الانسحاب الاميركي من سوريا ..هل تخطط تركيا لتعزيز وجودها فيها؟!

الانسحاب الاميركي من سوريا ..هل تخطط تركيا لتعزيز وجودها فيها؟!
الإثنين ٢٤ ديسمبر ٢٠١٨ - ٠٧:٢٨ بتوقيت غرينتش

انتهزت الحكومة التركية اعلان الرئيس الاميركي دونالد ترامب عن انسحاب قريب للقوات الاميركية من الاراضي السورية ، لتعزيز وجودها العسكري في سوريا.   

وقد نشرت شبكة CNN الأميركية اليوم الاثنين، مقتطفات من مكالمة هاتفية دارت بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، حيث قال ترامب: “سوريا كلها لك.. لقد انتهينا”.

وقال الرئيس الأميركي لنظيره التركي خلال مناقشة انسحاب القوات الأميركية من سوريا، إن الولايات المتحدة أنجزت مهمتها في سوريا.

ووفقا لمسؤول كبير في الإدارة الأميركية اطلع على تفاصيل المكالمة الهاتفية بين الرئيسين، كان أردوغان يشرح كل المشاكل الناجمة عن الوجود الأميركي في العراق وسوريا، ويثير غضب ترامب.

وأكد ترامب أن القوات الأميركية سوف تغادر الأراضي السورية، موضحا أن تركيا ستتولى مهمة القضاء على ما تبقى من تنظيم “داعش” هناك حسب زعمه.

وكانت الحكومة السورية تؤكد مرارا ان الحكومة التركية واميركا الى جانب بعض الدول العربية هي من المساندين الرئيسيين للجماعات الارهابية المسلحة بما فيها داعش والنصرة التي فرضت حربا على سوريا منذ اكثرمن سبعة اعوام للقضاء على حكومتها.

وكان ترامب أعلن الأسبوع الماضي، أن قوات بلاده ستبدأ الانسحاب من الأراضي السورية، دون تحديد جدول زمني، وأفاد حينها بأن القرار يأتي بعد أن تم القضاء على تنظيم “داعش” في سوريا بشكل كبيرحسب زعمه.

على الصعيد ذاته أفادت وسائل إعلام تركية الإثنين أنّ أنقرة أرسلت تعزيزات عسكرية إضافية إلى حدودها مع سوريا استعداداً لهجوم يحتمل أن تشنّه داخل الأراضي الشمالية لجارتها الجنوبية بعد الانسحاب المرتقب للجنود الأميركيين من هذه المنطقة.

وبحسب وكالة أنباء الأناضول فإنّ قافلة عسكرية تركية تضمّ مدافع هاوتزر وبطاريات مدفعية بالإضافة إلى وحدات مختلفة من القوات المسلحة تمّ نشرها في منطقة إلبيلي الحدودية في محافظة كيليس، في حين ذكرت "وكالة أنباء الإخلاص" الخاصّة أنّ قسماً من هذه القافلة دخل الأراضي السورية وأن تلك التعزيزات العسكرية ستتمّ بشكل "تدريجي".

وبدأت التعزيزات بنشر حوالى 100 آلية خلال عطلة نهاية الأسبوع، كما أفادت صحيفة حرييت التركية، وعبرت تلك الآليات إلى منطقة الباب في شمال سوريا.

وكانت تلك الآليات متوجهة نحو جرابلس ومنبج التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من الولايات المتحدة وتصنفها أنقرة "إرهابية" وعلى ارتباط بالمتمردين الأكراد داخل تركيا.

وقد أشادت تركيا بقرار ترامب الانسحاب من سوريا، إذ ستحصل الآن على مزيد من الحرية باستهداف المسلحين الأكراد في الشمال الذين سلحتهم ودربتهم الولايات المتحدة ولعبوا دوراً أساسياً في الحرب ضد تنظيم داعش.

وشكل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاسبوع الماضي بالانسحاب من سوريا صدمة للمؤسسة السياسية الأميركية وللحلفاء، مع إعلانه أنه يريد سحب 2000 جندي أميركي من سوريا بعد أيام من تحذير نظيره التركي رجب طيب أردوغان من أن تركيا ستبدأ عملية جديدة شمال سوريا.

وقادت تركيا عمليةً ثانيةً ضد الوحدات الكردية، بمساعدة العناصر السورية المحسوبة عليها ، في منطقة عفرين الشمالية الغربية في كانون الثاني/يناير 2018. وانتهت تلك العملية في آذار/مارس بسيطرة تركيا على المدينة.

