السيناريوهات الامريكية المحتملة في قضية خاشقجي

السيناريوهات الامريكية المحتملة في قضية خاشقجي
الجمعة ٢٦ أكتوبر ٢٠١٨ - ٠٣:٥٦ بتوقيت غرينتش

سبق وان أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنه لا يريد التخلي عن السعودية كحليف مقرب بسبب اختفاء الصحفي جمال خاشقجي، كونها زبوناً لاميركا ليس فقط في السلاح بل في امور اخرى، فيما طالبه سيناتورات أميركيون بكشف علاقاته ومعاملاته المالية مع السعودية التي قد تؤثر على كشف الحقائق بشان اختفاء خاشقجي .

العالم - تقارير

ويكون موقف الادارة الاميركية تجاه اختفاء الصحافي جمال خاشقجي ودور الرياض في القضية مازال ضبابيا..

وفي آخر المواقف يبدو ان الرئيس الاميركي دونالد ترامب غير مستعد للنأي بنفسه بعيدا عن قادة السعودية فيما يتعلق باختفاء خاشقجي .

وصرح ترامب قائلا أن:" السعودية لديها طلبية بقيمة مئة وعشرة مليار دولار هل نرفض ذلك؟ نحن بحاجة إلى السعودية في حربنا على الإرهاب، وفي كل ما يحدث في إيران وأماكن أخرى سنعرف النتيجة وآمل أن الملك وولي العهد لم يكونا على علم بذلك ".

وبعودة وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو الى واشنطن بعد زيارته  الى السعودية وتركيا، اكد وزير الخزانة الاميركي انه سيتخذ قرار مشاركته في مؤتمر اقتصادي في السعودية بناء على تقرير وزير الخارجية .

وكشفت صحيفة "واشنطن بوست"عن محاولات اميركية لتوفير غطاء سياسي  للسعودية واتهمت ترامب وإدارته بتنفيذ "عملية تنظيف دبلوماسي" لإخراج السعودية  وولي العهد محمد بن سلمان من قضية مقتل واغتيال الصحافي خاشقجي .

فيما اعتبرت صحيفة "نيويورك تايمز" ان الادارة الاميركية تشعر بالقلق من ان تطورات قضية اختفاء خاشجقي قد تؤدي إلى عرقلة المواجهة مع إيران.

و في حوار مع "وول ستريت جورنال اوضح الرئيس ترامب" أنه مقتنع بأن الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز لم يكن على علم مسبق بالعملية التي أدت إلى مقتل الصحفي جمال خاشقجي.

وكشف الرئيس الأميركي أنه تحدث مع محمد بن سلمان وسأله عدة مرات حول الموضوع و"بطرق مختلفة"، وقال "كان سؤالي الأول الذي وجهته له هو: هل كنت على علم مسبق بأي تخطيط مسبق لمقتله؟"، فأجاب بالنفي.

وعندما سئل ترامب هل يصدّق المسؤولين السعوديين عندما ينكرون أي معرفة مسبقة بالعملية، سكت لثوان قبل أن يُجيب "أنا أريد أن أصدقهم.. أريد حقا أن أصدّقهم".

لم يكن للمملكة العربية السعودية سمعة طيبة في مجال التعامل مع المعارضين السياسين لكي تتضرر أصلاً. الضرر هنا لحق بشكل جوهري بصورة ولي العهد السعودي شخصياً والذي أنفق لتلميعها ملايين الدولارات, خصوصاً في بريطانيا وأميركا، لإظهار نفسه كمجدد ومحدّث ضمن رؤية السعودية 2030.

تدل جميع التقارير ذات المصداقية والصادرة بهذا الموضوع بأن جريمة قتل الخاشقجي هي واحدة من سلسلة طويلة مرعبة من الإنتهاكات الفاضحة لحقوق الإنسان والتي للأسف لم تلق الإهتمام المطلوب من وسائل الإعلام.  

بكلمة أخرى، لم يكن للسعودية سمعة طيبة في مجال التعامل مع المعارضين السياسين لكي تتضرر أصلاً. الضرر هنا لحق بشكل جوهري بصورة ولي العهد السعودي شخصياً والذي أنفق لتلميعها ملايين الدولارات, خصوصاً في بريطانيا وأميركا، لإظهار نفسه كمجدد ومحدّث ضمن رؤية السعودية 2030.

 فعلى سبيل المثال لا الحصر، ووفقاً لمقال منشور في محطة الـ "سي أن بي سي" الأميركية الأسبوع الفائت، وقعت المملكة العربية السعودية السنة الماضية فقط أكثر من 2500 عقد منفرد مع شركات وجماعات ضغط وصناعة رأي في أميركا بملايين الدولارات. هذا طبعاً بعيداً عن الأرقام الغير مُفصح عنها والتي, ووفقاً لنفس المصدر، يمكن أن تتجاوز حُدود ما أعلن عنه بنسبة عالية جداً.  

