التعديلات الدستورية تثير الجدل في مصر.. فما هي تفاصيلها؟

التعديلات الدستورية تثير الجدل في مصر.. فما هي تفاصيلها؟
الأربعاء ٠٦ فبراير ٢٠١٩ - ٠٣:٢٠ بتوقيت غرينتش

بدأ مجلس النواب المصري خطوات لإجراء تعديلات في الدستور تتيح للرئيس عبد الفتاح السيسي، مد فترة بقائه في الحكم من اربع سنوات الى ست سنوات. وفيما وافق البرلمان على مناقشة مقترحات التعديلات الدستورية، تصاعدت ردود الفعل الرافضة لإجراء التعديلات الدستورية التي تقدم بها عدد من النواب وأثارت جدلا واسعا في صفوف المعارضة.

العالم- تقارير

أقرت اللجنة العامة في مجلس النواب المصري بأغلبية تفوق الثلثين تعديلات على الدستور تتضمن مد فترة الرئاسة لست سنوات، واستحداث مجلس للشيوخ، وتعيين نائب أو أكثر للرئيس.

ولم يرد رسميا أي ذكر لإدخال تغييرات مقترحة على الحد الأقصى لمدد الترشح للرئاسة، لكن مصادر إعلامية نقلت عن عضو المكتب السياسي لائتلاف "دعم مصر"-الذي يقود حملة التعديلات- أن النواب اتفقوا على تعديل خمس مواد تشمل زيادة مدة الرئاسة الواحدة لتكون ست سنوات بدلا من أربع.

من جانبه، قال رئيس مجلس النواب علي عبد العال إنه سيحيل التقرير الذي وافق عليه أكثر من ثلثي أعضاء اللجنة العامة في اجتماعها إلى جميع النواب قبل الجلسة المحددة لمناقشته بسبعة أيام على الأقل عملا بحكم الفقرة الرابعة من المادة 134 من اللائحة الداخلية للمجلس.

وذكر بيان مجلس النواب عددا من المبادئ الأساسية لمسودة التعديل التي أقرت للمناقشة، أبرزها "في مجال إصلاح نظام الحكم والتوازن بين النموذج البرلماني والرئاسي إمكانية تعيين نائب لرئيس البلاد أو أكثر، وتعديل مدة الرئاسة لتصبح ست سنوات بدلا من أربع، مع وضع ما يلزم من أحكام انتقالية".

اهم ما تتضمنه مقترحات التعديل الدستوري

وبحسب تسريبات إعلامية فان المذكرة التي تقدم بها رئيس ائتلاف "دعم مصر" صاحب الأغلبية البرلمانية (317 نائبا من أصل 596) إلى رئيس مجلس النواب، تقترح تعديل 12 مادة من مواد الدستور واستحداث 8 مواد جديدة.

وأهم ما تتضمنه التعديلات وفق الاعلام هو تخصيص ربع مقاعد البرلمان للمرأة، وتشكيل مجلس شيوخ له صلاحيات استشارية، وتمديد مدة الرئاسة من أربع سنوات إلى ست سنوات، وحق رئيس الجمهورية الحالي بعد انتهاء مدة رئاسته في ترشيح نفسه لفترتين كل منهما ست سنوات، ولرئيس الجمهورية أن يعين نائباً له أو أكثر، كما تضمنت مقترحات التعديل النص على أن يكون تعيين وزير الدفاع بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

وللمزيد من بسط الهيمنة على سلطات الدولة، تتضمن التعديلات المقترحة التي تداولتها وسائل الإعلام تشكيل مجلس أعلى للجهات والهيئات القضائية برئاسة السيسي، على أن يتولى هذا المجلس تعيين وترقية وندب القضاة، فضلا عن النظر في القوانين المقترحة لتنظيم عمل الهيئات القضائية.

وحسب ما نقله الإعلام عن بعض النواب المصريين، فإن التعديلات المتوقعة ستعطي السيسي حق اختيار النائب العام من بين ثلاثة مرشحين، بعد أن كان الاختيار من حق المجلس الأعلى للقضاء، وهو ما ينطبق أيضا على رئيس المحكمة الدستورية الذي كان يٌعين بالأقدمية المطلقة، لكن أصبح الآن من حق السيسي الاختيار من بين أقدم خمسة نواب لرئيس المحكمة.

