نظرة امريكا لحليفتها تركيا عندما تتعارض المصالح بسوريا

نظرة امريكا لحليفتها تركيا عندما تتعارض المصالح بسوريا
الأربعاء ١٢ ديسمبر ٢٠١٨ - ١٠:٠٧ بتوقيت غرينتش

تناقلت وسائل الإعلام الإقليمية والدولية نبأ إعلان وزارة الدفاع الاميركية "البنتاغون"، نصب نقاط مراقبة في شمال سوريا قرب الحدود التركية، بذريعة منع تقليل احتمال وقوع أي مواجهة بين الجيش التركي والمقاتلين الأكراد المدعومين من واشنطن.

العالم- تقارير

وعزى المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية الكولونيل "روب مانينغ" الأمر إلى أنه جاء "بأمر من وزير الدفاع جيم ماتيس، سعيا من واشنطن لمعالجة المخاوف الأمنية لتركيا، حليفتنا في الناتو وأن الخطوة تخدم تحقيق الإستقرار في شمال شرق سوريا".

وفي خطوة يستشف منها تأييد الخطوة الأميركية في المناطق المتوترة اساسا على الحدود بين تركيا وسوريا، رحبت جماعة "النصرة" المصنفة ضمن الجماعات الارهابية دوليا، وبشكل غير مباشر بالخطوة الأميركية، لأنها قد تتعرض في أي لحظة لهجوم من قبل الجيش السوري وحلفائه في ادلب.

وأكد الناطق في "النصرة"، المدعو أبو خالد الشامي، حسبما نقلت عنه مواقع إلكترونية تابعة لتنظيمه الإرهابي، أن الشمال "يشهد حالة من الترقب والاستعداد" بعد ورود معلومات إليهم عن حشود للجيش والقوات الرديفة والحليفة على خطوط التماس في إدلب منذ قرابة الشهر ونصف الشهر تقريباً، لافتاً إلى استمرار التحشيد. ولفت الشامي إلى أن الحشود أبرزها في جبهات "الساحل وريف حماة وريف حلب وحلب المدينة"، متوقعاً أن يشن الجيش هجوماً "بأية دقيقة".

إلا أن هذه الخطوة الأميركية واجهت سخط وزارة الدفاع الأميركية، ليقوم خلوصي أكار وزير الدفاع التركي بتوجيه نقد لاذع للولايات المتحدة التي قدم لمبعوثها الخاص بالشأن السوري جيمس جيفري الجمعة الماضي طلب بلاده، حول ضرورة تخلي واشنطن عن هذه النقاط لتبقى تركيا هي التي تحمي حدودها من معارضيها المتعاونين مع بعض الجماعات المسلحة التي مازالت تحتل مناطق في شمال شرق سوريا.

على أية حال يعتقد المراقبون أن الخطوة الأميركية تحمل في طياتها نوايا مبيتة تدل على ثبات السياسة الأميركية في كل الأحوال إزاء مصالحها حتى وان كانت إزاء أقرب حلفاء التقليديين، او العسكريين في إطار الناتو، كما يحدث اليوم مع تركيا. وسنحاول التطرق الى أهم النوايا المبيتة لواشنطن من خطوتها الجديدة بما يسمح الوقت والمقام.

اولا- مما لاشك فيه إن ضرب واشنطن طلب أنقرة عرض الجدار، يدل على أنها مازالت تنتهج السياسة السلطوية، وانها لاتفهم سوى لغة تثبيت المصالح والقوة، وأن تكون خاتمة كل حدث لصالحها.

بالرغم من ان تركيا حاولت كثيرا من تلميع وتبرير الوجود الأميركي غير الشرعي على الاراضي السورية، وفتحت أجواءها وحدودها لتمرير القوات العسكرية الأميركية وحتى إدخال الإرهابيين الى سوريا قبيل وبعد اندلاع ازمتها قبل ثمانية أعوام، كما أنها سمحت للمروحيات الاميركية التسلل الى الأجواء السورية والوصول الى مواقع الإرهابيين المحاصرين من قبل الجيش السوري وحلفائه، ونقلهم من مواقعهم المحاصرة الى خارج سوريا، إلا أن ما قامت به واشنطن مؤخرا، يؤكد ان واشنطن تريد إبقاء موطئ قدم لها على الارض السورية ليبرر استمرار حضورها غير الشرعي، بذريعة إحتمال وجود تهديدات تهدد حلفاء واشنطن، وإن كانوا من المعارضة المسلحة السورية.