من هنا، سيُشكل مقتل الخاشقجي فرصة أخرى للربح والإثراء على حساب السعودية  ستسعى معظم وسائل الإعلام اليمينية لإقتناصها عن طيب خاطر. ومع العلاقة الودية بين مؤسسة فوكس نيوز ودونالد ترمب، فمن الأرجح أن يستخدم الأخير نفوذه الشخصي وملايين السعودية الكثيرة لإستخدام ماكينة روبيرت ميردوخ الإعلامية لصالح ولي العهد السعودي بن سلمان.

وربما لم يتوقع المسؤولون عن اختفاء الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي أن تصل أصداء الجريمة إلى هذا الحد الذي وصلت إليه اليوم ، و لم يكن في حساباتهم أن يصل الأمر إلى سُدّة البيت الأبيض و يتصدّر الخبر جميع الصحف العالمية ، و تصبح قضية اختفاء جمال خاشقجي الشغل الشاغل لأرباب السياسة و صُنّاع القرار في هذا الكوكب ، فما كان في مخيّلتهم ربما ، هو أن يُطوَى الملف سريعاً كما طُوي في أحداثٍ مماثلةٍ سابقة ، و أن تصبح القضية في طيّ النسيان خلال أيام معدودات ، كما حصل بعد اغتيال المناضل الفلسطيني نضال النايف الذي تمت تصفيته داخل مبنى السفارة الفلسطينية في العاصمة البلغارية صوفيا.

لكنّ الأمر كان على النقيض تماماً ، فخطيبة خاشقجي اليوم مدعوّة للقاء الرئيس الأمريكي من أجل بحث القضية ، و الاتصالات هناك في أعلى المستويات ، و هناك 22 عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي يطالبون الرئيس دونالد ترامب بضرورة بذل مزيد من الجهود فيما يتعلق بقضية اختفاء الصحفي جمال خاشقجي ، بعد أن وجهوا الاتهامات إلى السعودية في هذا الصدد ، باعتبار أن خاشقجي شوهد آخر مرة و هو يدخل مبنى القنصلية السعودية في إسطنبول . 

لا علينا طالما أنّ جمال خاشقجي اختفى أو ربما قُتِل ، و لكنّ السؤال المطروح : ماهي السيناريوهات المحتملة بعد أنباء تفيد بمقتله واغتياله وتقطيع جثته داخل مبنى القنصلية السعودية في مدينة إسطنبول ؟! 
السيناريو الأول :

في حال ثبتت مسؤولية السعودية عن اغتياله و اختفائه و بالأدلة الملموسة التي تتزايد تباعاً ، فإنّ العلاقات السعودية التركية ستشهد قطيعة سريعة ، ربما تصل إلى درجة  إلغاء جميع الاتفاقيات المشتركة بين البلدين و إغلاق السفارات ، لأنّ ذلك يعتبر انتقاصاً من السيادة التركية ، الأمر الذي يرفضه المسؤولون الأتراك و في مقدمتهم الرئيس رجب طيب أردوغان ، الذي اعتاد السياسيون على مواقفه العاجلة في مثل هذه الظروف الحساسة ، أضف إلى ذلك التوتر الملحوظ في العلاقات القائمة بين البلدين ، الذي بلغ ذروته بعد أزمة دول مجلس التعاون  ، و وقوف تركيا إلى جانب دولة قطر في مواجهة الحصار المفروض عليها من قبل السعودية و الامارات و البحرين و مصر ، الأمر الذي أزعج المسؤولين السعوديين ، و بالتالي فإنّ هذا التوتر سيكون شرارة البدء في حال تمّ توجيه التهمة بشكل رسمي إلى السعودية بالمسؤولية المباشرة عن اختفاء  الصحافي جمال خاشقجي ، و ذلك بعد الضجة الكبرى التي أحدثتها عملية الاختفاء ، و وضعت تركيا في موقفٍ حرِج أمام سُيّاحها الذين يتوافدون إلى مدينة إسطنبول بالملايين .. 


السيناريو الثاني :

 أنصار هذا السيناريو  لهم حضور واضح في الصحف و المواقع الالكترونية راحوا يبررون التراخي التركي في التعامل مع السعودية في قضية اختفاء جمال خاشقجي ، بأنّ تركيا لا تبني قراراتها على أوهام و مقالات فيسبوكية ، بل تحتاج إلى أدلة دامغة تثبت تورط السعوديين في هذا الفعل ، و بعدها سوف يتم اتخاذ القرار المناسب و الحازم بما يليق بحجم تركيا و حجم سياساتها الخارجية ، خاصةً أنّ هناك توجّساً تركيّاً من وجود طرف ثالث ربما ، يسعى إلى تشويه صورة السعودية و تقويض دورها في العالم الإسلامي ، و تقليل أنصارها عبر ارتكابه هذه الجريمة و إلقاء عبئها على عاتق السعودية ، لرمي فتيل الأزمة بين بلدين لهما دور قيادي كبير في الزعامة السنّيّة .. 
لذلك يقول أنصار هذا السيناريو أنه لابد من التروي كثيراً قبل إطلاق الأحكام جزافاً ، لأنّ الأمر له عواقب خطيرة و يهدد مستقبل العلاقات التركية السعودية ، و بالتالي فإنّ المسؤولين الأتراك مضطرون في هذه المرحلة الصعبة إلى اتباع سياسة ضبط النفس حتى صدور النتائج النهائية ، و بناءً عليها سوف يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة بحق المتورطين .. 

