال العقوبة البدنية مشروعة في المنازل في جميع الولايات، ولا تُفسر جميع الأحكام القانونية ضد العنف وسوء المعاملة على أنها أحد أشكال العقاب الجسدي، مثل الضرب، وفقاً للمبادرة العالمية لإنهاء جميع أنواع العقوبة البدنية تجاه الأطفال.

حقائق مفزعة عن العنف الأسري في الدول العربية!

تبدو الأرقام عن العنف الأسري، ضد الزوجة خاصة، في بلداننا العربية مفزعة جدا. يكفي مثلا أن أكثر من نصف العراقيات لا يعتبرن ضرب الزوج لزوجته عنفا أصلا، وأن الغالبية الساحقة لقضايا العنف ضد الزوجة تسحب من المحاكم في ليبيا قبل البث فيها.

ويزداد الوضع قتامة عند النظر إلى قوانين الدول العربية المتعلقة بالمرأة، فنادرة هي الدول التي تتوفر على قوانين تجرم العنف ضد الزوجة أو إكراهها على ممارسة الجنس مع زوجها أو التحرش ضدها في الشارع العام أو في أماكن العمل. فيما يلي لائحة بـ10 أرقام و10 حقائق عن العنف ضدالمرأة في البلدان العربية.

 27.7 مليون امرأة مصرية كانت ضحية لختان البنات سنة 2013. وهو أعلى رقم في دولة واحدة في العالم.

- 3.7 مليون متزوجة مغربية تعرضت لعنف زوجي، وفق آخر بحث وطني حول انتشار العنف ضد النساء أجرته المندوبية السامية للتخطيط في المغرب سنة 2009.

- 20 في المئة من الموريتانيات هن إما ضحايا أو تحت خطر التسمين القصري.

- 99 في المئة من القضايا التي ترفع في ليبيا بسبب العنف الأسري تسحب من المحكمة في الأخير.

- ما يقرب 55 في المئة من النساء العراقيات لا يرين في ضرب الرجل لزوجته عنفا.

- ما يقرب 93.3 في المئة من النساء والفتيات في مصر تعرضن للتحرش الجنسي. في سنة 2014، أدخلت مصر في عهد الرئيس المؤقت عدلي منصور تعديلات على القانون الجنائي من أجل تشديد العقوبات المتعلقة بالتحرش الجنسي.

- 30 في المئة من نساء البحرين تعانين من العنف داخل الأسرة.

- 80 في المئة من الفتيات ضحايا جرائم الشرف في الأردن يكتشف الطب الشرعي في الأخير أنهن عذراوات.

- حسب دراسة للمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، 30 في المئة من المصريات يمارسن العنف ضد أزواجهن.

- 50 في المئة من سجناء جزر القمر مدانون بجرائم تتعلق باعتداءات جنسية ضد المرأة.

إحصائيات تقشعر الأبدان !!! ...

- في أغلب الدول العربية منها : لبنان والأردن وليبيا وسورية والعراق والجزائر والبحرين... يعفي القانون الجنائي المغتصب من عقوبة جريمة الاغتصاب إذا تزوج من الضحية. المغرب بدوره، لم يلغ هذا الإعفاء إلا سنة 2014، بعد انتحار قاصر تم تزويجها من مغتصبها بالإكراه.

- لم تصادق حكومات كثير من الدول العربية على قوانين تجريم التحرش الجنسي إلا في السنوات الأخيرة: الجزائر (2015)، المغرب (2015)، تونس (2016)، فيما لا تزال دول أخرى مثل السعودية والكويت والبحرين بدون هذه القوانين.

- لا توجد أيضا في الدول العربية قوانين تدين الاغتصاب الزوجي، رغم النداءات المتكررة من منظمات المجتمع المدني.

- باستثناء الأردن والسعودية ولبنان والجزائر والبحرين، لا تتوفر باقي الدول العربية على قوانين تجرم العنف الأسري. في المغرب، صادقت الحكومة في آذار/مارس على قانون تجريم تعنيف النساء، لكنه لم يدخل بعد حيز التطبيق.

- ما زالت المرأة في أغلب الدول العربية لا يحق لها أن تمنح جنسيتها لأبنائها أو زوجها. ورغم وجود استثناءات قليلة، مثل المغرب والجزائر وتونس ومصر، لا تزال القوانين في مجمل البلدان العربية تعتبر أن رابطة الدم محصورة بالأب.