ثانيا- بعد نجاح الإجتماع الحادي عشر للمحادثات السورية السورية في العاصمة الكازاخية "استانا"، باتت واشنطن على شفير الإفلاس من الكعكة التي يتم إعدادها لحفل تخلص سوريا من الجماعات الارهابية في محادثات جنيف القادمة. ما حملها لتعلن أن أنقرة – وليست واشنطن- هي التي تعارض مسار استانا، وأن أنقرة تعارض الثلث الأخير من اتفاق استانا اي تشكيل اللجنة الدستورية، وهي التي عرقلت استمرار الحوار حول اللجنة، عسى ان تتمكن ومن خلال هذه المحاولات فرض امر واقع على الحالة السورية، وعندما يأتي المبعوث الدولي الجديد "غير بيدرسون" إلى سوريا، يواجه أمرا واقعا، وعليه ان يتعامل مع الحالة حسب الأمر الواقع، الذي لم يكن لا لصالح سوريا ولا لصالح تركيا، بل يعتمد الإهتمام بالمصلحة الأميركية وعميلاتها الاقليميات.

في حين ان محادثات استانا كانت هي التي كشفت اوراق المبعوث الاممي السابق لسوريا "ستيفان ديمستورا" المتماهي مع واشنطن، وفضحت محاولاته لتمرير السياسات الاميركية على الساحة السورية.

ثالثا- إبقاء الوضع المتأزم على حاله في ادلب ومنع اي من الطرفين السوري او التركي للقيام بأي عملية ضد الجماعات المسلحة المختبئة، وخلاياها النائمة في ادلب، كي لا تسنح الفرصة لسوريا وجيشها للتحدث عن تحرير ادلب، أو طرد المسلحين منها، كما يجب ان تسنح الفرصة لتركيا وقياداتها العسكرية عن مرحلة "مابعد منبج" التي تهدف الى طرد جماعة ما يسمى بـ "قوات سوريا الديمقراطية" منها، لأنها تعارض الحضور التركي على الأراضي السورية.

وبما أن هذه الجماعة متحالفة مع اكراد تركيا، تزعم أنقرة أن وجودها بالقرب من الحدود التركية يشكل خطرا عليها، ومن أجل ذلك أتت بقواتها لتضرب هذه الجماعات ولن تتراجع عن المواقع في الاراضي السورية التي احتلتها حتى الآن، إلا بعد طرد هذه الجماعات منها أو ابعادها عن الحدود التركية بما يطمئن الجانب التركي ان خطرها بات يهدد الامن والحضور التركي في المنطقة.

رابعا- أما النقطة الأخيرة التي تكشف النوايا الاميركية المبيتة للمنطقة فهي الأحداث التي توالت على ادلب منذ إعلان الجيش السوري إستعداده لتحريرها وطرد الإرهابيين منها، وبالرغم من ان الجيش لم يباشر بعملياتها، الا أن الجماعات الإرهابية في ادلب، رغم التحذيرات المكررة التي اطلقتها الحكومة السورية، وابلغت الاوساط الدولية عنها، قامت تلك الجماعات بإستهداف المدنيين بالغازات السامة في ريف حلب، لتسلط الأنظار ثانية على هذه المدينة التي اشرفت على التخلص من الجماعات الارهابية، ما حمل كيان الإحتلال الاسرائيلي وبذريعة ضرب القوات السورية التي نسب اليها الهجوم الكيمياوي، عسى ان يتعرف على مدى قدرات الدفاعات الجوية السورية، خاصة بعد استلامها صواريخ "أس 300" الروسية قبل بضعة اشهر، وما تلا ذلك من عدوان أميركي على قوات للجيش السوري في أقل من 32 ساعة بمنطقة قريبة من السخنة في قلب البادية السورية.

هذه التطورات عكست عمق التناسق بين تصعيد كيان الإحتلال الاسرائيلي ضد سوريا، والتهديدات التي اطلقه المبعوث الأميركي الخاص الى سوريا "جيمس جيفري" حيث لوح باللجوء للخيارات العسكرية في سوريا، كما فعلت قبل ذلك واشنطن في العراق. الأمر الذي يثير عدة تساؤلات حول السياسات الاميركية إزاء سوريا بشكل خاص والمنطقة بشكل عام، منها: ماهي الاستراتيجية التي سيتبعه جيفري بعد تصريحاته التصعيدية الأخيرة؟ وهل إنه يهدف لإنشاء حلف عسكري جديد كما فعل أسلافه قبيل غزوهم العراق عام 2003؟ أم ان تصريحاته التصعيدية تبقى كـ"بالونات إعلامية" لإستعراض العضلات والمزيد من الضغط السياسي على خصوم واشنطن؟ تساؤلات نتركها للواقع الذي تعيشه المنطقة، وجديد التطورات التي سيسجلها التاريخ السوري.

*عبدالهادي الضيغمي