الازمة الخليجية.. ازمة متجذرة طفت على السطح

الازمة الخليجية.. ازمة متجذرة طفت على السطح
الثلاثاء ١٨ ديسمبر ٢٠١٨ - ٠٦:٠٤ بتوقيت غرينتش

"جبل الجليد الطافي فوق الماء"، هذا هو حال الازمة الخليجية، فالخلاف بين السعودية والامارات والبحرين وحليفتهم مصر من جهة وقطر من جهة أخرى لم يكن منشأه منذ أكثر من عام فقط بل هي أزمة متجذرة تظهر للعيان يوما بعد يوم.

العالم- قطر

في يناير 1996 افادت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية ان ضابطا فرنسيا تدخل وشكل مجموعة من المرتزقة لما اسمته الانقلاب على أمير قطر آنذاك الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، في العام نفسه، وكانت هذه المجموعة بقيادة الكابتن بول باريل، مشيرة الى ان باريل أسس مقراً له بواحة العين في أبو ظبي.

حينها استبعدت "ليبراسيون" حدوث "مغامرة عسكرية"، لكنها اعتبرت أن مجموعة باريل يمكن أن تشكل أداة إزعاج أو عصا سعودية يمكن أن تُستخدم ضد الدوحة. وبالرغم من ان الخبر قديم لكنه بعد مرور اكثر من 22 عاما اصبح احد المستندات الدالة على الخلاف الخليجي المتجذر.

وطفى هذا الخبر القديم على السطح بعد ما تردّد اخيرا على الاسماع ما افاده الضابط الفرنسي بول باريل بنفسه عندما ظهر على شاشة قناة "الجزيرة" القطرية عبر برنامج "ما خفي اعظم"، حيث كشف في لقائه الحصري التفاصيل الكاملة لخطة ما سمته الجزيرة بـ"الانقلاب الثاني"، على الشيخ حمد بن خليفة بدعم السعودية والإمارات والبحرين ومصر.

باريل الذي كان يعد ثاني أهم ضابط بوحدة "غينيغ" للنخبة الفرنسية، ومن أوائل من غيَّر فكرة أنه في زمن الجيوش النظامية لن يكون المجال مفتوحاً أمام المرتزقة للعب أدوار كبيرة على مسرح الأحداث وشارك في إنشاء وحدة مكافحة الإرهاب بقصر الإليزيه، في خلال أول فترة رئاسية لفرانسوا ميتران (1981-1988) لم يكتف بموقعه الرسمي، فعمل قائد مرتزقة بعدة دول أفريقية وشرق أوسطية، حتى أن نفوذه وصل أمريكا اللاتينية. فجر باريل العديد من المفاجآت وكشف المستور عن تآمر دول المقاطعة الذين ارادوا إعادة الكرة من جديد في يونيو 2017.

وأكد بول باريل في البرنامج أنه تم منحه هو وفريقه الذي جمعه لتنفيذ المهمة، جوازات سفر إماراتية صالحة لخمس سنوات من قبل الشيخ محمد بن زايد ـ ولي عهد أبو ظبي ـ الذي كان يرأس القوات المسلحة الإماراتية حينها.

وكانت كلفت العملية المعدة لغزو قطر 100 مليون دولار بحسب باريل، وكانت تستهدف إنهاء حكم الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني.

وأشار إلى أن خطته اقتضت جلب ثلاثة آلاف عسكري مرتزق من تشاد للسيطرة على الدوحة عبر إنزال جوي مفاجئ على أحد الطرق الرئيسية في قطر، وتم تخزين الأسلحة في فندق “انتركونتيننتال” في أبوظبي وكانت حديثة ومتنوعة.

وقام باريل بحسب روايته بعملية استطلاعية خاصة نفذها داخل الدوحة في بدايات عام 96 للتحضير لعمليته، حيث قام بتصوير أماكن استراتيجية وسيادية داخل الدوحة، قائلا: "كان مهمتي وفريقي هي اعتقال الشيخ حمد بن خليفة والقضاء على الشيخ حمد بن جاسم بن جبر".

وتابع زعيم جماعات المرتزقة الفرنسي: "لو نجحت خطتنا لكانت العملية سهلة وكانت السيطرة على قطر ستستغرق ربع ساعة ولن تستطيع الدوحة المواجهة".

