ردا على انتقادات ماكرون.. أحكام قاسية بحق صحفيين بمصر

ردا على انتقادات ماكرون.. أحكام قاسية بحق صحفيين بمصر
الجمعة ٠١ فبراير ٢٠١٩ - ١٢:٢١ بتوقيت غرينتش

تتوالى الانتقادات الحقوقية المحلية والدولية لملف حقوق الإنسان في مصر، حيث انتقد الرئيس الفرنسي إمانوئل ماكرون تعامل السلطات المصرية مع المدونين والمعارضين، وأطلق تصريحات أثارت جدلا كبيرا، قال فيها إن حقوق الإنسان في مصر ينظر إليها بشكل متزايد على أنها في وضع أسوأ مما كانت عليه في عهد الرئيس السابق حسني مبارك.

العالم - تقارير

أصدرت بعض المنظمات الدولية مؤخرا تقارير حول ملف حقوق الانسان في مصر، وأثار الموضوع جدلا واسعا في الاوساط المصرية خاصة وأنه ترافق مع انتقادات الرئيس الفرنسي إمانوئل ماكرون. وانتقد ماكرون، الاثنين الماضي، تلك الأوضاع في أثناء مؤتمر صحفي جمعه بالسيسي في القاهرة، وهو ما رد عليه الأخير بأن مصر ليست أوروبا وأمريكا، وأنه لا يجب اختزال حقوق الإنسان في مصر في آراء مدونين، فيما ينفي النظام وجود معتقلين سياسيين بالسجون.

وقالت منظمة العفو الدولية التي تتخذ من لندن مقرا لها، في بيان أصدرته الأسبوع الماضي، إن مصر باتت "أخطر من أي وقت مضى" على المعارضين الذين ينتقدون السلطة سلميا بسبب القمع والتضييق الأشد "في التاريخ الحديث" للبلاد.

وأوضحت المنظمة، في بيانها عشية الذكرى الثامنة لثورة 25 يناير التي أطاحت بحكم حسني مبارك أن السلطات المصرية أوقفت 113 شخصا على الأقل في 2018 لأنهم "عبروا سلميا عن آرائهم".

وفي حين رأت العفو الدولية أنه "في ظل إدارة الرئيس عبد الفتاح السيسي، أصبحت مصر سجنا للمعارضين" نفى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وجود سجناء سياسيين في بلاده في مقابلة أجراها أخيرا مع قناة "سي بي إس" الأمريكية.

من ناحية أخرى قالت منظمة هيومن رايتس ووتش، في تقريرها لعام 2019 إن السلطات المصرية تذرعت بقوانين مكافحة الإرهاب وقانون الطوارئ لسحق المعارضة السلمية خلال عام 2018 ، بما في ذلك ملاحقة الصحفيين والنشطاء الحقوقيين.

وأشار تقرير المنظمة، ومقرها نيويورك، إلى أنه في أواخر يناير/كانون الثاني وفي فبراير/شباط من العام الماضي، نفذت قوات الأمن سلسلة اعتقالات تعسفية في إطار قمع متصاعد ضد خصوم الرئيس السيسي السياسيين السلميين قبيل الانتخابات الرئاسية.

النيابة العامة تنفي تعذيب المعتقلين

في المقابل طالبت النيابة العامة المصرية، الأربعاء 30 يناير، منظمة هيومان رايتس ووتش بتوخي الدقة فيما تنشره من بيانات بشأن حقوق الإنسان في مصر، نافية تعرض مُتهمين للتعذيب كانت تحدثت المنظمة عن حالاتهم.

جاء ذلك في بيان أصدرته النيابة بشأن التحقيق فيما ورد في تقرير أصدرته المنظمة في سبتمبر 2017، قالت فيه إنها أجرت مقابلات مع مصريين سبق اتهامهم في قضايا إرهابية، وإن هؤلاء تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة من بعض أعضاء النيابة وضباط شرطة خلال مرحلتي الضبط والتحقيق لحملهم على الاعتراف بوقائع تلك القضايا.

وأوضح البيان، أنه بالفحص تبين أن تقرير المنظمة تضمن تسع وقائع نُسبت جميعًا لحالات متهمين لم تفصح المنظمة عن أسمائهم الحقيقية أو بيانات عن القضايا التي تم ضبطهم على ذمتها، بل أشارت إليهم بأسماء مستعارة على نحو قاصر يصعب معه الاستدلال عليهم.

وتبنت مصر قانونا يسمح للسلطات مراقبة الحسابات الأكثر شعبية على مواقع التواصل الاجتماعي وحجبها في حال رأت أنها تنشر "أخبارا زائفة"، علاوة على توقيف ناشطين حقوقيين.

ويعتبر المدافعون عن حرية التعبير أن هذه الإجراءات تهدف إلى التضييق على الحريات على الإنترنت التي تعتبر المجال الوحيد الذي لا يزال معارضو النظام قادرين على التعبير من خلاله.

لكن السلطات المصرية تؤكد أن هذه الإجراءات ضرورية للتصدي لما تصفه بـ"الإرهاب".

صدور أحكام قاسية

أصدرت محكمة مصرية، الخميس، أحكاما قاسية بحق 26 إعلاميا وصحفيا مصريا بفضائيات المعارضة المصرية بالخارج؛ "مكملين"، و"الشرق"، وأيضا "الجزيرة" القطرية، في قضية تتعلق بعملهم الصحفي والإعلامي، وبعد أيام من انتقاد الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" لملف حقوق الإنسان بمصر من قلب القاهرة.