وبحسب تسريبات إعلامية، تتضمن التعديلات أيضا تقليص صلاحيات القضاء الإداري الذي كان يلجأ إليه النشطاء في مخاصمة الحكومة، حيث اقترحت التعديلات إلغاء اختصاص مجلس الدولة بالمراجعة "الإلزامية" لجميع مشروعات القوانين قبل إصدارها، والاكتفاء بإبداء الرأي فيما يطلب منه، وبالتالي يصبح عرض القوانين والاتفاقيات على القضاء الإداري غير ملزم للبرلمان، وهي الإشكالية التي تعرض لها البرلمان بعد الموافقة على اتفاقية جزيرتي تيران وصنافير، والتي حكم القضاء الإداري ببطلانها.

المعارضة تشكل اتحاد الدفاع عن الدستور

وعقب الإعلان عن التعديلات المقترحة، انطلقت حملة إلكترونية تحت وسم #لا_لتعديل_ الدستور بمنصات التواصل الاجتماعي، في مقابل حملات لمؤيدين للتعديل. ويقول أنصار السيسي إن تمديد ولايته ضروري لإتاحة المزيد من الوقت أمامه لتنفيذ خطط التنمية الاقتصادية، وضمان استقرار البلاد.

هذا وقررت أحزاب وقوى وشخصيات سياسية معارضة داخل مصر تشكيل جبهة واسعة لرفض تعديل الدستور، تحمل اسم "اتحاد الدفاع عن الدستور"، وسيُعلن عنها رسميا خلال الأسبوع المقبل، بحسب مصادر مصرية.

وجاء ذلك عقب اجتماع، مساء الاثنين الماضي، بمقر حزب المحافظين في محافظة القاهرة، حضره نحو 40 شخصية معارضة من تيارات سياسية مختلفة.

وشارك في الاجتماع أحزاب المصري الديمقراطي الاجتماعي، والدستور، والإصلاح والتنمية، والتحالف الشعبي الاشتراكي، والاشتراكي، والوفاق، وتيار الكرامة، والعيش والحرية (تحت التأسيس)، ومصر الحرية، والمحافظين، والشيوعي المصري، فضلا عن بعض نواب البرلمان الرافضين لتعديل الدستور.

ومن بين الشخصيات التي حضرت الاجتماع: حمدين صباحي، ومحمد أنور السادات، وعبد الجليل مصطفى، وسمير عليش، وجورج إسحاق، وأحمد البرعي، ومحمد محي الدين، ومدحت الزاهد، وزهدي الشامي، ومحمد عبد العليم داوود، وطلعت خليل، وفريد زهران، ومجدي عبد الحميد، وصلاح عدلي، وآخرون.

المعارضة تعلن رفضها أي مساس بالدستور

من جهته، أكد المتحدث الرسمي السابق باسم "الجبهة الوطنية للتغيير"، سمير عليش، أن "اتحاد الدفاع عن الدستور سيكون أكبر وأوسع من الحركة المدنية الديمقراطية، حيث يضم أحزابا وقوى سياسية وشخصيات عامة وقادة رأي وفكر من تيارات مختلفة وأعضاء بمجلس النواب"، لافتا إلى أن هناك تواصلا مع قوى وشخصيات أخرى لم تحضر اجتماع الاثنين، فالاتحاد في طريقه للاتساع أكثر وأكثر.

وأشار عليش، في تصريحات، إلى أن القوى والشخصيات التي حضرت الاجتماع رفضوا بالإجماع أي مساس بالدستور، لا من قريب ولا من بعيد، محذرين من خطورة تأبيد حكم الفرد المطلق وتبعية كل المؤسسات له أو محاولة إخضاع الشعب لحكمه، ونسف التوازن بين السلطات، والعصف بالحريات.

وذكر أن اجتماعهم ناقش كيفية مواجهة التعديلات الدستورية، وحدّد بعض الخطوط العريضة للتحرك في هذا الصدد، وتم تشكيل لجنة ضمت بعض الشخصيات ستقوم بصياغة البيان التأسيسي للاتحاد، وستقوم بوضع خطة المواجهة الكاملة ومسارات التحرك على المستوى الميداني والإعلامي والسياسي والقانوني.

الحزب الناصري أعلن رفضه لإجراء تعديلات دستورية، وقال في بيان "التعديلات المقترحة تعد إهدارا لقيمة التضحيات والدماء التي قدمها الشعب المصري ممثلا لشبابه وقواته المسلحة وشرطته المدنية التي سطرت بهذه الدماء دستور 2014".

البرادعي: التعديلات الدستورية إهانة لشعب

بدوره قال السياسي محمد البرادعي، الذي تولى سابقا منصب نائب الرئيس المؤقت، عقب الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي، عام 2013، إن التعديلات الدستورية إهانة لشعب قام بثورة لينتزع حريته، وعودة إلى ما قبل يناير/كانون الثاني 2011، أي قبل الثورة التي أطاحت بالرئيس المخلوع حسني مبارك.