وأكد باريل أن تدخل الرئيس الفرنسي حينها جاك شيراك منع مجزرة كانت محققة، وقال تلقيت اتصالاً من الرئيس الفرنسي جاك شيراك وطلب مني "الامتناع عن القيام بأي أمر متهور".

وبينما لم ترد السعودية على هذه الاتهامات، سارعت الامارات بالرد رسميا على المعلومات الخطيرة التي فجّرها بول باريل على لسان وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش يكذب ما ذكره باريل بالفيلم الوثائقي وينفي تورط الإمارات.

وهاجم قرقاش في تغريدة له عبر حسابه الرسمي بتويتر بول باريل زاعما: "المرتزق الفرنسي بول باريل كان مسؤولا امنيا عند المرحوم الشيخ خليفة بن حمد ومرافقا له في رحلاته بعد انقلاب الابن على الأب ولم تكن له أي علاقة بالإمارات".

وتابع مهاجما قطر وقناة الجزيرة قائلا: "تحريف الخلاف بين الأب وابنه لإقحام الامارات هو جزء من التزييف الذي اصبح علامة قطرية بامتياز". حسب تعبيره.



وادعى وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي في تغريدة أخرى: "سبق وأن أشرت وبناء على ملاحظات المعاصرين لهذه الأحداث ان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان نصح المرحوم الشيخ خليفة بن حمد بالتصالح مع ابنه وقبول الأمر الواقع والإقامة بين أهله في الامارات، المنقلبون على الشيخ خليفة بن حمد يدركون هذه الحقيقة".

لكن السؤال الذي يطرح نفسه ما هو رد فعل ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد؟ الاجابة قالها المغرد الشهير "بوغانم"، عن حالة القلق التي يعيشها ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد مما كشفه كبير المرتزقة الفرنسيين بول باريل.

وقال "بوغانم" في تدوينات له عبر "تويتر": "معلومات مؤكده 100% وورطه في نفس الوقت بعد بث قناة الجزيرة لحلقة ماخفي اعظم طلب محمد بن زايد من شقيقه طحنون التواصل مع المرتزق الفرنسي بولباريل من اجل نفي تورط الامارات ومحمد بن زايد في العمليه الانقلابيه سنة 1996 مقابل دفع مبلغ مالي كبير..!!".

وأوضح في تغريدة أخرى أن "طحنون بن زايد رفض الفكره لعدة اسباب اولا”..ضيق الوقت لايكفي للتواصل معه ثانيا”..قال طحنون بن زايد لو نفينا موقفنا سيظن السعوديين بأننا غدرنا بهم بأنهم هم وحدهم خلف الامر وقد يترتب عليها خلافات ليس وقته ان نثيره الآن معهم..!!".

وأوضح “بوغانم” أن "محمد بن زايد لم يتوقف عند هذا الامر قال لشقيقه طحنون ماذا لو استعنا بأحد من كان مع بول باريل يكذب ماقاله رد طحنون على محمد سندخل انفسنا في متاهه لن تنتهي لذلك يفضل تجاوز الامر..!!".

وبناء على هذه التطورات، يرى محللون ان تصريحات زعيم المرتزقة الفرنسي والوزير الاماراتي لم تدع مجالا للشك ان الخلافات بين الدول الاعضاء في مجلس التعاون كانت متجذرة لها عقود سواء كانت خلافات على الحدود بين السعودية والكويت والامارات او خلافات سياسية بين قطر والدول الخليجية الـ3 حتى وان كانوا يتظاهرون بالتودد كالسعودية والامارات اللذين بينهما خلافات حدودية

الخلافات بين دول مجلس التعاون تأكدت ايضا على لسان وزير الخارجية القطري محمد آل ثاني في مقابلته الاخيرة مع قناة "سي.ان.بي.سي" الأمريكية، حيث قال: "نحن اختلفنا في الماضي مع السعودية بخصوص عدد من سياساتها واليوم نحن نختلف معها في عدد من توجهاتها السياسية، عندما يحاصرون قطر، عندما يواصلون الحرب على اليمن بدون سبب، والطريقة التي احتجزوا بها رئيس الوزراء اللبناني".