وحذر أردوغان من أن أنقرة ستطلق عملية ثالثة ضدّ وحدات حماية الشعب الكردية خلال الأشهر المقبلة.

وقبل إعلان ترامب، قال أردوغان إن العملية قد تبدأ "خلال الأيام القليلة المقبلة"، لكن أنقرة أعلنت عن تأخير العملية لتفادي الوقوع تحت "نيران صديقة".

والدعم الأميركي لوحدات حماية الشعب الكردية التي تعمل تحت لواء قوات سوريا الديموقراطية (قسد) شكّل لمدّة طويلة مصدر توتر بين الولايات المتحدة وتركيا الحليفتين في حلف الأطلسي.

ويبدو أن ترامب وأردوغان، مع تحرك ترامب للخروج من سوريا وثقته بأن تركيا ستقضي على "داعش"، يتجهان نحو تحسين العلاقات بين بلديهما بعد تأزمها بسبب اعتقال تركيا لقس أميركي، أطلق سراحه لاحقاً.

على صعيد اخر ومنذ توليه رئاسة الولايات المتحدة قبل عامين تقريباً، فرح قادة الكيان الإسرائيلي من سلسلة قراراتٍ اتخذها دونالد ترامب دعماً لهم، لكن قراره الأخير سحب جيشه من سوريا ليس واحداً منها.

ومنذ إعلان مفاجأة الانسحاب من سوريا الأسبوع الماضي، تنامى قلق الكيان إلاسرائيلي من احتمال أن يعطي لعدوته الأبرز إيران مزيداً من الحرية للعمل في هذا البلد المجاور لفلسطين المحتلة ، وفق محللين.

ويرى بعض المحللين إن الطريقة التي اتخذ فيها القرار الأميركي وأعلن وما تلاها من استقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس، أقلقت الكيان إلاسرائيلي أيضاً.

وقال إيال زيسر نائب رئيس جامعة تل أبيب وله كتابات عديدة عن سوريا "بما أنها حليفتنا الأساسية، نريد أن تكون الولايات المتحدة قوية نريد حليفاً ينظر إليه في المنطقة على أنه قوي وفعال".

وتابع زيسر "أعتقد أن ما يقلق بعض الإسرائيليين هو الرسالة التي بعثها هذا الانسحاب إلى المنطقة بالطريقة التي اتخذ بها".

ومع انسحاب الولايات المتحدة، قد يلتفت الكيان إلاسرائيلي إلى روسيا التي تدعم الرئيس السوري بشار الأسد أيضاً، لاستخدام نفوذها للحدّ من الوجود الإيراني في سوريا، وفق ما يرى بعض المحللين.

لكن الدعم الروسي غير مضمون، خصوصاً أن أزمة إسقاط الدفاعات الجوية السورية لطائرة روسية بعدما انطلقت جراء ضربات إسرائيلية على سوريا في أيلول/سبتمبر الماضي، لم تحلّ كليا بعد.

وأغضبت تلك الحادثة روسيا وعقدت الاعتداءات الإسرائيلية في سوريا، خاصةً مع نشر موسكو لنظام "إس -300" للدفاع الجوي في سوريا كردّ على الخطوات الإسرائيلية.

وحاول نتانياهو ورئيس أركان جيش الاحتلال الاسرائيلي غادي أيزنكوت الأحد التخفيف من تلك المخاوف المتعلقة بالانسحاب الأميركي.

وقال نتانياهو إنه لم يفاجأ. وكان تحدّث مع ترامب قبل يومين من إعلان الانسحاب في 19 كانون الأول/ديسمبر وكذلك مع وزير الخارجية مايك بومبيو قبل يوم من الإعلان.

ووفق تحليل لمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية الأميركي، فإن "إسرائيل هي أكبر الخاسرين" في هذا الانسحاب، كما حلفاء أميركا الأكراد في سوريا.

وعلى الصعيد ذاته أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) امس الأحد أنه تم توقيع مرسوم سحب القوات الأميركية من سوريا الذي يريده الرئيس دونالد ترامب "بطيئا ومنسقا" مع تركيا.

وترمي هذه الاستراتيجية إلى تفادي فراغ في السلطة في المناطق التي يسيطر عليها المقاتلون الأكراد.