وأضاف البرادعي في سلسلة تغريدات أن الدستور "عقد توافقي بين كافة الأطراف، وليس عقد إذعان يفرضه طرف على آخر"، وتساءل مستنكرا: "ألم ندرك بعد أن صراع الدساتير منذ 2011 كان جزءا أساسيا من نكبتنا؟" مشيرا إلى أن وضع دستور غير توافقي عادة يعجل برحيل صاحبه ويرحل معه.

وتعقيبا على التعديلات الدستورية، قال الحقوقي المصري البارز جمال عيد إن الدستور المصري يمنع أي تعديل على نصوصه المتعلقة بإعادة انتخابات رئيس الجمهورية، مضيفا أنه "إذا تم التعديل فسيكون استنادا إلى القوة ولا شيء آخر". لأن الدستور يقول في مادة 226: "وفي جميع الأحوال, لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية, أوبمبادئ الحرية, أوالمساواة, ما لم يكن التعديل متعلقا بالمزيد من الضمانات".

وأضاف الحقوقي المصري أن الأخطر في التعديلات الدستورية المقترحة هو أنها "تشرعن حكم الجيش"، ويضيف أنه على ضوء التعديلات سيصبح "الجيش ليس فقط الحاكم عمليا، بل وقانونيا ودستوريا".

وذهب النائب البرلماني المعارض هيثم الحريري إلى أن التعديلات المقترحة "تكرس الاستبداد وتنسف أي مسار ديمقراطي في المستقبل القريب أو البعيد".

نظرة السيسي للدستور المصري وتعديله

ويعتقد المراقبون، أنه بين السيسي وبين فكرة الدستور أصلا علاقة متوترة، فقد انقلب عليها في الثالث من يوليو/تموز 2013 حين كان وزيرا للدفاع، فأطاح بالرئيس محمد مرسي وأعلن تعطيل العمل بالدستور. وتشكلت في أعقاب ذلك لجنة الخمسين التي تولت مهمة تعديل الدستور.

وتسرب تسجيل صوتي لكواليس الحوار الذي أجراه السيسي مع الصحفي ياسر رزق في أعقاب أحداث 2013، فكشفت التسريبات جانبا من نظرة السيسي للدستور، وكيف يرى أهدافه ووظائفه.

ويتهم السيسي في التسجيل لجنة الخمسين بأنها "طففت في الميزان"، و"التفّت" على المطالب "الشعبية" التي يرى السيسي أنه استجاب لها في يوليو/تموز 2013.

ويقول السيسي "العقد الذي تم تقديمه للناس في 3 يوليو كان تعديلات على الدستور، وبعد ذلك حدث تطفيف في الميزان... أنت كان منتهى أملك أن تجري تعديلات دستورية تجعل هذا الدستور منسجما مع المصريين"، ويضيف "لماذا حين جاءت الفرصة وأصبح الدستور أمامك قلت لا لنكتب دستورا جديدا، لماذا تطفف في الميزان؟".

وفي مقطع آخر من التسجيل الذي تسربت أجزاؤه تباعا، تحدث السيسي عن رغبته في الحصول على وضع خاص في ذلك الدستور الجديد، فقال مخاطبا الصحفي ياسر رزق "(ينبغي أن) تقودوا حملة مع المثقفين لوضع فقرة في الدستور تحصن الفريق السيسي في منصبه كوزير للدفاع، وتسمح له بالعودة لاستئناف دوره حتى لو لم يدخل الرئاسة".

وربما تكون أحاديث السر أصدق تعبيرا عن موقف السيسي من الدستور، إذ إن أحاديثه العلنية تذبذبت وتأرجحت وفق ردود الفعل التي كان يتحسب لها.

فقبل أيام من الاستفتاء الشعبي على دستور لجنة الخمسين في يناير/كانون الثاني 2014، تحدث السيسي في احتفال القوات المسلحة بمناسبة المولد النبوي الشريف، فقال "الدستور خطوة على طريق المستقبل لمصر"، ورأى أن نزول الشعب للتصويت في الاستفتاء هو إنقاذ لمصر، حيث قال "لن أقول الدستور أمانة في رقبتكم، مصر أمانة في رقبتكم"، وناشد النساء المصريات النزول للتصويت من أجل الدستور.

