العالم - تقارير
هذا الخلاف لم يكن الأول من نوعه بين هاتين الدولتين الاوروبيتين حول مضيق إستراتيجي يعتبر سبيل وصل للمياه الحرة ويعتبر الشريان الوحيد للإقتصاد الأوروبي ودول شمال أفريقيا، الا ان توقيت هذا الخلاف يعتبر جاء بعد ان وصلت مفاوضات خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي الى مراحل "حاسمة" حسب تعبير رئيسة الوزراء البريطانية ومن المقرر أم يتم يوم الأحد المقبل اخراج بريطانيا من جمع دول الإتحاد الأوروبي بشكل رسمي وهذا يعني ان مصير جبل طارق سيكون مجهولاً لدرجة كبيرة جداً نظراً لعدم إلتزام لندن بأي اتفاقيات موقعة بينها وبين دول الإتحاد الأوروبي.
واعلنت السلطات الإسبانية يوم الخميس عن رفضها القاطع لخروج بريطانيا من الإتحاد الإوروبي ان لم تفاوض لندن على مصير قرار منطقة "جبل طارق" الذي هو نقطة وصل أساسية بين أوروبا وأفريقيا، وبين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي.
مدريد تطالب بتعديل معاهدة الإنسحاب وايضا انشاء علاقات جديدة بين بريطانيا والإتحاد الأوربي حتى تتضمن قرارات تخص منطقة جبل طارق المتنازع عليها بعد مفاوضات مباشرة مع مدريد.
من جانب آخر اكدت تيريزا ماي رئيسة الوزارء البريطانية عن تمسك لندن بحق " السيادة" على منطقة جبل طارق الإستراتيجي التي استمرت اكثرمن 300 سنة. هذا الموقف سبقته تصريحات لكبار مسؤولين بريطانيين طول هذه السنوات، حيث كان كلام وزير الخارجية البريطانية الأسبق بوريس جونسون عام 2017 آخر موقف حاسم بريطاني حول هذا الملف، حيث قال جونسون بأن بريطانيا لن تترك منطقة جبل طارق وترى السيادة على تلك المنطقة "حقها" الطبيعي.
ما هو مضيق جبل طارق وما اهميته الإستراتيجية؟
مضيق جبل طارق يقع بين شبه الجزيرة الإيبيرية وشمال أفريقيا ويصل أوروبا وأفريقا ببعضهما البعض حيث يبلغ طوله 58 كيلومتراً و مساحته ستة آلاف متر مربع.
بعد ان استولى عليه الإسبان عام 1462 ميلادي بقي منطقة جبل طارق تحت حكم الإسبان لغاية 1704 حتى استولت عليه بريطانيا بعد سلسلة حروب مدمرة مع الإسبان ووقعت معهم معاهدة "أوترخت عام 1713 التي تقضي بسيطرة بريطانيا على جبل طارق بشكل كامل التي لم يعترف بها الإسبان الى يومنا هذا.
عدد سكان جبل طارق يتراوح بين ثلاثين او اربعين الف نسمة حيث تشتغل غالبيتهم في الجيش البريطاني ويتبعون لأوامر بريطانيا بشكل مباشر حيث ينتخب "التاج البريطاني" رئيس حكومة جبل طارق من البرلمان المحلي، ويتولي رئيس الحكومة كل الشؤون الإقتصادية و الداخلية باستثناء الدفاع والعلاقات الخارجية التي تربطان مباشرة ببريطانيا.
توترات بين إسبانيا وبريطانيا على منطقة مضيق جبل طارق بدأء من اليوم الأول من سيطرة بريطانيا واستمرت الى عصرنا الحديث.
في عام 1964 اعلنت بريطانيا عزمها منح الإقليم إستقلاله بعد إجراء استفتاء شعبي الذي اعترض عليه إسبانيا، مما جعلت بريطانيا تتراجع عن قرارها بشان الإستقلال ليبقى جبل طارق لايزال تحت السيادة البريطانية.
كذلك في عام 2002 رفض 99% من أهلي جبل طارق تشكيل السلطة المشتركة بين إسبانيا و بريطانيا التي ستتولي إدارة أمور جبل طارق. الرفض الذي ترجم بأن اهالي جبل طارق يفضلون بقوة بقائهم تحت السيادة البريطانية وعدم رضاهم لوجود الإسباني على أراضيهم.
الامور بقيت متوترة حتى عام 2006 التي شهدت توقيع اتفاق شامل بين بريطانيا وإسبانيا الذي يقضي بخفض التوترات بين البلدين.
مستقبل جبل طارق بعد تنفيذ "بريكزت"
لا شك بأن الدول الأوروبية لا تزال تعيش في صدمة تلقتها من الشعب البريطاني بقراره المفاجئ، اي هو الإنسحاب من الإتحاد الاوروبي أما القصة لم تبقى عند هذا الحد من الصدمة والتوتر فإن منطقة جبل طارق ترى نفسها اليوم في منعطف تاريخي سيحدد مستقبلها في ظل إصرار وتمسك بريطاني على "سيادتها" على المنطقة وبين محاولات إسبانيا بإستعادة أرض تراها جزء لا ينفك من سيادتها الترابية.
بريطانيا ستخرج من اللعبة الأوروبية قريبا أما أثر سياستها العالمية لن تترك الإتحاد الأوروبي في مستقبل قريب وجبل طارق سيكون أولى محطات صراع سياسي بين بريطانيا "الحرة" من قيد الأوروبا وإسبانيا التي ترى حقها مدعوس تحت أقدام البريطانيين.
ماذا سيحدث لجبل طارق؟! سنفهم جواب هذا الكلام في المستقبل أما يمكننا ان نرى مؤشرات إنتصار بريطانيا الذي يقوم على إرادة اهل جبل طارق الذي لم يسمح لإسبانيا ان تقلص من سيادة بريطانيا عليهم.