وقال متحدث باسم البنتاغون إن "المرسوم حول سوريا تم توقيعه"، بدون مزيد من التفاصيل.

كما أكدت الرئاسة التركية امس الأحد أن المسؤولين الاتراك والاميركيين "اتفقا على ضمان التنسيق بين العسكريين والدبلوماسيين والمسؤولين الآخرين في بلديهما تفاديا لفراغ في السلطة قد ينجم عن استغلال الانسحاب الأميركي والمرحلة الانتقالية في سوريا".

وكان نصر الحريري رئيس هيئة التفاوض السورية الممثلة من قوى المعارضة السورية دعا واشنطن إلى التحقق من أن انسحابها لن يفضي إلى عودة الحكومة السورية إلى المناطق التي لا تزال بأيدي الأكراد.

وقال نصر الحريري إن هذا الفراغ قد يدفع الأكراد للتقرب من الحكومة السورية تفاديا لهجوم تركي والسعي إلى الحفاظ على حكم ذاتي نسبي.

وتخشى أنقرة قيام نواة دولة كردية عند أبوابها ما يعزز التطلعات الانفصالية للأقلية الكردية في تركيا.

من جهتها هددت قوات سوريا الديموقراطية بوقف محاربة تنظيم "داعش" للدفاع عن أراضيها والإفراج عن مئات السلفيين الأجانب المسجونين ويقلق مصيرهم الغرب.

ولا يزال لتنظيم داعش بعض الجيوب وهو قادر على شن هجمات دامية في سوريا والعالم، رغم تفتت "الخلافة" التي أعلنها في 2014 بسبب الهجمات المتكررة.

وأثار قرار ترامب صدمة في الولايات المتحدة وأدى إلى استقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس والموفد الأميركي للتحالف الدولي لمحاربة داعش بريت ماكغورك المعارضين للانسحاب.

وامس الأحد عين ترامب نائب وزير الدفاع باتريك شناهان الذي سيخلف ماتيس بدءا من الأول من كانون الثاني/يناير.

كما اثار قرار الانسحاب إرباكا أيضا في صفوف حلفاء واشنطن. وأعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأحد عن "أسفه العميق لقرار ترامب" مضيفا أن "على الحليف أن يكون جديرا بالثقة والتنسيق مع الحلفاء الآخرين".

وأضاف "الحلفاء يحاربون جنبا إلى جنب".

وعلى الصعيد الايراني أكد وزير الخارجية محمد جواد ظريف أنّ الوجود الأميركيّ في سوريا لم يكن قانونياً ولا شرعياً منذ البداية.

وأشار ظريف إلى أنّه من المبكّر تقديم تحليل مفصّل عن نيّات واشنطن المستقبلية تجاه سوريا.

وقال "لا نملك المعلومات الكافية حول برامج أميركا في سوريا حتى الآن لنتخذ موقفا لكن التواجد الأميركي في سوريا لم يكن قانونيا منذ البداية ولم يكن في مصلحة الشعب السوري وبمعارضة الحكومة السورية وخلق توترات أيضاً ولم تحارب اميركا داعش مطلقا على عكس اداعاءاتها لكن اعتقد أنه من المبكر تقديم تحليل مفصل حول نوايا أميركا في سوريا مستقبلاً.

ظريف أعلن أن "بلاده تتفهّم قلق تركيا من العمليات الإرهابية، لكنه أشار إلى ضرورة تنسيق أنقرة عملياتها العسكرية مع الحكومة السورية.

وأردف "قلنا دوماً إننا نعتقد أن أي خطوات كهذه يجب أن تكون من خلال الحكومة السورية ونحن نتفهم قلق تركيا من العمليات الإرهابية ضدها لكن قلنا دائماً لأصدقائنا الأتراك، ونؤكد على ذلك الان ان العمليات العسكرية دون موافقة الحكومة السورية لا تساهم في حل الأزمة ويجب أن تكون بالتنسيق مع الحكومة السورية ونحن جاهزون لمساعدتهم حتى يستطيعوا تبديد قلقهم من خلال التنسيق مع الحكومة السورية".

ويرى العديد من الخبراء السياسيين ان الانسحاب الاميركي من سوريا سيعزز التواجد التركي ويترك الاكراد السوريين فريسة للقوات التركية للقضاء عليهم ويثبت مرة اخرى ان الاميركان ليسوا حلفاء يمكن الوثوق بهم وانهم يطعنون في الظهر اذا اقتضت الضرورة.