أزمة بين إسبانيا والمغرب على خلفية قضية الصحراء الغربية

أزمة بين إسبانيا والمغرب على خلفية قضية الصحراء الغربية
الأحد ٢٣ سبتمبر ٢٠١٨ - ٠٦:١٩ بتوقيت غرينتش

يوشك شهر سبتمبر/ ايلول على نهايته ولا يبدو في الأفق المنظور أن رئيس الحكومة الإسبانية سيزور المغرب، كما روجت لذلك الصحافة الإسبانية الشهر الماضي.

العالم - أوروبا

وكان رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، قد قطع مع تقليد سياسي سار عليه كل رؤساء الحكومات الإسبانية منذ الإنتقال الديمقراطي ويتمثل ذلك التقليد في إختيار المغرب كأول محطة خارجية يزورها رئيس الحكومة، حيث فضّل سانشيز أن تكون فرنسا أول دولة يزورها في 22 يونيو/ حزيران الماضي لتتوالى بعد ذلك جولاته الخارجية أوروبياً وحتى خارج القارة العجور، إذ أجرى سانشيز جولة في أمريكا اللاتينية في الـ 27 من الشهر الماضي شملت كل من الشيلي، بوليفيا، كولومبيا وكوستاريكا، وإلى حاد الآن لا يبدو أن رئيس الحكومة الإسبانية يفكر في زيارة المغرب بسبب الأزمة السياسية الصامتة بين البلدين والتي بدأت تطفوا على السطح مع برودة ظاهرة في العلاقات السياسية بينمها.

ولا يتعلق الأمر برئيس الحكومة فقط، بل يتعداه ليشمل المؤسسة الملكية الإسبانية التي لا زالت تنتظر موافقة الرباط على تحديد موعد لزيارة ألغيت مرتين متتاليتين دون ذكر الأسباب، فحتى اللحظات الأخيرة قبل حلول يوم الثالث من يناير الماضي، كان ملك إسبانيا، فيليب السادس، سيزور المغرب، لكن في اللحظات الأخيرة تم إلعاء الزيارة ولم يتم توضيح الأسباب، بينما ذكر الديوان الملكي الإسباني أن الزيارة تم تأجيلها إلى غاية شهر مارس/ آذار الماضي.

حان موعد الزيارة في شهر مارس/ آذار لكن تم تأجيلها للمرة الثانية دون تحديد الإسباب الحقيقية التي أدت إلى ذلك، وبعد إلغاء زيارة مارس الماضي لم يتم تحديد أي موعد جديد رغم إلحاح المؤسسة الملكية الإسبانية لتحديد موعد للزيارة غير أن نظيرتها المغربية لم تستجب لذلك، بسبب طول مدد عطل الملك المغربي التي يقضيها خارج البلاد.

وقد تجاوزت الأزمة بين البلدين النطاق الدبلوماسي إلى التجاري، حيث اتخذ المغرب في الفاتح من اغسطس الماضي قراراً احادياً ودو استشارة مدريد بغلق المعبر التجاري لمدينة مليلية ما أدى إلى خسائر اقتصادية معتبرة تكبدها رجال الأعمال من الطرفين وساهم في خنق المدينة اقتصاديا.

ويرى بعض الخبراء الاقتصاديين الاسبان أن المبررات التي ساقتها السلطات المغربية هي غير مقنعة وأن الأمر يتعلق بخروج الأزمة السياسية الصامتة بين الرباط ومدريد للعلن. وكان المغرب قد عرض على المستوردين تفريغ بضائعهم في ميناء قرب الناظور، بدل مليلية، مقابل تخفيضات تصل 30 بالمئة وقد صاحب ذلك اغلاق المعبر التجاري مع المدينة.

وتعد مدينة مليلة هي الوحيدة التي تمتلك معبرا تجاريا مع المغربـ وهو المعبر الذي تم فتحه بطلب من المغرب سنة 1956، أي مباشرة بعد نيله الإستقلال لحاجة المغرب إليه لتصدير المعادن من مناجم منطقة الريف التي لم تعد موجودة اليوم.

ويرجع متابعين هنا في مدريد أسباب انزعاج الرباط من الحكومة الإسبانية الإشتراكية التي وصلت إلى الحكم مطلع شهر يونيو/ حزيران الماضي بعد حجب الثقة عن الحكومة اليمينية السابقة، تعود بالدرجة الأولى إلى مواقف الأحزاب المتحالفة مع الحكومة. فإذا كان الحزب الإشتراكي الحاكم يمتلك 84 مقعداً فقط من أصل 350 من مقاعد البرلمان الإسباني، فإنه بحاجة إلى دعم أحزاب اليسار لتمرير القوانين عبر البرلمان ولمحاولة اكمال ما تبقى من العهدة قبل إجراء انتخابات عامة سنة 2020، ويرى متابعون أن ما يغضب الرباط في التحالف الحكومي هو مواقف الاحزاب اليسارية والقومية التي تدعم بشكل مباشر القضية الصحراوية كحزب بوديموس الذي يمتلك 67 مقعدا والذي طالما دافع عن القضية الصحراوي وله مواقف جد متقدمة، حيث التقى زعيمه بابلو اغليسياس سنة 2014 الرئيس الصحراوي الراحل محمد عبد العزيز، كما زارت زعيمة الحزب بالاندلس، تيريزا رودريغيث، مخيمات اللاجئين الصحراويين قبل أشهر ونددت بموقف الحكومة الاسبانية من القضية الصحراوية.

أما الأحزاب القومية فهي الأكثر دفاعاً عن القضية الصحراوي باسبانيا، نظراً لما ترى فيه تطابقا في القضايا، فالحزب القومي الباسكي يعد من الاحزاب الاكثر مساندة للقضية الصحراوي سواء انسانيا او سياسيا ولم تتوقف زايارات مسؤوليه ولقاءاتهم مع قادة جبهة البوليسارية، والأمر نفسه ينطبق على حزب اليسار الجهوري الكتلاني الذي ساند الحكومة الاشتراكية وله مواقف جد متقدمة من القضية الصحراوية.

كل تلك الأسباب جعلت الرباط تصعد في الأزمة بينما لا تحاول مدريد معالجة الأمر، رغم حاجتها للمغرب في ملفات كثيرة لعل اهمها الهجرة والتبادل التجاري والتنسيق في مجال مكافحة الارهاب. لكن تماسك الحكومة الاسبانية ومحاولتها ارضاء حلفائها في الداخل اهم من اصلاح العلاقات مع المغرب التي تزداد برودة يوما بعد يوم.