السيناريو الثالث :

 و أنصار هذا السيناريو  قليلون ، و لكنهم موجودون ، إذ يقولون أنّ المسؤولين الأتراك لديهم أدلة كافية تثبت تورط السعودية في قضية اختفاء جمال خاشقجي ، و قد صرح أكثر من مسؤول بلغة التأويل تارةً ، و بلغة الاتهام تارة أخرى ، بأن جمال خاشقجي تمت تصفيته داخل مبنى القنصلية السعودية  ، عن طريق رجال أمن سعوديين جاؤوا خصيصاً إلى مبنى القنصلية لتنفيذ عملية الاغتيال ، و كان من بينهم طبيب شرعي في تشريح الجثث ، و رجل أمن يحمل منشاراً من أجل تقطيع الجثة و نقلها إلى مكان مجهول .

 و رغم كل هذه الأدلة التي هي في حوزة المسؤولين الأتراك ، إلّا أنه حتى هذه اللحظة لم يصدر اتهام تركي رسمي للسعودية بالمسؤولية المباشرة عن اختفاء أو اغتيال جمال خاشقجي ، و ذلك يعود إلى سببين اثنين : 
- السبب الاول : أنّ تركيا لا تريد في الوقت الراهن مزيداً من الخصوم ، لا سيما في ظل الاحتدام السياسي القائم حاليا بين تركيا و الولايات المتحدة الأمريكية على خلفية القس الأمريكي المعتقل لدى تركيا ، و بالتالي فإنّ السعودية التي هي حليفة الولايات المتحدة في المنطقة ربما تبقى كحبل الوصال الأخير بين الطرفين في حال فكّر المسؤولون الأتراك بإعادة المياه إلى مجاريها مع البيت الأبيض .

- و السبب الثاني: لعدم وجود حدة في الموقف التركي تجاه السعودية في الوقت الراهن هو أن تركيا تمنح السعودية بشكل مُبطّن مهلة من الوقت إمّا لإثبات براءتها من هذه القضية التي أحرجت تركيا أمام العالم  أو لإخراج نفسها من هذا المأزق عن طريق إلصاق التهمة بطرف ثالث أو القيام بأي أمر ، للحفاظ على ماء الوجه أمام مؤسسات الصحافة التي اعتبرت اختفاء جمال خاشقجي قد يهدد مستقبل الصحافة و الإعلام في تركيا ..
و في حال تجاوزت السعودية كل هذه المهل التركية و ظلت مصرّة على أنّها بريئة من هذه التهمة براءة الذئب من دم يوسف ، دون تقديم إيضاحات و براهين ، فإنّ تركيا سوف تجد نفسها مضطرة لتنفيذ السيناريو الأول ، وهو اللجوء إلى لغة الحسم و الحزم مع السعودية وبن سلمانها ... مهما كانت التبعات و النتائج ...
 

بالنسبة للولايات المتحدة :

فعلى الرغم من تمتع المجتمع الأميركي بمقدار صحي من الديموقراطية وحرية الرأي والتعبير, غير أن تعاطي هذا المجتمع مع القضايا الإنسانية خارج حدود الولايات المتحدة الأميركية مرتبط وبدرجة كبيرة بآراء السياسيين ومصالحهم الشخصية والحزبية. حيث نادراً ما تهتم النُخب السياسية الحاكمة لقضايا خارج نطاق الولايات المتحدة الأميركية مالم تكن هناك مصالح مادية أو سياسية أو حزبية واضحة.

 من هذا المنطلق، لن تتعاطى الولايات المتحدة الأميركية مع قضية الخاشقجي وطريقة تصفيتة المخجلة إلا من باب مصالح الرئيس الأميركي المادية والسياسية أولاً ومصالح النخب السياسية الأميركية ثانياً

 وعليه: فإذا كان هناك من يزال يراهن على إمكانية الإطاحة بولي العهد السعودي نتيجة مقتل الخاشقجي، فما عليه سوى التأمل في المحنة السورية ذات السنوات الثمان. مئات الآلف من الضحايا والولايات المتحدة الأميركية تتفرج وإن تدخلت فلا تفعل ذلك إلا لإذكاك سعير النار السورية التي لم تُبقي ولم تذر...