وبعد نحو عشرين شهرا فقط من إقرار الدستور، أثار السيسي عاصفة حين قال في مؤتمر لشباب الجامعات المصرية في سبتمبر/أيلول 2015، إن بعض مواد الدستور كتبت "بحسن نية"، وأضاف أن "الدول لا تبنى بالنوايا الحسنة".

ويبدو أن رجال السلطة أدركوا ما أثاره هذا التصريح من جدل، فسارع الإعلام الرسمي لحذف تصريح "النوايا الحسنة"، ولكن بعد فوات الأوان، فقد تناقلته وسائل إعلام عديدة.

وبعد ثلاثة أسابيع من التفاعلات، خرج السيسي خلال احتفال بذكرى حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 وقدم توضيحا لتصريحه المثير للجدل محاولا تهدئة الأجواء، لكنه ربما كشف عن غير قصد بعض ما عناه حقا، فقد قال في بداية كلامه "تكلمت عن تعديل الدستور.. أو الانتخابات البرلمانية وقلت عبارة سأوضحها لحضراتكم".

وتابع "قلت إن الدستور الذي استفتينا الشعب المصري عليه وأخذ أغلبية كبيرة، فيه حسن نوايا كثيرة، ولقيت الناس تحسبت من هذا الكلام وأنا معهم أشارككم تحسبكم، لكن سأذكركم بشيء.. لا تتعاملوا معي على أني صاحب سلطان، أنا واحد منكم".

وأضاف "لا نريد أن نفقد ثقتنا ونتشكك في أي كلمة تقال... لن يستطيع أحد فرض إرادته على الشعب، سواء الرئيس أو غيره، بعد التغيير الذي حدث في 30 يونيو، ولن يستطيع أي رئيس البقاء في موقعه رغما عن إرادة الناس".

وأوضح السيسي أنه كان يقصد بتصريحه أن الدستور أعطى البرلمان صلاحيات واسعة، وأن تعويق بعض القوانين عبر البرلمان قد يضر بالبلاد، كما أنحى باللائمة على الإعلاميين في تشكيك الجمهور.

وقال "أرجو ألا نخرج التصريح عن معناه الحقيقي ونخوف أنفسنا ونخوف الناس. أنا واحد منكم"، ومنذ تلك التوضيحات، أصبح السيسي أكثر حذرا في حديثه عن الدستور، كما تكشف التصريحات التالية.

وفي حوار نشر في فبراير/شباط 2016، سألت مجلة جون أفريك الفرنسية السيسي إن كان سيعدل الدستور ليبقى في الحكم أكثر من ثماني سنوات، فقال إن الشعب المصري لن يسمح بذلك لأنه "يتسم بالذكاء وبحضارة عريقة، والشعب يعرف جيدا كيف يختار، فعندما رفضوا مرسي نزل ثلاثون مليون مواطن إلى الشارع"، بحسب قوله.

وفي جزء آخر من الحوار، رأى السيسي أن "الديمقراطية عملية طويلة ومستمرة وسيتطلب تحقيقها في مصر فترة تتراوح من عشرين إلى 25 عاما".

وفي ديسمبر/كانون الأول 2016، تحدث السيسي في مؤتمر للشباب، فقال إن تداول السلطة مضمون، وأضاف أن "من يكلمكم لا يستطيع أن يبقى في مكانه يوما واحدا زيادة، سيذهب طبقا للدستور، ولم يكن أحد يستطيع أن يقول ذلك أو يفكر فيه (في الماضي)".

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، قال السيسي في مقابلة مع تلفزيون "سي إن بي سي" الأميركي "أنا مع الالتزام بفترتين رئاسيتين مدة الواحدة منهما أربعة أعوام ومع عدم تغيير هذا النظام"، ثم أردف "أقول إن لدينا دستورا جديدا الآن، وأنا لست مع إجراء أي تعديل في الدستور في هذه الفترة".

وثمة خطوات يتطلبها تعديل بعض مواد الدستور المصري قبل إقراره في حال موافقة الشعب عليه بعد استفتائه. وتنص المادة 226 بالدستور على أنه لرئيس الجمهورية، أو لخمس أعضاء مجلس النواب، طلب تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور، ويناقش مجلس النواب طلب التعديل خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تسلمه. وإذا وافق على التعديل ثلثا عدد أعضاء المجلس، عُرض على الشعب؛ لاستفتائه عليه خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدور هذه الموافقة، ويكون التعديل نافذاً من تاريخ إعلان النتيجة، وموافقة أغلبية عدد الأصوات الصحيحة للمشاركين في الاستفتاء.