وقضت محكمة الجنايات بالقضية المقيدة أمن دولة طوارئ 2017، والمُحالة بموجب قانون الطوارئ والمعروفة إعلاميا بـ"لا والنبي يا عبدو"، أو "إعلام الإخوان"، بسجن 9 أشخاص حضوريا و12 غيابيا بالسجن 5 سنوات، و5 آخرين غيابيا بالسجن 15 سنة.

ومن بين الصادر بحقهم أحكاما بالقضية، الفنان والإعلامي هشام عبدالله، والإعلامي عماد البحيري، والمعارض المصري بالولايات المتحدة محمد شوبير شقيق نائب رئيس اتحاد الكرة أحمد شوبير، ومؤسس المجلس الوطني للتغيير حسام الدين عاطف، والناشطة غادة نجيب، زوجة الفنان هشام عبدالله.

ووجهت السلطات لأعضاء بالمجلس المصري للتغيير، تهمة تأسيس جماعة على خلاف أحكام القانون على خلفية دعوة المجلس لحملة ساخرة لمناهضة ترشيح الرئيس عبدالفتاح السيسي، بانتخابات الرئاسة في 2018، باسم "لا والنبي يا عبدو"، ما اعتبره النظام تحريضا ضد الدولة، فيما طالت الاتهامات إعلاميين بفضائيات "مكملين"، و"الشرق"، و"الجزيرة".

وفي الوقت الذي يقبع فيه أكثر من 60 ألف معتقل سياسي بسجون النظام العسكري الحاكم، بينهم نحو 90 صحفيا تم اعتقالهم على خلفة عملهم الصحفي، في ظروف إنسانية وصحية صعبة، ويتعرضون لانتهاكات وضغوط ومحاكمات غير عادلة، حسب حقوقيين.

حكم مسيس بلا قيمة

وفي تعليقه على الحكم الصادر بحقه، قال الإعلامي بفضائية "الشرق" المعارضة من اسطنبول، عماد البحيري: "الحكم ليس له قيمة على الإطلاق، وعندما تشاورت مع الزملاء بالقضية في البداية رفضت تكليف محامي للدفاع، ورفضت فكرة اعتبارها محاكمة من الأساس، كونها قضية سياسية يُملى على القاضي الحكم فيها".

وأشار إلى أن "القضية تتبع المجلس المصري للتغيير، لكنهم حاولوا تسميتها باسم إعلامي يسهل ترويجه، فأطلقوا عليها مسمى قضية (إعلام الإخوان)"، مؤكدا أنها "قضية فاشلة لا تنبني على شيء سوى بعض الرسائل عبر مواقع التواصل بين أعضاء المجلس الذي يسعي لإقامة دولة مدنية وحكم ديمقراطي".

وأكد البحيري أن الحكم لن يؤثر على عمله الإعلامي ولا على القناة المعارضة، مضيفا: "بل وسنجتهد برسالتنا الإعلامية، وسنقاوم الظلم لآخر مدى، حيث إنه لا خلاص لمصر سوى بإنهاء الحكم العسكري مهما كانت الأثمان التي سيدفعها من يريد تصدر المشهد للخلاص من النظام".

وأوضح أنهم سيحاولون استغلال الحكم حقوقيا، وكشف سوءات النظام في معاقبة وقمع الرأي المستمر بمصر، وإرسال مذكرات للأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والمنظمات الحقوقية، باعتبار أن ذلك دورها.

رد على ادعاء السيسي

من جانبه، أكد مدير المرصد العربي لحرية الإعلام، قطب العربي، أن "الحكم بحبس عدد من الإعلاميين المصريين ما بين 5 و15 عاما بقضية تتعلق أساسا بالعمل الإعلامي ونشر الأخبار التي وصفتها الشرطة بالكاذبة، هو تصعيد جديد ضد حربة الصحافة في سياق موقف عام معاد للإعلام بعد انقلاب يوليو 2013 وحتى الآن".

أمين عام المجلس الأعلى للصحافة سابقا قال : "هذا الحكم الجديد رد مباشر على ادعاء السيسي وبرلمانه بعدم وجود صحفيين سجناء، متجاهلين وجود حوالي 90 إعلاميا، آخرهم الصحفي أحمد جمال زيادة، الذي قُبض عليه خلال وصوله مطار القاهرة قادما من تونس".

وأضاف العربي أن تصرفات السيسي باعتقال عدد كبير من المعارضين بالداخل بجانب هذه الأحكام بعد انتقادات الرئيس الفرنسي، إمانويل ماكرون، لملف حقوق الإنسان بمصر في حضور السيسي، غريبة ومثيرة، وتثير الشك بماكرون والغرب بأنه يعلن غير ما يبطن".

سلوك "إسرائيل" ذاته

وفي تعليقه، يرى الصحفي المعارض، معاطي السندوبي، أن تلك الأحكام هي "إحدى محاولات السيسي لوأد حرية التعبير"، مضيفا أنه وبرغم انتقادات غربية آخرها للرئيس الفرنسي، فإن السيسي لم يعد يعبأ بردود الفعل الدولية على انتهاكاته لحقوق الإنسان؛ لأنه يعرف أنها مجرد كلمات وليست أفعال.

وأضاف ، أن "السيسي يسلك سلوك "إسرائيل" ذاته في انتهاك كل حقوق الشعب الفلسطيني، رغم كل الترسانة من القرارات الدولية التي تدينها، فهي حبر على ورق طالما لم تتحول إلى فعل، وهذا هو حال مصر بعهد السيسي".

وعبرت الناشطة غادة نجيب عن استغرابها من زج اسمها ضمن المتهمين بالقضية والحكم بحقها بـ5 سنوات، مؤكدة أنها كانت تسخر من فكرة المجلس المصري للتغيير.