وتابع "نحن نختلف أيضا مع سياسة الإماراتيين عندما يذهبون ويدعمون الأنظمة الوحشية من خلال دعم الانقلاب العسكري في ليبيا، ودعم زعزعة الاستقرار في الصومال، ودعم انقسام اليمن، وهذه السياسات تساهم في زعزعة الاستقرار في المنطقة.”

وأضاف أن "السعودية هي دولة كبيرة لها تأثير ودور كبير، مما يجعل أخطاءها السياسية ذات تأثير سلبي على المنطقة."

ويبدو ان الخلاف القطري الاماراتي السعودي لم يقف عند ما اشاره الوزير القطري بل ان هناك سببا آخر في المقاطعة السعودية الاماراتية وهو دور قطر في التواصل مع ايران التي تعتبرها جارة ويجب الحوار معها.

بالطبع هذا الموقف رفضه رؤساء دول المقاطعة بدعم اميركي حتى يستطعوا استبدال العدواة مع الكيان الاسرائيلي بالعدواة مع ايران وتمرير مشروعهم التطبيعي. وفي هذا السياق قال محمد آل ثاني: "تلك الدول تحتاج أن تراجع سياستها لما يخدم مصلحة المنطقة، على سبيل المثال إيران جزء من منطقتنا.. سواء كنا نتفق مع سياستهم أو نختلف لا يعني ذلك أننا لا نشارك ونبقى فقط في مواجهة".

وفي موقف لمسؤول قطري آخر يكشف عمق الخلافات، شن الشيخ جوعان بن حمد رئيس اللجنة الاولمبية القطرية وشقيق أمير قطر الشيخ تميم بن حمد هجوما عنيفا على دول الحصار في أعقاب ما تم كشفه عن تجنيدهم لزعيم جماعات المرتزقة الفرنسي بول باريل للإطاحة بأمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني.

وقال "آل ثاني" في تدوينة له عبر حسابه بموقع التدوين المصغر "تويتر" :"تبيّن الأفعال والمواقف طيب الطيب وردى الردي ، وإذا كانت الأيام سترت بعض البشر لابد ما تكشفه مؤامراتهم ودسايسهم لها سنين على قطر والعاجز ما يقدر على المواجه لذلك شغلهم دايم مثل وجيهم في الليل ..#ما_خفي_أعظم".

ويبدو ان الخلاف الخليجي جعل الوساطة الكويتية لحل الازمة تفشل، فمواقف السعودية والامارات المتعنتة من قطر ظهرت في قمة مجلس التعاون، العام الماضي، في الكويت التي حضرها فقط امير الكويت وامير قطر وشهدت تمثيلا سياسيا دون المستوى من قبل الامارات والسعودية.

ولو لا قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده باسطنبول وتورط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان فيه وتزايد الضغوط على السعودية في هذا الشان لما دعا الملك سلمان الامير تميم بن حمد آل ثاني لحضور قمة هذا العام في الرياض، والهدف تلميع وجه السعودية.

هذه الوساطة التي كان اخر تطوراتها ماقاله نائب وزير الخارجية الكويتي خالد الجار الله الذي شدد الاحد الماضي على أن "قطر لم تحرق مراكب العودة إلى المصالحة على الإطلاق، ولن تحرقها، وهذا ما أكدته أجواء قمة الرياض الخليجية بمشاركة قطرية كانت محل ترحيب من قبل دول مجلس التعاون كافة، وكانت توحي لمؤشرات إيجابية لاحتواء الخلاف مستقبلا".

واعتبر الجار الله، خلال تصريحاته على هامش احتفال سفارة كازاخستان في الكويت بالعيد الوطني لبلادها، أن "أي تحرك لحل الأزمة الخليجية لا بد أن يبنى على كلمة سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في قمة الرياض التي كانت محل ترحيب وتجاوب".

بناء على ما ذكرناه فانه على ما يبدو ان الازمة الخليجية اخذت منحى جديدا بعد تصريحات الضابط الفرنسي خاصة انه ازاح الستار عن العداوات الدفينة لكن يبدو ان الايام القادمة مليئة بالمفاجات حول مجلس "التعاون" الهش.. وحقا ما خفي كان اعظم.