- المرأة في عدد من الدول العربية تأتي في مرتبة دونية بالمقارنة مع زوجها، أو وليها بشكل عام، فهي لا تستطيع السفر أو الزواج أو الحصول على الرعاية الصحية أو دخول الجامعة بدون موافقة ولي الأمر.

- في بعض الدول العربية إذا لم تستطع المرأة إثبات جريمة الاغتصاب، تعاقب بجريمة الزنا ويقام عليها الحد.

- رغم عدم التنصيص على عبارة "جريمة الشرف" في قوانين العقوبات في الدول العربية، إلا أن أغلب هذه القوانين تمنح تخفيفا في العقوبة للمتهمين بجرائم ضد أقربائهم "دفاعا عن العرض".

- في العراق، أقرت الحكومة قانونا للأحوال الشخصية يخفض سن الزواج القانوني للإناث إلى تسع سنوات. أثار الأمر ضجة كبيرة، فلم يتم تمرير القانون.

- في اليمن، كان قانون الأحوال الشخصية لسنة 1992 يحدد السن القانوني للزواج للذكر والأنثى في 15 سنة، غير أن التعديل الذي أجري سنة 1999 على المادة 15 المحددة لسن الزواج أفرغ المادة تماما من محتواها. ونص التعديل على أن بالإمكان تزويج الصغيرة، إلا أنه "لا يمكن للمعقود له من الدخول بها ولا تزف إليه إلا بعد أن تكون صالحة للوطء ولو تجاوز عمرها خمس عشرة سنة". وهو ما يفتح الباب لكثير من التجاوزات.

أسباب العنف الأسري:

ظروف المعيشة الصعبة كالفقر والبطالة والضغط النفسي والإحباط المتولد من طبيعة الحياة العصرية اليومية.

سوء التربية والنشأة في بيئة عنيفة في تعاملها فالأفراد الذين يكونون ضحية للعنف في صغرهم، يُمارسونه على أفراد أسرهم في المستقبل فالعنف سلوكٌ مكتسبٌ يتعلمه الفرد خلال نشأته.

تعاطي الزوج للكحول والمخدرات.

اضطراب العلاقة بين الزوجين نتيجة ضعف الوازع الديني والأخلاقي وعدم الانسجام بين الزوجين في مختلف جوانب الحياة التربوية والتعليمية والاجتماعية والفكرية والبيئية مما يؤدي لغياب ثقافة الحوار والتشاور داخل الأسرة.

الفهم الخاطئ للدين والعادات والتقاليد التي تركز على قيادة الرجل لأسرته بالعنف والقوة.

وفي نهاية المطاف ...

الوقاية من العنف الأسري ستتم عن طريق نشر الوعي بين أفراد المجتمع حول مدى انتشاره ودوافعه وسبل التعامل مع مرتكبيه وكيفية تحكم الفرد في تصرفاته العنيفة وكيفية تجنب المواقف الصعبة بطريقة سليمة بالإضافة إلى تعريف النساء بحقوقهن وكيفية اللجوء إلى الحماية إذا تعرضن لأي عنف أسري.

كما يجب العمل على تصحيح العادات والتقاليد والفهم الخاطئ للدين من خلال التركيز على دعوة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وائمتنا الاطهار عليهم السلام ،  الأزواج إلى حسن عشرة زوجاتهم، وأنه لا ينبغي للزوج أن يكره زوجته لأمرٍ صدر منها، بل عليه أن ينظر في صفاتها الجميلة التي ربما تكون أكثر بكثير مما يكره منها كما أوصى بعدم الغضب ونهى عن السباب واللعن وبذاءة اللسان وكان مثالًا للرفق واللين بعيدًا كل البعد عن العنف والشدة مع زوجاته.

أما بالنسبة للنساء ضحايا العنف فينبغي الوقوف بجانبهن ودعمهن لمنحهن الثقة بالنفس والشعور بالقوة والقدرة على التفكير بطريقة صحيحة وإيجابية في مشاكلهن.

كما يجب العمل على إنشاء مؤسسة متخصصة لرعاية الزوجات ضحايا العنف يتوفر بها الإخصائيون الاجتماعيون والنفسيون وتقوم بدور الوسيط بين الزوجة والزوج لإيجاد الحل الملائم لكل حالة على حدة.

على أمل، أننا لن نشهد يوما،قساوة العنف بكل أشكاله ،بين أسرنا.

ف. رفيعيان