سوريا.. بين ضبط الشارع الديني والتطرف..

سوريا.. بين ضبط الشارع الديني والتطرف..
الثلاثاء ٠٢ أكتوبر ٢٠١٨ - ٠٣:١٥ بتوقيت غرينتش

منذ أيام ويضج الشارع السوري بمشروع المرسوم التشريعي رقم 16 الخاص بوزارة الأوقاف والذي قدم إلى مجلس الشعب.

العالم  - مقالات وتحلیلات

وهذا المشروع بحسب ما تم تسريبه فإنه ينص على عدة مواد فجرت الشارع السوري ضد الوزارة بأكملها.. أهمها إنشاء 1355 وحدة دينية في المدن والبلدات والمناطق السورية، ويكون على رأس كل وحدة منها مفتي خاص.

والمادة الأخرى المختلف عليها هي اعتماد الفريق الديني الشبابي التطوعي في الوزارة، ليكون أداة لتمكين وتأهيل النسق الشاب من الأئمة والخطباء ومعلمات القرآن الكريم.

فيما ورد أيضا فقرة تعزيز دور فريضة الزكاة، والعمل على تطوير سبل وآليات تحصيلها، وهو ما جعل الشارع السوري يتسائل هل هذا الأمر سيحل محل الضريبة المفروضة على التجار أم ماذا؟ خصوصا أن سوريا دولة علمانية، وهو ما يجعل الشارع السوري على وشك الانفجار بسبب تخوفه من هذا المشروع.

السوريون لهم كل الحق من أن يتخوفوا من مشروع قرار الوزارة لأن لهم تجربة مريرة مع الإسلام السياسي.

لنتحدث بصراحة وشفافية عن سوريا قبل الحرب، ولن نعود كثيراً بالزمن بل سنعود إلى عام 2005، أي عند غزو العراق، حيث بدأت تنتشر في البلاد وخصوصا بالأرياف المساجد الصغيرة التي بدأت بتدريس المناهج المتطرفة لأبناء هذه البلدات حتى وصلنا إلى مرحلة نكاد لا نميز بينهم وبين أبناء الدول التي تعتمد هذا النموذج من التدين.

وفي زيارتي لسوريا في عام 2009 وبعد جولة سياحية فيها قلت إن أرياف دمشق وإدلب وحلب هي "قندهار سوريا" لأن الوضع فيها كان لا يحتمل سواء من ناحية التطرف أو التعصب، وهو ما شاهدناه من انفجار لهذا الشارع المتطرف مع بداية الأزمة السورية وتفريخه لمجاميع إرهابية في جميع أنحاء البلاد.

هذه التجربة في الحاضر، أما في الماضي فكانت تجربة السوريين لا تقل ضراوة مع هذا النوع من الإسلام السياسي، خصوصا الإخوان المسلمين.

ففي النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي، عندما أبعدت وزارة التربية، حينئذ اليساريين وقربت المتدينين مما شكل مناخاً ملائماً وغطاءً مناسباً لنشاط وتحرك الإخوان وهو ما أدى في نهاية الأمر إلى تحشيدهم للشارع ثم الانفجار بوجه الدولة.

وبالعودة إلى مشروع الوزارة فإنه يعتبر إطاراً مهماً لإعادة رسم الشارع الديني خصوصاً في ظل الانفلات الكبير الذي حدث لهذا الشارع منذ عام 2005، وخصوصا الخطاب الديني المتزن مع علمانية الدولة، ونركز هنا على هذه النقطة التي سنعود لها فيما بعد.

تطبيق مشروع القرار قد يكون مفصل على مقاس وزير الأوقاف الحالي عبد الستار السيد، ولكن ماهو الضامن لأن لا يشذ المشروع ويتحول إلى بذرة تطرف فيما بعد أن رحل السيد من منصبه مثلا؟ ما هو الضامن ألا يصبح الدين هو المتحكم بالشارع السوري العلماني في المستقبل، خصوصاً وأن بنوده فضفاضة وغير واضحة تماماً أو غير حاسمة؟

فمن قدم ولده وزوجه للبلاد بوجه "داعش" وغيرها لن يرضى لأن يأتي شيخ ويفرض عليه قوانينه الراديكالية المتطرفة في وطن علماني ويحمل شعار العلمانية، أو أن نرى في المستقبل "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" في سوريا بعد أن بدأت الدول التي ابتكرت هذه الهيئة في إزالتها. إضافة إلى أن الشارع لن يقبل في المستقبل أن يتم تدريس برامج مليئة بمغالطات تاريخية ودروس تزرع التفرقة والتعصب والتكفير.

خلال الأيام الماضية ضج الشارع أيضاً بمقاطع فيديو لأحد الشيوخ يكفر التعليم في المدارس التي لا ترتدي فيها المدرسة "الحجاب"، وهو ما يضع وزارة التربية والتعليم ووزارة الأوقاف في موقف محرج جداً، فالأولى يجب أن تدافع عن معلماتها اللواتي تعرضن للإهانة من هذا الشخص، أما الثانية فيجب عليها ضبط شيوخها لأن هذا الشخص قد تعرض أيضا لقديسة من الديانة المسيحية عندما حرم تسمية البنات باسم "ريتا" وهنا نتذكر القديسة ريتا. فيما سيتعارض عمل الوزارتين في قضية المدرسة التي تداول النشطاء مقطعاً لها وهي تدرس الأطفال الدين في حصة العلوم.

دمشق تحاول ضبط الشارع الديني بعد مرحلة من الانفلات على مدة عقد ونصف، ونحن نتفهم منها هذه الخطوة، خصوصاً أنها لا تستطيع إلغاء هذا الشارع، لأننا نعيش في الشرق الأوسط ومنطقتنا يسيطر عليها الدين بشكل كبير ويبسط سيطرته على معظم تفاصيل الحياة.

ولكن نحتاج لآليات جديدة تضمن علمانية الدولة وأن يضمن أيضاً تدريس أبنائه مناهج معتدلة لا تجعل منهم إرهابيين في المستقبل.

* إبراهيم شير