أين مصلحة لبنان في مفاوضات مع "إسرائيل"؟

أين مصلحة لبنان في مفاوضات مع
الجمعة ٠٧ يونيو ٢٠١٩ - ٠٦:٢٨ بتوقيت غرينتش

مَن طلب المفاوضات لأجل ترسيم الحدود البرية والبحرية مع العدو؟ «إسرائيل» أم لبنان أم الولايات المتحدة الأميركية؟ ومَن الطرف صاحب المصلحة في انطلاق مفاوضات كهذه الآن؟ ومَن الطرف المحشور والمضغوط لأجل أن يطلب مثل هذه المفاوضات؟ هل هي تل أبيب أم لبنان أم الولايات المتحدة نفسها؟

العالم- لبنان

الأسئلة ضرورية، لأن نتائج الاتصالات الجارية حول الأمر تظهر مؤشرات مقلقة، أبرزها أنّ في لبنان مسؤولين واهمين بأنه يمكن الحصول من خلال المفاوضات مع "إسرائيل" على حقوق لبنان بالأرض والمياه وما هو موجود تحتهما. كذلك، لأن واشنطن ترغب في إنجاز لا يتصل حصراً بإشاعة أجواء إيجابية حول التواصل بين العرب والعدو الإسرائيلي، بل في إنجاز يتصل أيضاً بأن تتوصل هي إلى ضمانة اتفاقات تجعلها الطرف المسيطر على إنتاج الغاز والنفط الموجودَين على ساحل المتوسط وتصريف ناتجهما وتوزيعه.

أما "إسرائيل"، فهي صاحبة مصلحة إذا كانت النتيجة إعلان لبنان أنه لم يعد هناك خلافات معها، حتى تتصرف وفق قاعدة أنها سحبت الذرائع من يد المقاومة. لكن العدو يعرف الثمن مسبقاً، وهو الانسحاب من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر، وإخلاء نحو 13 نقطة على طول الحدود البرية، إلى جانب تثبيت الحدود البحرية وفق ما تنتهي إليه الحدود البرية.

وهذا الثمن مستبعد التحصيل، لأن العدو، ببساطة، ليس في وارد تقديم تنازلات حقيقية، لا في البر ولا في البحر... فلماذا إذاً هذا «الاستعجال والانفحاط» بما يطلق عليه اليوم، مفاوضات غير مباشرة بين لبنان و"إسرائيل" لمعالجة ملف الحدود البرية والبحرية؟

في الشكل، يجب توضيح أمر، هو أن الزيارات المكوكية للمسؤول الأميركي ديفيد ساترفيلد للبنان وفلسطين المحتلة، لا تعكس كثافتها أن هناك استعجالاً إسرائيلياً وأميركياً لإنجاز هذه الصفقة.

وليس صحيحاً أن هناك أولوية أميركية بارزة اسمها ملف الحدود بين لبنان وشمال فلسطين المحتلة. صحيح أن الرجل مكلَّف هذا الملف، ريثما ينتهي البت بنقله إلى السفارة الأميركية في أنقرة، أو إلغاء عقد العمل بينه وبين وزارة خارجية بلاده. لكن دعونا لا نتجاهل أنّ ساترفيلد يتردد بوتيرة عالية إلى المنطقة، لأن لديه من يشتاق إليه في تل أبيب، حيث تتولى زوجته - التي تعمل أيضاً في وزارة الخارجية الأميركية - مهمة في الأرض المحتلة. ثم إنّ ساترفيلد، الخبير في الشؤون اللبنانية، يجيد في كل مرة يأتي فيها إلى هنا، زيادة بعض العناوين السياسية على مهمته، أو ينقل رسائل خاصة كما حصل في ملف الصواريخ.

في الشكل أيضاً، ليس لدى العدو استراتيجية محسومة حيال ملف الحدود مع لبنان. وأولويته لا تتعلق بتسوية خلافات على نقاط حدودية «متنازع عليها»، كذلك إن برنامج التنقيب عن النفط والغاز ليس مرتبطاً بنتائج هذه المفاوضات. بل إن أولويته اللبنانية قائمة ومركزة على بند واحد هو: تعاظم قوة المقاومة. لذلك، فإن تل أبيب تُحسن، بدعم أميركي، إبراز الاهتمام بملف الحدود، حتى إذا ما بدأت الاتصالات أو انطلقت المفاوضات، ستكون على طاولة البحث عناوين وملفات لا صلة لها بأصل الموضوع. وفي هذا السياق، تتضح أسباب الكلام الأميركي «الترغيبي» للبنان بأن الدخول في مفاوضات «من دون شروط» والتقدم إلى الأمام، سيجعل الولايات المتحدة تساعد في انطلاق ورشة القروض المقررة في باريس - 4 («سيدر»)، وأنّ واشنطن ستدعم عودة الاستثمارات الخارجية إلى لبنان. كذلك تتضح أسباب الكلام «التهويلي» القائل بأن لبنان مضطر إلى كبح جماح التسلح النوعي عند المقاومة، لأن "إسرائيل" لن تسكت عن امتلاك «قوة غير شرعية» في لبنان أسلحة تهدد أمنها القومي.

في الحالتين، لا يظهر أن التوافق اللبناني الرسمي على موقف موحد من المطالب، ينعكس توافقاً كاملاً على طريقة التعامل مع العروض الأميركية. ما حصل فعلياً، بعد وساطات متنوعة، أنّ أركان الحكم في لبنان (الرؤساء الثلاثة وحزب الله) توافقوا على حزمة موحدة من المطالب اللبنانية، تقول بترابط الترسيم البري والبحري، ورفض التسويات الجانبية في ملف تبادل الأراضي أو المنطقة الاقتصادية المشتركة بين لبنان وفلسطين المحتلة. لكن هذا التوافق، الذي أزعج الأميركيين لبعض الوقت، لم يكن حاسماً لجهة كيفية التعامل مع التصورات الأميركية لإدارة التواصل.

ابراهيم الامين - صحيفة الأخبار